تقع مدينة عامودا في الشمال الشرقي من سوريا ,في القسم الجنوب الغربي من كوردستان, في الشرق تقع مدينة قامشلو وتبعد عنها حوالي 29كم,وفي الغرب مدينة درباسية,وفي الجنوب مدينة حسكة,اما في الشمال تقابل مدينة ماردين في القسم الشمالي من كوردستان (تركيا) .
حيث كانت تسمى عامودا قديماً من قبل سكانها ( ده شتا ماردين ) أي سهل ماردين وكان العثمانيون يسمونها بتل الكمالية, لأنها كانت امتداداً لجبال ماردين حيث لم تكن هناك حد فاصل بينهما ، تم رسم الحدود بين سوريا وتركيا بعد اتفاقية سايكس بيكو .
وتعتبر مدينة عامودا من أقدم المدن في المنطقة معظم سكانها يعملون بالزراعة ويملكون مساحات واسعة من الاراضي ونتيجة حبهم للزراعة أدى ذلك الى حبهم الكثير للألات الزراعية حيث يوجد في كل بيت تقريباً أكثر من آلة .
وكانت في القديم الدين والتصوف سائد على جميع سكانها حيث كانوا يدرسون الفقه الاسلامي في الجوامع والحجرات ، بعضها لم تعد موجودة وبعضها الأخر مازالت موجودة حتى الان مثل حجرت الشيخ عفيف الحسيني والفضل يعود للعلامة الكبير الملا عبيد الله سيدا,وتوجد فيها الطريقتين النقشبندية والقادرية,وكل سكانها على مذهب الامام الشافعي ما عدا فئة قليلة جداعلى مذهب الامام الحنفي.
وتخرج من الحجرات كبار العلماء والفقهاء ومنهم الشاعر الكبير جكر خوين حيث درس الفقه وترعرع في حجرات عامودا وحصل على أجازة يسمح له بممارسة الفقه حيث أصبح ملا في عامودة والقرى التابعة لها .
وخرجت عامودا كبار الكتاب والأدباء مثل ، حليم يوسف,احمد الحسيني وغيرهم .
ومن الاثار الموجودة فيها قرية تل موزان (مملكة الهوريين التي تعود الى 4000 سنة قبل الميلاد )وقرية جاغر بازار التي زارها المستشرقة الاجنبية أغاثا كريستي.
وسجلت مذكراتها في مدينة عامودا في كتاب أسمه هكذا أحيا
أشتهرت عامودا بحكمائها الذين كانو يمارسون الطب القديم الذي تعلموه من آبائهم وكان سيطهم موجود بين الناس منهم (سيد علو,عليكي ,يونس خلي,يوسف تات)وما زال بعضهم يمارسونه حتى الان أمثال (محمد خيرعليكي ,اسماعيل خلي )
تعرضت عامودا للقصف بالطائرات من قبل الفرنسيين عام 1937 حيث كان سكانها يحملون البنادق فقط ، الذين رفضوا الخضوع تحت أيدي المحتل لارضهم وعلى أثرها سمي سكانها القدماء بالشجاعة والصلابة وتعرف تلك الحادثة (توشا عامودا).
قامت أيادي من السلطة بحرق سينما عامودا في 13/11/1960 وحيث راح ضحيتها جيل من الاطفال بداية بلوغهم قرابة 285 طفل, ذهبوا اليها وأشتروا التذاكر دعماً للثورة الجزائرية وأثناء الحريق قام سكان عامودا صغارها وكبارها بمظاهرات تندد بسياسة الحكومة تجاه الكورد وقاموا برفع العلم الكردي وحيث تعتبر أول مدينة ترفع العلم الكردي في سوريا وتجول بها الشوارع ، وعلى أثرها قامت الحكومة الجزائرية بصنع تمثال في ايطاليا يمثل أطفال يحملون العلم الجزائري وأرسلته خصيصاً الى مدينة عامودا .
