السؤال طريقٌ إلى المعرِفة، وكثرةُ التّساؤلِ والإلحاحُ في إثارة الأسئلةِ منهجٌ يقودُ إلى استكشافِ آفاقِ المعرفةِ. وقد درَج النّاسُ على أنّ السّؤالَ عن ماهيةِ المَعارفِ مستمرّ مستأنَفٌ لا ينقطعُ بجوابٍ، حتّى غدا من تَقاليدِ المعرفةِ أنّ طلَبَ المعرفةِ في إثارة السّؤال وفي الانتقال من سؤالٍ إلى سؤالٍ، وفي إثارةِ الأسئلةِ واستئنافِ الطّلبِ للمعرفةِ إغناءٌ للمعرفةِ وإثراءٌ لأدواتِها واستزادةٌ من العلم...
واعلم أنّ إثارةَ الأسئلةِ يدعو إلى تداعي الأسئلة؛ لأنّ كلّ جوابٍ يفتَح بابَ السّؤال على مصراعَيْه، فتَتَوالد الأسئلةُ وتتشعّبُ، ولا يقنعُ القارئُ النّهمُ البَتّةَ بالجوابِ الواحد؛ ولذلك يستأنفُ السّؤالَ تِلْو السّؤالِ ويُوسّعُ مجالَ التّحاوُر، فيُصبحُ السّؤالُ عن الشّيءِ الواحدِ سؤالاً عن المعرفةِ بأوسعِ مَعانيها، أي عَن مَفاهيمَ أساسيّةٍ للمعرفةِ، بل يُصبحُ السّؤالُ ثقافةً ذاتَ قواعدَ وأدبيّاتٍ توجِبُ على السّائلِ الْتزامَ شروطٍ في وضعِ سؤاله وفي صوغِ عِبارَتِه وتدقيقِها حتّى لا تكونَ حمّالَةَ أوجهٍ وحَتّى لا يأتيه الجَوابُ الذي لا يَحْتَسِبُ. وأحسن الجواب وأوقعه ما كان مشتقاً من السؤال، ومنتزعاً منه [كما قالَ شيخُ المفسرينَ أبو حيان في تفسيرِه لقوله تعالى: "قالَ ربِّ اجْعَلْ لي آيةً"]
وجُعلَ تضمُّن الجواب للسؤال فناً من فُنون الأشباه والنظائر؛ فقَد جُعلَت في الأشباه والنظائرعَلى مذْهبِ أبي حنيْفة النّعْمانِ، للشيخ زين العابدين ابن نُجَيم (ت.970هـ)، القاعدةَ الحاديةَ عشرةَ؛ ويُفهَم منها ومن تطبيقها على النصوصِ أنّها قاعدةٌ من قَواعد تفسير الدّلالات في النصوص، كدلالة التضمين ودلالة الالتزام ... [ الأشباه والنظائر لابن نُجَيم، دار الكتب العلمية،بيروت،لبنان، ط. 1400هـ - 1980م ]
وتطبيقُ ذلِكَ في ما ورَدَ في حديث جابر بن عبد الله الأنصاري، عن أبي عبدالله جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال - أرأيت إذا صليت المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك، أأدخل الجنة ؟ قال: نعم» رواه مسلم . ومن فوائد هذا الحديث: أن السؤال معادٌ في الجواب؛ فإن قوله - نعم - يعني تدخل الجنة.