تخيل ...
أنك تتواجد في عالم يشبه عالمك تقريبا في كل شئ, من المجرات والنجوم والكواكب إلى البشر والحيوانات ، ولكن مع اختلاف واحد فقط: كل شيء في ذلك العالم عبارة عن صورة معكوسة لما في عالمك. تدور الأرض في الاتجاه الآخر حول الشمس ، ويجلس القلب على الجانب الأيمن من الجسم وتتحرك عقارب الساعة في غير اتجاهها.
كردّ فعل على النتائج الغامضة في التجارب المختلفة ، طور علماء الفيزياء في العالم في السنوات الأخيرة نظرية اطلقوا عليها اسم
نظرية الكون المرآة.
وفقا للنظرية فإن النيوترونات هي المفتاح لإكتشاف ذلك العالم المجهول.
من خلال التجارب ادرك العلماء أن وحدات البناء الذرية الصغيرة تختفي لفترة قصيرة, وبشكل غير مفهوم. نظريا اعتقد العلماء أن النيوترونات تختفي في الكون المرآة وتصبح "نيوترونات معكوسة".قامت مجموعتان بحثيتان ، واحدة في مختبرOak Ridge National Laboratory في الولايات المتحدة والأخرى في European Spallation Source في مدينة لوند السويدية، باجراء التجارب لاختبار صحة النظرية الجديدة.
فإذا تمكنا من اثبات وجود النيوترونات المعكوسة فان ذلك يعني اننا يمكنا التواصل مع الكون المرآة بمساعدة النيوترونات, حسب اعتقاد بعض الباحثين. وإذا تمكنت النيوترونات من الانتقال بين هذين الكونين فاننا سنجد تفسيرا للمادة المظلمة الغامضة التي لا يمكن ملاحظتها حتى باستخدام التلسكوب بالرغم من انها تشكل ما يقارب سبعة وعشرين بالمئة من كتلة الكون.
تتكون كل المواد من ذرات والتي بدورها لها نواة تتكون من البروتونات والنيوترونات. تعمل النيوترونات على استقرار النواة, باستثناء الهيدروجين جميع النوى الذرية ستصبح مشعة ما لم توجد النيوترونات ولا يصبح للنجوم او الكواب او الحياة اي وجود. تحافظ القوى النووية على البروتونات والنيوترونات مترابطة معا في النواة الذرية ، ولكن خارج النواة تتحلل النيوترونات الحرة العائمة وتتحول إلى بروتون اوإلكترون او نقيض النيوترينو.
ولتحديد عمر النيوترون يستخدم الفيزيائيون نوعين من التجارب. تسمى الاولى بطريقة الزجاجة، اذ يصمم الفيزيائيون وعاء ميكانيكا او مغناطيسيا او جذبيا ليصطادوا به نيتورونات الفراغ الفضائي الشاردة. ثم يحسبون فترة تحمل تلك النيوترونات داخل ذلك الوعاء قبل تحللها وعدد النيوترونات المتبقية في الوعاء. وبعد عدة قياسات يمكنهم حساب متوسط عمر النيوترونات.
الثانية تسمى طريقة الشعاع ، أي ان العلماء يرسلون شعاعا من النيوترونات عبر أنبوب ويقيسون عدد البروتونات والالكترونات الناتجة وبالتالي عدد النيوترونات التي تتحلل. ولأن العلماء على معرفة بطول الأنبوب وسرعة النيوترونات ، يمكنهم حساب الوقت الدقيق الذي تتحلل فيه النيوترونات.
ينبغي ان نحصل على نفس النتائج بغض النظر عن الطريقة المستخدمة لحساب عمر النيترون. ولكن على العكس, فقد حصل الفيزيائيون على نتائج مختلفة حتى بعد اعاداتهم تطبيق التجارب في اوقات واماكن مختلفة. مع طريقة الزجاجة يبلغ العمر الافتراضي 14 دقيقة و 39 ثانية ،اما طريقة الاشعاع فان عمر النيوترون الشارد 14 دقيقة و 48 ثانية. التسع ثواني تلك كانت كافية لعلماء الفيزياء لان يأخذوا هذا الاختلاف على محمل الجد. فاحتمالية ان يكون هذا الاختلاف من محض الصدفة لا يتعدى نسبة واحد من المليون .
يعتقد بعض علماء الفيزياء أن نوعا جديدا من الفيزياء مطلوب لتفسير ذلك الاختلاف بالقياسات. فالنظرية الجديدة هي أن النيوترونات لا تتحلل دائما وتتحول إلى بروتونات وإلكترونات ومضادات النيوترونات. بل بدلا من ذلك تختفي تلك النيوترونات في انعكاس غير مرئي لكوننا موجود بالتوازي معه. هناك تتغير النيوترونات إلى "نيوترونات معكوسة".
