صراع البرزاني والمالكي ومخاطر الحرب الأهلية
يتصاعد التوتر وانعدام الثقة في العلاقة القائمة حالياً بين حكومة المركز وحكومة إقليم كردستان العراق جراء الخطوات التي اتخذتها حكومة الإقليم فيما يخص طبيعة العلاقة بين الإقليم المرتبط شكلياً بالعراق، والذي ليس لحكومة المركز أي سلطان عليه مهما كان نوعه، ولا أخال أن هناك فيدرالية شبيهة بفيدرالية كردستان العراق، فهي دولة قائمة بذاتها بكل مؤسساتها وأجهزتها العسكرية والأمنية والدبلوماسية، وهي لا تحتاج سوى الإعلان الرسمي لقياهما، وطلب الاعتراف الدولي بها، وأن من يؤخر قرار إعلانها هي السلطة الحاكمة في الإقليم ذاته، لوجود عوامل عديدة ليس بصالح الإقليم في ظل الظروف الدولية الراهنة.
إن هذه العلاقة المتوترة قد باتت صراعاً على المكشوف بين حكومة مسعود البارزاني وحكومة نوري المالكي، ووصلت إلى حالة من الخطورة تهدد بإشعال نيران الحرب الأهلية التي إذا ما اندلعت فستأتي على الأخضر واليابس، ويكتوي بنيرانها الجميع. وبات لا بد من إطفاء بؤر التوتر التالية قبل أن ينطلق الزناد.
1ـ تواجد قوات البيشمركة في العديد من المناطق التي أطلقت عليها القيادة الكردية بالمناطق المتنازع عليها في محافظات الموصل وكركوك وديالى وميسان، وقد أوشكت الوصول إلى حالة الاصطدام مع قوات الجيش، وما زالت الخلافات تتعمق بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم.
وجاءت تهديدات رئيس الإقليم مسعود البار زاني بأن الحرب الأهلية ستندلع من هنا في كردستان إذا لم تعد إلينا كركوك!!، وتبعتها تصريحات نجرفان بارزاني رئيس وزراء الإقليم تارة بالتهديد بالقوة وتارة أخرى بالانفصال لتزيد في عمق الخلافات بين حكومة المركز وحكومة الإقليم.
2ـ عقد حكومة الإقليم اتفاقيات مع العديد من شركات النفط الأجنبية لاستخراج واستثمار النفط من دون موافقة الحكومة المركزية، وخلافاً للدستور، وبشروط مجحفة بحق العراق، ويجري تحدي اعتراضات الحكومة العراقية بعقد اتفاقيات جديدة مع الشركات النفطية العالمية حيث يصرح وزير النفط في الإقليم بتحدي صارخ مثير للاستفزاز قائلاً:
{سنوقع عقوداً جديدة كلما اعترضت الحكومة العراقية على ذلك}!!.
ومما زاد في الطين بله امتناع حكومة الإقليم عن ضخ 175 ألف برميل يومياً المتفق عليها عبر أنبوب النفط إلى ميناء جهان في تركيا، وفي الوقت نفسه يجري تهريب النفط بالسيارات، وأخير أعلنت حكومة الإقليم في 18 تموز بدء تصدير النفط إلى تركيا عبر الصهاريج، وعن مباشرة حكومة الإقليم بناء خط أنابيب مستقل من كردستان إلى تركيا، مما يؤجج الصراع بين حكومتي المركز والأقليم، ويهدد بالتحول نحو الصراع المسلح.