تعرضت للأحصاء الجائر عام 1962 من قبل الحكومة السورية وحرم أثرها قرابة 40%من سكانها من أبسط حقوقهم الانسانية ألا وهي الجنسية السورية وحق المواطنة حيث هم مولودون أب عن جد على أرضهم ومدينتهم عامودا وأكثرهم أدنى مستوى ودرجة من الاجانب حيث هم مسجلون بمكتومي القيد ..
وعامودا معروفة من قبل الجميع ويفتخر كل سكانها بها وأنا واحداً منهم....
المكان : عامودا
اسم السينما : شهرزاد
مكان الحادث : سينما عامودا
تاريخ الحادث : 13-11-1960
طلاب مدرسة : الغزالي الابتدائية
اسم الفيلم : جريمة في منتصف الليل
ريع الفيلم : للثورة الجزائرية
عدد المشاهدين : 500
250 عدد الشهداء :
منقذ الأطفال : محمد سعيد آغا
النصب التذكاري : هدية من الفنان النحات محمود جلال
ففي عام 1960 – تشرين الثاني - يوم الأحد مساء. و تحديدا بين صلاتي المغرب و العشاء قدمت مدينتنا الوادعة عامودا حوالي 250 طفلا شهيدا لم يتجاوز أعمارهم الخمسة عشرة سنة , أولئك الشهداء الذين دفعهم مدراء مدارسهم لحضور فيلم يخلق الرعب و القشعريرة في نفوس الكبار , فما بال الأطفال الصغار , الطرية أجسادهم و عقولهم التي لا تتحمل نأمة رعب و خوف , حيث كانت بعض مشاهد الفيلم في أقصى درجات الرعب , فمثلا : ثمة شبح أسود مخيف يُدخل القشعريرة الي النفوس يظهر في الجزء الثاني من الفيلم . و نريد أن نذكر أن ذلك كان يحرّض بعض التلاميذ لترك السينما و الخروج منها , فكيف بفيلم يهزّ أعماق الرجال , و يخضّهم. و من البداهة السؤال : هل هذه الإجراءات تم ّ التخطيط
لها ؟ فهل سنسمع في المستقبل القريب أو البعيد أن 250 طفلا شهيدا كرديا احترق دفعة واحدة , و خلال دقائق أو لحظات , ولم تبق عائلة واحدة في عامودا الا وكان لها نصيب مشوؤم ؟ حيث كل عائلة فقدت ابنا لها, و لو تخيّل أحدنا لو عاش أولئك الشهداء معنا الآن , لكان عدد سكان عامودا أضعاف ما هي عليه الآن . و لو تخيلنا أكثر : لو عاش أولئك لكان من بينهم عشرات الأطباء و المهندسين و الكتاب والشعراء . فقط لو عاش أولئك , حتى وان كانوا مثلنا فوضويين , و هائمين و عاطلين عن العمل , حتى وان كانوا عالة على المجتمع . و لو أن هذا القول فيه مبالغة , و أكبر دليل على ذلك : أن بعض جيل أبناء السينما و بعض الناجين من الحريق يحملون أعلى الدرجات الأكاديمية الرصينة التي تفتخر بهم مدينتا عامودا , و نذكر على سبيل المثال بعضا منهم عبد الباسط سيدا ( دكتور في الفلسفة ) , محمد عبدو نجاري ( دكتور في الآداب الشرقية ) , سعد الدين العابد (دكتور في الطب النسائي ) و فرهاد أحمد سيدا ( دكتور في الاقتصاد السياسي ) .