قد تفسر هذه الظاهرة العمر الأطول المقاس بطريقة الإشعاع. اذ يخبر طول الأنبوب وسرعة النيوترونات الباحثين عن عدد النيوترونات التي يجب أن تكون موجودة في الأنبوب. ويوضح عدد البروتونات التي تخرج من الطرف الاخر من الانبوب عدد النيوترونات التي تتحللت. ان وقت الانحلال الأكثر احتمالا هو الوقت عندما يكون فيه الفرق صغيرا بين عدد النيوترونات وعدد البروتونات . ولكن إذا اختفت النيوترونات على طول الطريق فإن الفرق بين الاثنين يصبح أكبر ، وبعد ذلك يستغرق وقتا أطول قبل أن تظهر القياسات الوقت الذي يحتوي على أكبر قدر من الانحلال.
إذا كانت تلك النظرية صحيحة فاننا سنكون قد اقتربنا أيضا من ايجاد جواب لواحد من أعظم الأسئلة في الفيزياء: ما هي المادة المظلمة.
المادة المظلمة هي الاسم الذي يطلقه الفيزيائيون على الجسيمات التي لا يمكننا رؤيتها ولكننا نعلم بوجودها بفضل تأثيرها على الكون الذي يمكن قياسه. عندما يقيس علماء الفلك الضوء المنبعث من المجرات فانه لا يتوافق مع حسابات كتلتها. وفقا لقياسات الضوء يجب أن تكون المجرات أثقل نظرا لأنها دائمة الحركة.
المادة المظلمة هي الكتلة الزائدة التي تتسبب في تقارب المعادلة. فإذا تمكنت النيوترونات من السفر إلى الكون المرآة والتحول إلى انعكاس لنفسها فيمكن ان يكون ذلك الانعكاس هو المادة المظلمة ، والتي قد تتكون بعد ذلك من نيوترونات تنتقل بين كوننا والكون المرآة وتؤثر على كليهما بجاذبيتها.
لاجل قبول نظرية الكون المراة قامت مجموعتان من الباحثين باجراء التجارب. ففي مختبرOak Ridge National Laboratory اطلق الباحثون النيوترونات على جدار سميك وضع على الجانب الاخر منه جهاز كشف. فاذا استطاع ذلك الجهاز من اكتشاف وجود النيوترونات في الجانب الاخر، فهذا يعني انها قد تمكنت من العبور الى الكون المعاكس ثم عادت الى كونها الاصلي. فقط النيوترونات التي لديها وقت للتأرجح ذهابا وإيابا أثناء عبورها للجدار استطاع الجهاز الكاشف ان يكشف وجودها.
وبواسطة التأثير بمجال مغناطيسي حاول الباحثون ايضا تجربة ما إذا كان بإمكانهم التحكم في عدد النيوترونات التي تمر من خلال ذلك المجال المغناطيسي. ففي European Spallation Source أجرى الفيزيائيون الاختبارات لمعرفة ما إذا كان بإمكان النيوترونات التحول إلى مضادات النيوترونات. فليس من الممكن عادة الحصول مضادات النيوترونات من النيوترونات وحدها. اذ ان مضادات النيوترونات لا تحدث الا بعد اصطدام النيوترونات بجزيئات أخرى ، مثل البروتونات او نقيضاتها. ولكن إذا كان الكون المرآة موجودا ، فقد تتأرجح النيوترونات في الكون المرآة وتعود في شكل نيوترونات مضادة.
الكون المرآة ، الذي تشكل في نفس الوقت مع كوننا ، كان قد توسع أيضا وشكّل الذرات والمجرات اضافة الى النجوم والكواكب. لذلك ، ربما توجد حياة هناك أيضا.
يعتقد بعض العلماء أنه يمكننا التواصل مع الكون المرآة عن طريق إرسال رسائل مشفرة بالنيوترونات ، والتي من ناحية أخرى يمكن للحياة الذكية الاستجابة بالنيوترونات للرسائل المرسلة من ذلك الكون. باحثون آخرون لديهم طموح ابعد من ذلك, فهم يريدون بناء مفاعل يستخرج الطاقة من مضادات النيوترونات الموجودة في الكون المرآة. ستوفر ذلك المفاعل طاقة أكبر بألف مرة من أي مفاعل نووي ارضي.
فاذا ما صحت نظرية المراة وتمكن العلماء من تحقيق احلامهم, فاننا سنحصل على كل الطاقة التي نحتاجها.
حصريا لمنتديات درر العراق
مواضيع ذات صلة:
- هل هناك ما هو أصغر من الذرة؟
- المادة المظلمة والطاقة المظلمة..حقيقة أم وهم؟
- كون واحد أم أكوان متعددة؟