المصطلحات هي من مفاتيح العلوم وهي من أهم ما يميز مضامينها عن غيرها، واتصف النحو العربي بضبط استعماله مصطلحاته على كثرتها وتعددها، ولكن ربما يجد القارئ التراث بعض التوسع في استعمال بعض المصطلحات، من ذلك (المصدر).
يطلق (المصدر) وهو مصطلح صرفي على نوع من أنواع الاسم، وهو ما دلّ على حدث، قال الجرجاني "المصدر ما دلَّ على الحدث لا غير. ويسمى حدثاً، وحدثاناً، واسْم معنى
ولأن المصدر اسم كغيره من الأسماء جاء في وظائف نحوية أو تركيبية مختلفة فجاء مبتدأ وخبرًا ومفعولًا به ومفعولًا له، ومفعولًا معه، ومجرورًا بحرف الجر أو المضاف، وظرف زمان أو مكان، وحالًا، على أن أهم وظائف أن يكون مفعولًا مطلقًا مؤكدًا فعله أو مبينًا نوعه أو عدده؛ ولذلك ربما توسع النحويون باستعمال المصطلح الصرفي (المصدر) للدلالة على الوظيفة النحوية (مفعول مطلق)، نجد ذلك عند الفارسي "قال أبو علي: إذا قال: أحقا أنّك ذاهبٌ فلا يخلو أنْ تنصِب حقا على أنّه ظرفٌ، أو مصدرٌ، فإنْ نصبْتَه نصبَ المصادر وَجَبَ أن تفتَح أنَّ التي بعدها بالفعل النّاصِب للمصدر، كأنّه قال: أحَقَّ ذهابُكَ حَقًّا، وإذا نصبتَه نصبَ الظروف، فكسرُ إنَّ لم يجُزْ لأنّ الظرفَ لا ناصبَ له، وما بعد أنّ لا يعمل فيما قبلَه
ونجد ذلك عند الوراق معلّلًا مجيء المصدر حالًا، قال "أَحدهمَا: أَن يكون الْمصدر مَنْصُوبًا بِفعل من لَفظه، وَذَلِكَ الْفِعْل فِي مَوضِع الْحَال، فَلَمَّا حذف الْفِعْل قَامَ الْمصدر مقَامه، فَجَاز أَن يُقَال: إِنَّه فِي مَوضِع الْحَال، كَقَوْلِهِم: (أرسلها العراك)، فالتقدير: أرسلها تعترك العراك، فالعراك نصب على الْمصدر، والمصادر تكون معرفَة ونكرة، وتعترك: هُوَ الْحَال، فأقيم (العراك) مقَامه
ومن المصطلحات المتوسع في استعمالها (الجزم والمجزوم)، فالمشهور أن الجزم إعراب للفعل الذي عمل فيه جازم مثل اللاميات (لم، لَمّا، لام الأمر، لا الناهية) أو أدوات الشرط الجازمة، والمجزوم هو الفعل الذي عملت فيه تلك الجوازم، ولكنا نجد مصطلح (الجزم)، ولما كان الجزم هو حذف حركة الفعل اتسعوا في اطلاق المصطلح على غياب الحركة بتسكين اللفظ وضعًا اسمًا كان أم فعلًا، مثال ذلك ما جاء في تهذيب اللغة يريد التسكين "قَالَ: والْخَبْلُ _ بالْجَزْم _: قَطْعُ اليَدِ والرِّجل". ونجد المجزوم في شرح (اللهمّ) "فالميم في هذا الاسم حرفان أوّلُهما مجزومٌ، والهاء مرتفعةٌ لأنه وقع عليها الإعراب
ويلاحظ كيف عبر عن الهاء المضمومة للبناء بأنها مرفوعة وهذا توسع في استعمال المرفوع بمعنى المضموم. وهذا التوسع في الاستعمال أمر أدركه ابن جني وبينه بجلاء في الخصائص قال "وأما اتباع العلماء العرب في هذا النحو فكقول سيبويه: ومن العرب من يقول: لبِّ فيجرّه كجرّ أمسِ وغاقِ، ألا ترى أنه ليس في واحد من الثلاثة جر؛ إذ الجر إعرابٌ لا بناء، وهذا الكلم كلها مبنية لا معربة؛ فاستعمل لفظ الجر على معنى الكسر، كما يقولون في المنادى المفرد المضموم: إنه مرفوع، وكما يعبرون بالفتح عن النصب، وبالنصب عن الفتح وبالجزم عن الوقف، وبالوقف عن الجزم ، كل ذلك لأنه أمر قد عُرِفَ غرضه والمعنى المعني به
ومن التوسع في ذلك وصفهم الفعل بالتذكير أو التأنيث مع أنهما صفتان للاسم حتمًا، قال ابن جني عن اتصال تاء التأنيث بالفعل "وليست كذلك علامة التأنيث لأن الفعل لم يكن في القياس تأنيثه ألا تراه مفيدًا للمصدر الدال على الجنس والجنس أسبق شيء إلى التذكير، وإنما دخل علم التأنيث في نحو قامت هند وانطلقت جُمل لتأنيث فاعله، ولو كان تأنيث الفعل لشيء يرجع إليه هو لا إلى فاعله لجاز قامت زيد وانطلقت جعفر" وصرح العكبري بأن الفعل لا يؤنث في قوله "إِنَّمَا دلّت تَاء التَّأْنِيث الساكنة على الْفِعْل لِأَن الْغَرَض مِنْهَا الدّلَالَة على تَأْنِيث الْفَاعِل فَقَط لَا الدّلَالَة على تَأْنِيث الْفِعْل إِذْ الْفِعْل لَا يؤنث وَلَا تَجِد تَاء تَأْنِيث من أمثلة هذا التوسع قول ابن مالك "ورُوِيَ عن الأخفش أن ياء المخاطبة حرف يدل على تأنيث الفعل، والفاعل مستكن كما هو مستكن في نحو: هند فعلت