غير أن المهم ذكره القول أن مدينة عامودا التي تعرف بكثرة أدبائها و مثقفيها الذين لم يحرّكوا ساكنا للكتابة من مثل هذه الكارثة التي هزّت أعماق كل انسان يحمل بين جوانحه قلبا و عقلا , ولم يكتب أحدهم بالشكل المطلوب عن ذلك ألا مؤخّرا , غير أن ثمة سفرا خالدا دوّنه آنذاك شاعرمن القامشلي هو( ملا أحمدي نامي) الذي كان يأتي إلى مدينة الحريق ( عامودا ) أثناء الحريق و غبّه , وبذلك دوّن تأريخ السينما . و قد طبع كتابه بعد وفاته و ترجم إلى اللغة العربية قبل سنتين من قبل المترجم صلاح محمد و المراجع إبراهيم اليوسف .
وهذا نقد عنيف لكل كتاب مدينتنا الذين ذهبوا أو تركوا أو هاجروا, و تشتتوا في فيافي الدنيا إلى شتى أطرافها , و باستطاعتهم الكتابة عن هذه الكارثة التي تحتاجهم , و تحفزهم , فكل المهاجرين من هذه المدينة التي لها الحق الكامل بالكتابة عنها , وعن حريق سينماها انهم أبناؤها الذين نقرأ لهم , و نتابعهم يوما بيوم .
تفاصيل وحدود السينما
طول السينما: عشرون مترا
عرض السينما: عشرة أمتار
اتساع المقاعد لمئة وخمسين مشاهدا , أغلب المقاعد من الطين ,هذا في القسم الارضي الذي يسمّى ( صالة ) . أما القسم الثاني فكانت المقاعد من الخشب أي ( اللوج )
الجدران ملبسة بقماش بني اللون , و مدهون , وضع كديكور ليجمّل الجدران الترابية التي تهرأ ت، و السقف مبني من القش , و دعم تحته بعواميد خشبية ,و بابها من الحديد بطول حوالي مترين . و عرضه حوالي متر بدرفتين . يغلق و يفتح باتجاه الداخل . من المحزن أن الباب كان عاليا من ارض السينما بمسافة نصف متر .
و كان ثمة دكان صغير في الجنوب الغربي من السينما لصاحبه ( مقصودو الذي) كان يبيع بعض المكسرات و الحلويات في استراحة الفيلم, و كانت الشاشة عبارة عن حائط اسمنتي أبيض في الجهة الغربية من السينما .
البئر:
كان ثمة بئر مشؤوم مستو بالأرض من الجهة الجنوبية أمام الباب الثاني من السينما , و قد ابتلع هذا البئر الكثير من الشهداء , فان نجا أحدهم من النار استقبله
البئر ليبتلعه المحرك ..
لحظة الحريق:
كانت الشرارة الأولى من المحرك اللعين , و قد استقبلت الشاشة تلك الشرارة, حتى أن المشاهدين ظنوا أن الشرارة تلك جزء من الفيلم القبيح و المشوؤم , 35 ملم , إيطالي الصنع , حيث كان المحرك محركا بدائيا من نوع ( فكتوريا), و في غاية القدم , يشتغل عن طريق الفحم . أي أن هذا المحرك لم يكن قابلا للعمل لساعات طويلة كما عملت يوم الحريق . ففي اللحظات الاولى حين شبّت النارالتي التهمت الصغارالقريبن من النار فاحرقتهم , و لأن الأبواب و النوافذ كانت محكمة الاغلاق , فالدخان و ألسنة النيران كفيلة بخنقهم خلا ل لحظات . و كل طفل كان يريد النجاة , فمن أين له المخرج والنجاة , مادامت النار تخنقه , و تأكل أصابعه و جلده . ومن سخرية القدر أن المطر هدر بعنف شتائيّ, ولكن بعد أن انتهى كلّ شيء في السينما التي باتت أطلالا من الجثث و التراب المحترق الذي يخفي تحته جيلا كرديا .
