بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
تأثير الاعتقاد بالمعاد على تهذيب النفس وتربية الروح فيما لو أجريت الأحكام الإلهية، وأخرجت الناس من الظلمات إلى النور. ولكن تحت أي عامل؟ هل أن العامل الأهم هو وجود الحديد والسيف؟ ﴿وأنزلنا الحديد...﴾ أم أن هناك شيئاً آخر؟ نحن نريد هنا أن نثبت أن العامل الأشد تأثيراً هو ذكر الآخرة ويوم الحساب لأن تنفيذ الحدود يمكن أن يثبت نظاماً صورياً فقط ولكن تربية الروح وتهذيبها لا يمكن أن يتم بالحديد، فالإنسان قد لا يرتكب عملاً خلافياً في العلن ولكن يصدر منه أي عمل في الخلوة.
وعلى هذا الأساس قلما نجد سورة لا تذكر أحداث القيامة والاعتقاد بيوم الحساب والثواب والعقاب والجنة والنار، وعندما يذكر الأنبياء على نحو التعظيم يقول أن ذكر القيامة هو الذي أوصلهم إلى هذا المقام. واليوم كذلك فإن ما جعل جبهاتنا مليئة بالحماس والعطاء هو التعلق الشديد بالشهادة وهي العلاقة بالحياة الأبدية.
ونجد السورة المباركة صلى الله عليه وآله وسلم من الآية 45 وبعدها تتحدث عن عدة من الأنبياء: ﴿واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولى الأيدي والأبصار﴾.
فلأنهم يشاهدون الحق فهم بصيرون، وأولئك الذين لا يرونه هم صم بكم عمي. فاللسان لذكر الحق والذي لا يقل الحق أبكم.
وبشأن الأنبياء يقول: ﴿إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار﴾.
والمخلَصين أعلى مرتبة من المخِلصين. فالمخِلصين أولئك الذين يمارسون الأعمال بإخلاص ومن بينهم يجتبي الله أفراداً ويستخلصهم لنفسه بحيث لا ينفذ الشيطان إلى ساحتهم: ﴿إلا عبادك منهم المخلصين﴾. فلماذا ﴿إنا أخلصناهم بخالصة﴾ لأجل ﴿ذكرى الدار﴾ ومن المعلوم أن القرآن لا يصف الدنيا بأنها الدار بل هي الممر كما عبر أمير المؤمنين عليه السلام: "الدنيا دار مجاز والآخرة دار قرار".
والمجاز من التجاوز والعبور، وعندما يأمر القرآن باتباع نهج إبراهيم الخليل عليه السلام فذلك لأنه كان يقول: لو أحرقتموني بالنار لوصلت إلى المنزل سريعاً.
وفي نهج البلاغة يقول الإمام علي عليه السلام: ذهب المتذكرون وبقي الناسون: (أو المتناسون).
ثم في الآية التالية: ﴿وأنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار﴾.
وفي الآيات التالية يذكر القرآن عاقبة أعمالهم ﴿واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب جنات عدن مفتحة لهم الأبواب﴾.
وينقل عن الإمام الباقر عليه السلام: "أن ذا الكفل كان كفيلاً وقد تعهد أن يصوم اليوم ويصلي الليل".
وعلى هذا الأساس يوجد طريقان: طريق الأنبياء وأتباعهم، وطريق الأفراد الذين يقفون مقابل الأنبياء: ﴿إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد﴾ لماذا؟ ﴿بما نسوا يوم الحساب﴾.
أما بالنسبة لدرجات القيامة، يقول تعالى في سورة الحديد الآية 20: ﴿وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان﴾.
فالبعض بذكر جهنم لا يرتكب أعمالاً خلافية، والبعض لأجل الجنة يقومون بالأعمال الصالحة، وآخرون نياتهم لما فوق جهنم والنار كعلي عليه السلام من أصحاب النفوس المطمئنة:
وهؤلاء:
1- أما بسبب ﴿إن الله يطعم ولا يطعَم﴾: شوقاً إلى الجنة.
2- بسبب الخوف: ﴿إني أخاف أن عصيت ربي عذاب يوم عظيم﴾: أي خوفاً من النار.
3- بسبب أن ﴿الله فاطر السموات والأرض﴾ أي حباً لله ورجاء لقائه.
فما هي الأعمال التي تجعلنا نتذكر الآخرة، وما هي عوامل ذكر المعاد؟
يقول القرآن أحياناً: أن الساعة قريبة، والقيامة غداً، ومن جانب آخر يذكّر بأن القيامة يوم شديد أو أنها يوم طويل (يعني بقاؤها) ويذكر أهوالها وحالاتها.
في سورة الإسراء الآيات 49-51 نقرأ هذا الأمر: ﴿وقالوا أئذا كنا عظاماً ورفاتاً أئنا لمبعوثون خلقاً جديداً﴾.
وهو ليس في حد إنكار القيامة بل بعنوان التعجب، فالتفتوا إلى هذا جيداً ولاحظوه واختموا القرآن كل شهر مرة على الأقل، لأنه لا يأخذ وقتاً طويلاً ويحمل الإنسان على ذكر المبدأ والمعاد ويوصله إلى المقامات النورانية التي تبعث فيه شوقاً إلى العلوم فيصبح عمره مليئاً بالبركة، ففي تلاوة القرآن الله هو المتكلم والعبد هو المخاطب.
على كل حال، طالعوا هذا البحث القرآني واعرفوا أنه لم يكون هناك دليلٌ على نفي المعاد وإنما جاء في حد التعجب والاستبعاد ﴿ذلك رجع بعيد﴾. فالله تعالى يجيبهم: ﴿قل كونوا حجارة أو حديداً أو خلقاً ممّا يكبر في نفوسكم﴾.
﴿فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة﴾. فالقرآن يقول أن أبدنكم التي تتفرق بين ذرات العالم سوف تجمع من جديد ولهذا فإن القرآن لا يعبّر بكلمة الفوت بل التوفي لأن الفوت معناه الزوال، وكان المشركون يقولون: ﴿أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون﴾ وكان الرد: ﴿قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكّل بكم﴾.
* وقت القيامة
يسألون متى القيامة يجيبهم الله: ﴿قل عسى أن يكون قريباً﴾ وهذا القرب هو عامل تذكّر لأن وقت الامتحان إذا كان قريباً فإن الإنسان يفكر به، وهذا التفكّر يجعل الإنسان ساعياً، وفي سورة الأحزاب الآية 63 ﴿يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريباً﴾.
"من مات فقد قامت قيامته".
وفي الآيات الأخرى يقول: ﴿إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً﴾.
لهذا فإن هدف الأنبياء السامي لا يتحقق بواسطة الحديد بل بذكر المعاد، وكل المشاكل التي يقع فيها المنحرفون علّتها نسيان القيامة.