3ـ ينتاب الحكومة المركزية شعور بالقلق والريبة إزاء سياسة التسلح السرية التي تتبعها القيادة الكردية من خلال عقد صفقات أسلحة مع دول أجنبية، وبالأخص بعض الدول الأوربية الشرقية، وعن طريق تجار الأسلحة الدوليين، ولاسيما بعد الخبر الذي نشرته قبل عدة أشهر صحيفة [واشنطن بوسط] الأمريكية والذي تضمن معلومات استمدتها من ثلاثة مسؤولين أمريكيين كشفوا لها أن القادة الكرد قد تسلموا في أيلول الماضي شحنات سلاح تم استيرادها من بلغاريا، وأن تلك الصفقة قد تمت خارج ضوابط شراء السلاح التي تتولاها حصريا الحكومة العراقية، ومن دون علمها بالأمر، والذي أثار قلق المسؤولين الأمريكيين لحجم كميات السلاح ولتوقيت شحنها، وللأوضاع السياسية القلقة التي يمر بها العراق، والتي تتسم في جانب منها بحساسية لدى الحكومة العراقية تجاه سياسات القيادة الكردية التي تجري بعيدا عن سلطة الحكومة المركزية، وأحكام الدستور الذي يضبط العلاقة بين الإقليم والمركز.
وأضافت الصحيفة نقلا عن المسؤولين الأمريكيين الثلاثة أن ثلاث طائرات عسكرية من طراز C-130 وصلت إلى مدينة السليمانية في شهر أيلول سبتمبر الماضي وعلى متنها حمولات من الأسلحة التي تم استيرادها من بلغاريا، وقد أحيط وصول شحنات الأسلحة بالسرية التامة، وتكتم المسؤولون الأكراد عليها.
وتضيف الصحيفة قائلة أن القادة الكرد رفضوا الإجابة الصريحة على الأسئلة التي وجهتها لهم الصحيفة بشأن هذه الشحنات، إلا أنهم أرسلوا بيانا أوضحوا فيه أن حكومة إقليم كردستان ما زالت في صدارة الحرب على الإرهاب في العراق!، ومع تواصل هذا التهديد، وليس هنالك في الدستور ما يمنع من حصولها على تجهيزات دفاعية!!
وقد ردت وزارة الدفاع العراقية، المسؤولة حصرياً عن تسليح الجيش العراقي، قائلةً أن القيادة الكردية تدعي انتماء قوات البيشمركة للجيش العراقي لكنهم يعملون بالسر لبناء جيش منفصل، وتسليحه بعيدا عن سلطة وزارة الدفاع، وهو سلوك انفصالي واضح، من هذا يمكن فهم لماذا يصر القادة الكرد على عدم إخضاع البيشمركة لسلطة وزارة الدفاع، وفي نفس الوقت يطالبون بميزانية لميليشاتهم من ميزانية العراق!!.
كما يمكن فهم لماذا احتجت القيادة الكردية على مشروع شراء الطائرات القتالية التي أعلنت عنها وزارة الدفاع العراقية، وتساءل المراقبون لماذا يتسلح الأكراد بالسر، ويشترون السلاح من ميزانية الدولة العراقية، وفي نفس الوقت يحتجون، ويرفضون قيام وزارة الدفاع العراقية بتعزيز قدرات الجيش القتالية؟ وهل هناك دولة في العالم لا تمتلك سلاحاً جوياً يضم طائرات مقاتلة.
أن أي جيش مهما كانت قوته وتعداده يتم سحقه بسهولة متناهية إذا لم يكن لديه سلاح جوي يدعمه ويحميه من الهجمات الجوية للعدو، خير دليل على ذلك تدمير القوات الأمريكية والحليفة لها قوات الجيش العراقي في حربهم الأخيرة لإسقاط نظام صدام عام 2003 خلال 20 يوماً رغم قوة وتعداد الجيش العراقي بعد أن استطاعت القوات الأمريكية والبريطانية تدمير الرادارات العراقية حيث بات الجيش العراقي مكشوفاً أمام غاراتهم الجوية الوحشية.
وتقترن مخاوف المسؤولين العراقيين من التسلح الكردي الذي يجري بسرية مع شكوك بأن حصة الأكراد من ميزانية الدولة والتي تبلغ 17% من الميزانية ينفق جزء كبير منها على شراء السلاح بدلا من أنفاقها على التنمية والخدمات في منطقة كردستان.
