المشاركة الأصلية كتبت بواسطة العراب
بصراحة ياصديقتي ،، تاريخنا اسود وملوث وتشيب له القلوب والرؤوس .
شوفي هذا المقال وراح تكون عندك صورة كاملة وواضحة عن هذا التاريخ الاسود .
…
كانت المثلية اتجاهًا جنسيًا رائجًا بين قدماء المسلمين .
مسألة الجنس عمومًا هي من أكثر القضايا الشائكة عربيًا وفي الثقافة الإسلامية الحديثة. ومع أنها قد تكون من أكثر الأمور ورودًا على الألسن وفي ثنايا المؤلفات، إلا أنها تظل بُعبُعًا يُحاط من الاقتراب منه بما فيه الكفاية. ولذلك عدة تفسيرات يُعتد بها، كبروز أنماط من الشُغل أفرزت طبقات اجتماعية أكثر محافظة من البدو والمزارعين والمشتغلين عمومًا بالأرض، على عكس التجار مثلًا الذين يُمكن اعتبارهم أول أنوية البرجوازية العربية، والذين ظهرت معهم مفاهيم كـ"الحريم".
مع أن مسألة الجنس قد تكون من أكثر القضايا الشائكة عربيًا وفي الثقافة الإسلامية، إلا أنه تبقى مفردات الجنس حاضرة بقوة في لغة الشارع
وعلى كل، ومع اختلاف التفسيرات التي منها ما يرى للبعد الثقافي الغلبة في هذا التحول إلى المحافظة في تناول الجنس والجسد عربيًا، تبقى مفردات الجنس حاضرة بقوة في لغة الشارع لا تخفيها سوى المزاعم الثقافية والخطابية المتأنقة.
اقرأ/ي أيضًا: عن الحب والاشتهاء في تراث العرب
مع ذلك، فإن قضية المثلية لم تستقر تمامًا على المستوى الخطابي في الشارع العربي وفي الثقافة الإسلامية، رغم أنها أيضًا من الأمور التي أدرك العرب منها باعًا طويلًا على مدار تاريخهم، خاصة مع توسع الدولة الإسلامية، وفي العصر الحديث، وإن في كُمون، لكن مع ذلك تبقى مثلية الجنس قضية "معيبة" بالكلية، على المستوى الرسمي والشعبي العام.
زرقاء اليمامة أول مثلية عربية
عرف العرب قبل الإسلام أنواعًا متعددة من الممارسات الجنسية بين الذكر والأنثى، لكن لم تشتهر المثلية، على الأقل بين أشهر قبائل الجزيرة العربية، ولم يرد ذكرها في أهم ما وصلنا من الأشعار والأحداث. ومع أن بعض المرويات تقول إن العرب عرفوا المثلية قبل الإسلام، يرفض البعض هذه "الادعاءات" ويردها، انطلاقًا من فرضية أن هذا الاتجاه الجنسي إنما عرفه العرب بالاختلاط بالثقافات المجاورة.
لكن البعض يربط بين ما ورد في القرآن عن "الولدان المخلدون"، وبين فرضية معرفة العرب بالمثلية، وربما استغراق بعضهم فيها، وإلا فكيف يأتي القرآن بذكر "الولدان المخلدون" وتعني "الغلمان المُرد الذين لا يكبرون أو يشيخون".
كان هناك خلفاء مسلمون مثليون مثل الأمين بن هارون الرشيد
أمّا في مثلية النساء فثمة رواية، يغلب الظن على أنها من المرويات الشعبية، تقول إن أوّل مثلية في الجزيرة العربية كانت زرقاء اليمامة التي عشقت هند بنت النعمان الثالث ملك الحيرة.
خلفاء مثليون
كان لتوسع الدولة الإسلامية، ودخول شعوب من حضارات أخرى مجاورة، كالفارسية والهندية، وكذا الأوروبية، والإفريقية والأمازيغية، وازدياد المراكز الحضارية في الإمبراطورية الإسلامية، ما أدى لانتقال طرف كبير من المجتمع المسلم من البادية إلى الحضر، كان لذلك كله دور مفصلي في تطور التعاطي مع الجنس، وجعله قضية أكثر تعقيدًا مما كانت عليه، ما دفع إلى التأليف فيها، وفرد كتب ومصنفات تتناولها وتعرض لها من عدة وجوه، لظهور أنماط لا حصر لها من الممارسة الجنسية.
كذلك، أثرت في شيوع اتجاهات وممارسات جنسية، ما كانت شائعة قبل ذلك، كالمثلية التي سجّلت المؤلفات والمرويات فيها أخبارًا عديدة، من بينها اتجاه عدد من الخلفاء إليها.
