بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته


روى ثقة الإسلام الکليني في کتاب الکافي بسنده عن إسحاق بن عمار قال: قال أبوعبد الله الصادق عليه السلام: يا إسحاق! خف الله کأنک تراه وإن کنت لا تراه فإنه يراک، وإن کنت ترى أنه لا يراک فقد کفرت وإن کنت تعلم أنه يراک ثم برزت له بالمعصية، فقد جعلته من أهون الناظرين عليک.
أيها الإخوة والأخوات، نستفيد من هذا الحديث الشريف أن استشعار الإنسان وجدانيا لإطلاع الله عزوجل عليه يعينه على التحلي بفضيلة الورع وبالتالي التطهر من المعاصي وهي أهم عقبات طريق السير والسلوک إلى الله عزوجل قال العلامة المجلسي في کتابه القيم (مراة العقول) في شرح هذا الحديث الشريف ان الرواية تطلق على الرؤية بالبصر وعلي الرؤية القلبية وهي کناية عن غاية الإنکشاف والظهور والمعنى الأول هنا أنسب أي خف الله خوف من يشاهده بعينه وإن کان محالا. ويحتمل الثاني أيضا، فإن المخاطب لما لم يکن من أهل الرؤية القلبية ولم يرتق إلى تلک الدرجة العلية – فإنها مخصوصة بالأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) – قال: (کأنک تراه) وهذه مرتبة عين اليقين وأعلى مراتب السالکين. وقوله: (فإن لم تکن تراه) أي إن لم تحصل لک هذه المرتبة من الإنکشاف والعيان فکن بحيث تتذکر دائما أنه يراک.وهذا مقام المراقبة کما قال تعالى:
{أفمن هو قائم على کل نفس بما کسبت إن الله کان عليکم رقيبا} والمراقبة مراعاة القلب باشتغاله به والمثمر لها تذکر أن الله تعالى مطلع على کل نفس بما کسبت وأنه سبحانه عالم بسرائر القلوب وخطراتها فإذا استقر هذا العلم في القلب جذبه إلى مراقبة الله سبحانه دائما وترک معاصيه خوفا وحياء والمواظبة على طاعته وخدمته دائما. وقوله – عليه السلام – (وإن کنت ترى أنه لا يراک) تعليم لطريق جعل المراقبة ملکة للنفس فتصير سببا لترک المعاصي. والحق أن هذه شبهة عظيمة للحکم بکفر أرباب المعاصي ولا يمکن التقصي عنها إلا بالإتکال على عفوه وکرمه سبحانه ومن هنا يظهر أنه لا يجتمع الإيمان الحقيقي مع الإصرار على المعاصي.
– أن الکفر المقصود هنا هو العملي وليس الکفر الحقيقي، أي أن من يرتکب المعاصي کأنه يعتقد بأن الله لا يراه أي کأنه – عمليا – کافر بالله وبأطلاعه عزوجل على جميع أفعاله وأفکاره وما يخفيه صدره فضلا عما يقوم به من أعمال.

أيها الإخوة والأخوات، وللتخلص من هذا الکفر العملي ينبغي العمل بوصية الإمام الصادق – عليه السلام – فنلتزم بمراقبة اطلاع الله على أعمالنا لکي لا نعصيه، بل والاهم من ذلک أن نطهر قلوبنا من آثار الغفلة التي تحجبنا عنه وتسلبنا لذة مناجاته، قال العارف الزاهد الشيخ الحسين بن عبد الصمد الحارثي الهمداني والد الشيخ البهائي في کتابه القيم (العقد الحسيني):
(أن القلب هو الرئيس الأعظم لهذه الأعضاء وهو موضع نظر الرب ومناجاة الباري تعالى لأنه لا ينظر إلى الصور الظاهرة فيجب غسله من تلک الأدناس ليصلح لمناجاة الرب والوقوف بين يديه ويستلذ بالمناجاة العبادة ويقع في حيز القبول لأن الباري طيب طاهر لا يقبل إلا الطيب الطاهر وأما إذا بقي علي نجاسته وکدورته فإنه لا يصلح لمناجاة الحق سبحانه ولا لخدمته فيتحقق عدم القبول بل يستحق الطرد والعقاب لدخوله من غير الباب وإنما أمرنا بالتيمم بالتراب عند فقد الماء وضعا لتلک الأعضاء الشريفة وهضمها لها بتطهيرها بالتراب الخسيس وکذا القلب إذا لم يکن تطهيره من الأخلاق الرذيلة وتحليه بالأوصاف الجميلة وجب أن يقوم في مقام الذل والانکسار والاعتراف بالعجز والقصور فيطلع عليه مولاه الرحيم وهو منکسر متواضع متذلل فعسى أن يهبه نفحة من نفحات نوره وقضية جوده لأنه عند القلوب المنکسرة وهذه الإشارات والمعارف أنما أخذناه من کلام الأئمة المعصومين عليهم السلام لأنه قد ورد عنهم أن الطهارة عن الحدث والخبث أمر مجازي ظاهري وإنما أوجبه الباري سبحانه ليکون طريقا ودليلا علي وجوب الطهارة الحقيقية وهي طهارة القلب لأنه مدار التکليف والباري لا ينظر إلا إليه وهذا أصل مدار علوم السالکين ومقامات العارفين من الأنبياء والأئمة المعصومين والأولياء المقربين صلوات الله عليهم أجمعين.