كما تشير الشكوك أيضا إلى أن سياسة القيادة الكردية المتشددة، والتي تتسم بالتهديدات بين حين وآخر فيما يخص مدينة كركوك الغنية بالنفطِ، وما يسمى بالمناطق المتنازع عليها في الموصل وديالى والتي يطمحون بالسيطرة عليها، وقد يكون هذا التوسع الكردي في التسلح له علاقة بهذا الطموح، ولا أخال أن التسلح الكردي يستهدف محاربة جيرانها تركيا أو إيران، بل هو بالتأكيد موجه للعراق.
ومما يثير القلق لدى حكومة المركز استيلاء قوات البيشمركة على أسلحة الفيالق العراقية الثلاث التي كانت تحيط بالمنطقة الكردية، والتي ألقت سلاحها بعد احتلال القوات الأمريكية للعاصمة بغداد، والتي ضمت كميات ضخمة من الأسلحة الثقيلة بينها مئات الدبابات والمدفعية وحتى الطائرات السمتية، وأكداس هائلة من الأسلحة الخفيفة.
وجاءت التصريحات الأخيرة لوزير البيشمركة جبار ياور بأن حكومة الاقليم من حقها أن تعقد الاتفاقيات لشراء السلاح تماماً كما فعلت في عقد اتفاقيات استثمار النفط التي عقدتها من قبل لتثير الشكوك في نوايا حكومة البارزاني.
ويخشى الكثير من الخبراء أن يتفاقم توجه الطرفين نحو الصراع المسلح. ففي أيلول 2008 تنبأ جون ماكرري، وهو محلل مخضرم في وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية بأن الإجراءات التي تفرضها الحكومة الأمريكية، على الأطراف العراقية ينبغي أن تقلقنا لأكثر من سبب:
أولا: لأنها تنتج ما يشبه السلام، لكنه ليس سلاما.
ثانيا:إن أحد الأطراف في مثل هذا الوضع لا بد أن يحاول الخروج على هذه الإجراءات، لان المشاركة في النفوذ تصلح دائما كمقدمة للعنف، حسب رأيه. .
إن الكثير من المطلعين على الوضع في العراق يتوقعون حربا أهلية على نطاق واسع في السنوات المقبلة، ويقول أحد القادة العسكريين الأمريكيين لم يشأ ذكر اسمه:
{لا اعتقد أن حرب العراق الأهلية قد وقعت بعد، وهناك آخرون يعتقدون أن العراق ينزلق باتجاه استيلاء عسكري على مقاليد الأمور}. أما السفير الأمريكي السابق [رايان كروكر] فقد صرح قائلاً:
{إن ما سيحمله العالم عنا من أفكار، وما سنفكر به نحن بشأن أنفسنا سوف يتقرر بما سيقع من الآن فصاعدا، وليس بما وقع لحد الآن، وبكلمة أخرى، فإن الأحداث التي ستتعلق بذاكرة العالم حول الحرب في العراق هي تلك التي لم تحدث بعد!!}. فهل ستندلع الحرب الأهلية في البلاد من جديد؟
4 ـ أن معركة إعادة النظر في الدستور المختلف عليه، وإعادة النظر في العملية السياسية القائمة حالياُ على أساس المحاصصة الطائفية، وما يسمى خطأً بالديمقراطية التوافقية، والتي انتقدها رئيس الوزراء السيد نوري المالكي مطالبا بالعودة عنها، واعتماد النظام الرئاسي، وانتخاب الرئيس بصورة مباشرة من قبل الشعب، والعودة إلى حكومة الأغلبية البرلمانية التي ستفرزها الانتخابات القادمة، والتي تعارضها بصورة خاصة الأحزاب الكردية والأحزاب الدينية السنية، مما يجعل الأوضاع حبلى بوقوع أحداث خطيرة في البلاد لا يمكن تقدير نتائجها.
منقول