بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
من نعم الله تعالى علينا وألطافه التي يهبها لنا هي تلك المحطات الزمانية التي نقف فيها بين يدي سيرة الأئمة لنستلهم من حياتهم تلك الدروس والعبر، نكتسبها لتشكل نقاط القوة والتكامل والرفعة في شخصياتنا بعيدا عن وهم التعلق بحطام الدنيا الزائف، ونحن أمام هذه الشخصية المعطاءة الإمام الحسن المجتبى لتلقف وتلقي تلك الومضات النيرة في مواقفه وكلماته الحكيمة، فتشكل مظلة الأمان لنا بين حفر الدنيا وآفاتها الفكرية منها والسلوكية.
الحديث حول شخصيات العظماء تتعدد فيه الغايات من تناول تفاصيل حياتهم ومواقفهم، فهذا الامتداد للمنهج القيمي والأخلاقي الذي تصاغ من خلاله الشخصية المتكاملة في فكرها ووجدانها وسلوكها، ينشأ من الارتباط بالشخصيات العظيمة التي أمر القرآن الكريم بالارتباط الروحي والتطبيقي بسيرتها، ﴿فبهداهم اقتده﴾ فالتربية بالقدوة والتأسي من أفضل السبل التنشيئية والتعليمية التي تحتوي مفردات أخلاقية واجتماعية، وتقوى الإرادة بمواجهة التحديات والمعوقات حينما نرى ببصيرتنا من سطروا ملاحم التقوى والاستقامة والعمل التبليغي ومحاربة الفساد والانحراف العقائدي، فما وهنت عزائمهم أمام موجات متتالية من المحن والمصاعب، بل كانت نتائجها إبراز جوانب العظمة فيمن ارتبطوا بالله تعالى قولا وفعلا.
والمرء الساعي إلى بناء شخصيته وفق معالم التكامل والسمو الروحي والألق الأخلاقي والرقي في العلاقات الاجتماعية والقوة في تحقيق الأهداف والسير نحو النجاح محطة تلو الأخرى، فإن أولى الخطى تتحقق بتفحص وتأمل سيرة أولياء الله تعالى الذين بلغوا أعلى درجات الكمال والسمو، وهذا القرآن الكريم يحتوي في جزء كبير منه على سرد وحكاية جهاد الأنبياء في محاربة آفات السقوط والتسافل، وحملوا شعلة التحرر الفكري من التقليد الأعمى والتزمت وعقدوا الحوارات مع أقوامهم ليحرروا عقولهم من عمى البصيرة، كل ذلك القيام لله تعالى يقدم عناصر القوة والفضيلة في الشخصية الإنسانية، ويختصر علينا البدء من الصفر والبحث بين دروب كثيرة تستنزف جهدنا ووقتنا، فقراءة تأملية في سيرة هؤلاء العظماء ممن كان قولهم الحكمة ومنطقهم الصواب والسداد وفعلهم الثبات والشجاعة والهمة العالية يسمو بنا في فضاء الكمال بجميع أبعاده في علاقتنا بخالقنا وعلاقتنا بأنفسنا وتكوينها وعلاقتنا بمن حولنا بما يحقق الطمأنينة والأمان، ويصرفنا عن آفات الانغلاق الفكري والسقوط السلوكي ومؤزمات ومثيرات الشحناء بين أفراد المجتمع، أو ليست هذه المحددات الثلاث «الفكر - السلوك - الوجدان والروح الاجتماعية» مرهونة بعوامل قد ترتقي بها وتحقق عنوان الكرامة والعلياء في الشخصية الإنسانية من جهة، أو تتجه بها نحو الاضطراب والاختلال فتسلب من الإنسان علياءه وتتجه به نحو الانحدار إلى عالم البهيمية؟!
ولننظر إلى إحدى معالم العظمة في الإمام الحسن وذلك لتكون لنا سيرة الإمام منطلقا ونبراسا وعلما هاديا في يقظة الروح وتألقها في ميدان الطاعة والتقرب من المولى الجليل، فليست العبادة بطقوس خاوية وصور لا تتضمن المعاني التكاملية، كيف والقرآن الكريم يشير إلى مضمون الصلاة وهو النهي عن الفحشاء والمنكر، والصوم له غاية وهي التقوى وتجنب محارم الله تعالى وتربية النفس على تحمل المشقات والتحلي بالهمة العالية، وهكذا في بقية العبادات التي تشكل تحليا بالفضائل وتخليا عن الرذائل.
وسيرة الإمام الحسن المجتبى العبادية هي سر الألق والتحليق الروحي في الفضاء الرحيب للنورانية، فتشع تلك العبادة وتتعمق وتتغلغل في النفس لتصوغها وفق القيم وتخلصها من ربقة الأهواء، فهذا الإمام الحسن تتغير ألوانه حينما يهم بالوضوء فإذا وقف بين يدي مولاه انفصل عن عالمنا الدنيوي بكل ما فيه، وتوجه بكل حواسه نحو عظمة الباري وطلب رضاه والمدد منه سبحانه، أفلا نستوحي من هذا المنهج العبادي الحقيقي معنى حضور القلب والتخلي عن تسرب لحظ النفس نحو معالم حطام الدنيا الزائل، والذي يحاول الشيطان الرجيم إشغال فكرنا به حتى نحرم من آثار اتصال الروح بخالقها وتحصيل الخشية منه سبحانه؟!