أسماء الشهداء:
للأسف الشديد لا نملك العدد الدقيق لأسماء الشهداء , و هذا يعود إلى لامبالاة بعض ذوي الضحايا الذين لم يكتبوا أسماء شهدائهم على شواهد قبورهم , كي يتعرف عليهم . و يدوّنهم من يريد أن يؤرّخهم , فمن الغبن أن نجد أسماء مئة و خمسة عشر اسما فقط. من أصل مئتين و خمسين شهيدا . و يعود السبب أيضا إلى الفقر المدقع لبعض أهالي الضحايا الذين لا يملكون أي شيء ليجمّلوا و يضعوا الشواهد على قبور ضحاياهم .
و هذا نداء إلى مَن يهمّهم الأمر:
الرجاء وضع أسماء الشهداء على قبورهم !
محمد سعيد آغا
شهود عيان:
ثمة كثيرون من أهالي عامودا الذين خرجوا عن بكرة أبيهم لمشاهدة الكارثة , وقد جنّ جنون البعض حين احترقت السينما , لأنهم لم يصدقوا ما جرى , حيث تناهى إلى مسمع كل عامودا أخبار الحريق , و كانت الشوارع مليئة و موارة بالناس الذين يركضون على غير هدى . والى أين يذهبون , أيذهبون إلى السينما , أم إلى المستوصف , ام إلى الجامع , أم إلى . . . . . لا يدرون وهم راكضون . حفاة . . هائمون. . ونحن بدورنا نسأل سؤالا وجيها : لماذا لم يتحرك البعض منهم للمشاركة و المساعدة لإخماد الحريق , أو لتخليص بعض ممّن داخل السينما, كما فعل البطل الأسطوري ( محمد سعيد آغا ) الذي دعا المرحوم ( ملا أحمدي نامي) بصنع تمثال له ؟
جثث الضحايا:
تمّ نقل جثث الشهداء من السينما إلى الجامع الكبير( امامه و خطيبه الملا عبداللطيف سيدا ) من خلال عربات خشبية مهترئة الهيكل و الدواليب . وضعت الجثث المحترقة فوق بعضها البعض , وتم التعرف عليها من قبل ذويهم , وذلك من خلال بعض العلامات على الجثث ( كالوشم , كالخاتم ، كالسن . . . . ) و تم دفن الكثيرين منهم ممن لم يتم التعّرف عليهم في قبور جماعية احتضنت أربعة عشر شهيدا , و قبور احتضنت ثمانية أو سبعة شهداء و كانت رائحة الجثث تفوح من مسافات بعيدة جدا . و لمدة شهور عدة , وكان الداخل إلى عامودا من القامشلي يشمّ تلك الرائحة الملائكية التي تبعث الحزن المقشعرّ. و مازال أهالي الشهداء يحتفظون ببعض مخلفات اولادهم ( كالقلم و المريولة المدرسية و المحفظة المدرسية) .
مقبرة عامودا:
أن حجم مقبرة عامودا لا تتناسب طردا مع حجم مدينة صغيرة كعامودا . فقد باتت هذه المقبرة خلال عدة أيام كبيرة بفضل الجثث الصغيرة و الطرية للشهداء , و باتت المقبرة بمثابة مزار يحجّ اليه الحاجّون من أهالي عامودا أو من القرى المجاورة , أو من مختلف دول العالم المسافر اليها , و تركوا ضحاياهم في هذه المقبرة التي باتت لهم من المقدّسات . من الغرابة الكبيرة أن كل عائلة كانت تحفر قبر شهيد ها بنفسها , و ذلك خلافا للعرف المتداول لأهالي عامودا الذين يحفرون قبور الموتى عن طريق أشخاص ليسوا من نفس العائلة . و قد أصبحت هذه المقبرة من المزارات الهامة , فبات البعض يجلبون موتاهم من دول العالم المختلف و يدفنونهم في هذه المقبرة . و يدفعون مبالغ طائلة لجلبهم من أبعد دولة إلى عامودا .
هل يفعلون ذلك تبرّ كا بقدسية المقبرة التي احتضنت الشهداء؟
حسين أحمد و عبد اللطيف الحسيني-عامودا