بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته


العشرون من شهر صفر ذكرى مرور أربعين يوم على استشهاد الامام الحسين على أرض كربلاء المقدسة في اليوم العاشر من محرم عام 61 هجري، ارسل فيها على اقل تقدير ثلاثون الف مقاتل لحصار الامام الحسين واصحابه الذين كان عددهم في حدود المائة من اهل البيت وبعض من حاز بالفضل في الدنيا والآخرة بهذه النصرة والشرف.

قم جدد الحزن في العشرين من صفر ففيه ردت رؤوس الآل للحفر

يازائري بقعة أطفالها ذبحت فيها خدوا تربتها كحلا إلى البصر


اثناء رجوع الامام السجاد وسبايا بنات رسول الله صلى الله عليه واله من الشام بعد عناء السبي والتنكيل والشماتة من قبل اهل الشام، في طريق عودتهم طلبت العقيلة زينب المرور على كربلاء صادف هذا التاريخ العشرين من شهر صفر، وصادف وصول موكب اهل البيت الى ارض الطف تواجد الصحابي الجليل جابر الأنصاري حيث أتى من المدينة لزيارة الامام الحسين بعد علمه بمصرعه، وأقيم مأتم عظيم ضم السبايا وجابر الأنصاري وممن تواجد من بني اسد، حيث أقاموا ثلاثة أيام وأصبحت هذه المناسبة العظيمة سنة من السنن المستحبة، يعتبر يوم الأربعين من أهم المناسبات الدينية عند اتباع اهل البيت ومحبيهم على نطاق العالم اليوم، حيث يحيا هذا اليوم الحشود المليونية في العراق والملايين في أقطار الارض، ولهذا اليوم العظيم دلالات كثيرة عقائدية وثقافية واجتماعية وسياسية ومن الشعائر الدالة على الهوية الشيعية، تحمل عنوان الولاء والمحبة والتمسك بالخط النبوي الصادق، تعتبر هذه المناسبة وهذه الزيارة من احد علامات المؤمن كما قال عنها الامام العسكري .

فمن دعاء للإمام الصادق :

«اللهم اغفر لي ولإخواني وزوار قبر الحسين الذين أنفقوا أموالهم وأشخصوا أبدانهم رغبة في برنا ورجاء لما عندك في صلتنا وسرورا ادخلوه على نبيك».

قال الامام موسى بن جعفر :

«أدنى ما يثاب به زائر الحسين بشط الفرات إذا عرف بحقه وحرمته وولايته أن يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر».

حث الأئمة اتباعهم ومحبيهم احياء هذه الشعيرة المباركة وبينوا ثواب وآجر القائم بها، وبقت هذه المسيرة على مر الزمن رغم تسابق الطغاة واجتهاد أشياع الضلالة وأئمة الجور والإعلام المضلل وخفافيش الظلام التكفيريين في عصرنا الحاضر لمحو او إيقاف هذا المحفل الخالد.

عرج على كربلاء يا ركبنا الحزين نزور فيه سيدنا الحسين

عرج على جسد ليس له يدين عرج على تربة زاد لها الحنين

ياركبنا عد بنا فهذه الشجون في قلبنا قد بقت ليوم الأربعين


فزيارة الأربعين يعجز القلم عن وصف عظمتها وتجلي مكانتها ورفع قدرها، أبهرت العقول، وأذهلت العالم، وتحير في وصفها العلماء ووقف حائرا في بيان مكانتها البلغاء، تجلت فيه عظمة الشهيد، بزحف عشرات الملايين من العاشقين الى كربلاء، يأخذون من سنى عطره الكرامة والقيم العالية التي لن تجدها الا في حضن من قدم نفسه الطهارة قربان للدين.