"كوثر ديني ودنياي وسقمي وطبيبي.. أعجزُ الناس الذي يُلحي محبًا في حبيب"، هذا بيتُ شعر للخليفة العباسي الأمين نجل هارون الرشيد. وأما كوثر فكان عشيقه. تقول المرويات إن الأمين عمل على الإتيان بالغلمان والخصيان، وجعلهم في خلوته ليلًا ونهارًا.
ورغم أن تلك الفترة في التاريخ الإسلامي، امتازت بتنوع الرجل بين اتجاهين في الجنس، كأن يأتي النساء والغلمان، إلا أن الأمين رفض النساء بالجملة، حتى يُروى أن والدته حاولت ثنيه عن ذلك، وأتت له بفتيات يتشبهن بالغلمان لكن مأربها لم يفلح، وظل الأمين على عهده.
وبالجملة، فإن حُب الغلمان واشتهاءهم جنسيًا كان أمرًا شديد الشيوع، خاصة في العصر العباسي وما لحقه. ومع ذلك عرفت الدولة الأموية خليفة مثليًا، كان مستغرقًا تمامًا في المثلية حتى أنِفَ علماء مسلمون كالسيوطي فعلته فوصفه لأجل ذلك تحديدًا بـ"الخليفة الفاسق".
هذا الخليفة الأموي هو الوليد بن يزيد بنا عبد الملك، الذي قال عنه الذهبي في كتاب "تاريخ الإسلام"، إنه "اشتهر بالخمر والتلوّط". ويُروى كذلك أن أخاه سليمان بن يزيد أخبر بأن الوليد راوده عن نفسه.
لم يتوقف الأمر عند حُب الخلفاء للغلمان والمُرد، فقد كان اتجاهًا جنسيًا شائعًا بين العامة والنخبة. وقد خاض الشعراء والأدباء في الممايزة والمقارنة بين اشتهاء الغلمان واشتهاء النساء، كلٌّ يُدلي بدلوه، فهذا ابن أبي بغل يقول: "وإلا فالصغار ألذ طعمًا... وأحلى إن أردتَ بهم فعالًا" يقصد تفضيله للمُرد في المواطأة. لكن أبا نوّاس له رأي يُنصف المُلتحين، فيقول: "قال الوشاة: بدت في الخد لحيته.. فقلت: لا تكثروا ما ذاك عائبه/ الحسن منه على ما كنت أعهده... والشعر حرزٌ له ممن يطالبه".
تغزل شعراء عرب في الغلمان وفضلهم بعضهم على النساء
وقد وصل تفضيل الغلمان على النساء بأن يُقاس جمال المرأة بالغلمان. فيقول والبة بن الحباب: "لها زيُّ الغلام ولم أقسْها.. إليه ولم أُقصّر بالغلام". كما قال الجاحظ أيضًا معلقًا على ما ذاع بين شعراء وأدباء عصره من نهج تفضيل الغلمان: "إن من فضل الغلام على الجارية، أن الجارية إذا وُصفت بكمال الحسن قيل: كأنَّها غلام ووصيفةٌ غلامية".
عرف التاريخ الإسلامي خلفاء مسلمين مثليين، بل استغرقوا في المثلية ورفضوا النساء تمامًا، مثل الأمين بن هارون الرشيد
غير أن للجاحظ نفسه رأيًا يُبرز طريقة تناول العرب آنذاك لمسألة الشهوة والاستمتاع بالجنس، فيقول: "لو لم يكن حلال ولا حرام ولا ثواب ولا عقاب، لكان الذي يُحصّله المعقول ويدركه الحس والوجدان، دالًا على أن الاستمتاع بالجارية أكثر وأطول مدّة؛ لأنه أقل ما يكون التمتع بها 40 عامًا، وليس تجد في الغلام معنى إلا وجدته في الجارية وأضعافه"، فيشير الجاحظ هنا إلى أنه بعد اعتبارات الحلال والحرام، فإن في اشتهاء النساء في رأيه، متعة يدركها الحس والوجدان، من جهة أنّه ما للغلام إلا وُجد في المرأة، وتزيد المرأة بطول المدة!
ولم تكن المثلية حكرًا على العصر العباسي بطبيعة الحال، فقد أورد الشيخ يوسف الشربيني في كتابه "هز القحوف في شرح قصيدة أبي شادوف"، الذي وُضع في القرن الـ17، كثيرًا من قصص المثليين وعُشاق الغلمان، ومنها نكتٌ طريفة، كقوله: "يُصان الفتى في حجر أمه، حتى إذا تدروش، قام النائكون وراءه".
وكان للنساء أيضًا حظهن من المثلية، وكانت الواحدة منهن تُلقّب بـ"الظريفة"، كما أورد أحمد التيفاشي في كتابه "نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب"، حيث يقول: "إذا قلن فلانة ظريفة عُلم بينهن أنها سحّاقة. وهن يتعاشقن كما يتعاشق الرجال، بل أشد، وتنفق إحداهن على الأخرى كما ينفق الرجل على عشيقته، بل أضعافًا مضاعفة".