أن شئت النجاة فزر حسينا تلقى الإله قرير عين

فأن النار لا تمس جسما عليه غبار زوار الحسين


مسيرة جماهيرية هائلة تكتسب ميزاتها الأساسية من العفوية المغمور بالحب الصافي والقلب الطاهر ترى فيها اجل المعني الصادقة من تعاون وتكاتف تجتمع على قلب واحد، تجد الشيخ الطاعن في العمر والمرأة العجوز التي اخد منها العمر ما اخد تواسي زينب العقيلة ما فعل بها بنى امية، ونرى الطفل والشاب والمعاق على كرسيه او يتوكأ على عكازيه او مشلول يزحف، ونرى الكفيف الذي أنار حب الحسين قلبه، علماء اجلاء وأطباء معروفين ومفكرين مشهورين وقيادات سياسية وأصحاب مناصب ورجال مال وأعمال، كل تلك الجموع المليونية الزاحفة إلى كربلاء مشيا على الأقدام من داخل العراق وخارجه، تعلن الولاء وتشعل قلوب مبغضي اهل البيت من الدواعش ومن يقف خلفهم، حيث لم تمنع فرقعاتهم الصبيانية وقف الزحف الايماني، لم ولن يعلموا ان ما قام به اسيادهم على مرور السنين من اقسى حملات القتل والتنكيل والتضييق، من فرض ضرائب باهضة او تقطيع الكفوف او اليدين، او قتل زائر من كل عشرة زوار لكل من أراد ان يحي شعيرة الامام الحسين ، وصولا للبعث حيث كان في زمان حكمه المشؤوم تحي المناسبة سرا حيث اعتبرت جريمة تصل عقوبتها القتل، وما فعله وما ارتكبه من اجل محو هذه المسيرة الظافرة، لم يمنع محبي الامام كل هذا التعسف والجور والظلم عن زيارة معشوقهم كل هؤلاء العشاق يحدوهم الأمل بأن تكون أسماؤهم في سجل الامام الحسين يذهبون مثقلين بالهموم والأوزار ويرجعون رافعين الرؤوس غاسلي الذنوب متطهرين بفيض الامام الحسين.

حسب ما جاء في زيارة الامام الحسين :

«إن كان لم يجبك بدني عند استغاثتك ولساني عن استنصارك فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري».

لو قطعوا أرجلنا واليدين نأتيك زحفا سيدي ياحسين

ظاهرة واستمرارية يوم الأربعين وهو يوم العاشقين يعتبر انتصار للقيم والمبادئ والاهذاف التي من اجلها ضحى سيد الشهداء ابي عبدالله الحسين حياته وأهل بيته، يجتمع فيه الجميع على قلب واحد وحب واحد هو حب السبط الطاهر، نستلهم منها قيم الحق ونعمل جاهدين على بقاء هذه القيم طوال ايام السنه عامرة بالإيمان والولاء الصادق.

تركت الخلق طرا في هواك وأيتمت العيال لكي أراك

فلو قطعتني بالحب إربا لما مال الفؤاد إلى سواك

خلال مسيرة ملايين المشاية المظفرة من العراق وخارجه يستقبل الشعب العراقي النبيل زوار الامام الحسين استقبال يعجز عن الوصف وأكبر من كل معاني الوفاء بحق ان يكتب بماء الذهب ويسطر على ورق الالماس، فقد عشقوا وسطروا هذا العشق على الواقع نبلا وعطاء لم يذكر التاريخ مثيل له، يبدلون الغالي والنفيس وما يملكون حبا لزوار ابن بنت رسول الله صلى الله عليه واله، حالة إنسانية فريدة لا يوجد لها مثيل في العالم ليس عطاء بل رجاء ان تتفضل عليه بقبول العطاء او تقديم خدمة، يستعطفه ان يقبل ان يبيت عنده، يتفرغ هذا الشعب في ايام الأربعين من أعمالهم وارتباطاتهم من اجل تقديم خدمة مجانية لأشخاص لا يعرفونهم، يبيعون ما يملكون وهم اعوز لها من اجل تقديم واجب الضيافة، لم يقوموا بذلك من اجل دنيا او فخر، بل ان محبي الامام الحسين يفتخرون ويرفعون الرأس بهذا الشعب وولاءه ووفاءه، فما يقدموه ينتظروا اجره وثوابه قبولا من صاحبة المصاب فاطمة الزهراء .

انها علاقة حب لا تكتب بل هي من القلب للقلب عشقا للحسين الذي خرج لإحياء الدين قدم عطاء بلا حدود فمحبيه يقدمون الولاء بلا حدود، من زواره الى مضيفي زواره، الى حماة المسيرة، تركيبة من الحب والولاء مرتبط بالعقل والعاطفة، لتصبح مدرسة متكاملة لأسمى مكارم الأخلاق والإصلاح الذي خرج من اجلها الامام الحسين .