(حروف المعاني)
من كتاب
(صرف العناية في كشف الكفاية)
(للإمام العلّامة البيتوشي ت 1211هـ )
وربما تزيدها عن باء *** نحذفها من الكلام الجائي
أي: وقد تزاد الباء في كلمة عوضًا عن باء محذوفة من كلمة بعدها، ذكره المرادي في (الجنى الداني) في (من)، وذكره السيوطي في (الأشباه والنظائر) في قول الشاعر:
وأولى فأولى يا امرأ القيس بعدما *** خصفن بآثار المطي الحوافرا
قال : (يريد خصفن بالحوافر آثار المطي، يعني آثار المطي، يعني آثار أخفافها، فحذف الباء من الحوافر وزاد أخرى عوضًا منها في آثار) انتهى.
ومثله قوله:
.............................. كما طينت بالفدن السياعا
ومثلت لذلك بقولي:
64- أبلغ بمن ولعت إن جئت اللوى *** أن الهوى من النوى قلبي شوى
أبلغ: فعل أمر يقتضي مفعولين: المبلغ والمبلغ إليه، ومن: مفعول أول، والباء زائدة عوض / عن المحذوفة من صلة (ولعت) غير متعلقة بشيء لما مر قريبًا، ومن: موصولة وجملة: ولعت: صلتها، أو موصوفة والجملة نعتها، والعائد في الحالتين محذوف تقديره: أبلغ من ولعت به؛ لأنَّ أبلغ متعد بنفسه مستغن في ذلك عن الباء، وولع لا يستغني عنها يقال: ولع بالشيء – كعلم – أي: غري به كأولع – بالضم -.
وإن جئت: أداة شرط وفعله، والجزاء محذوف وجوبًا – كما في التوضيح -، لا جوازًا كما وقع لخالد في غير موضع من إعراب الألفية، ثقة بدلالة ما تقدم، أي: إن جئت اللوى فأبلغ، وليس الجزاء هو (أبلغ) المذكور، خلافا للكوفيين والمبرد.
واللوى: - كـ (إلى) – في الأصل ما التوى من الرمل أو مسترقه، والمراد به في نحو ما هنا: دار المحبوب.
وقولي: أن الهوى .... إلخ: مفعول ثان لـ (أبلغ)، ومن: لابتداء الغاية أو بمعنى (باء) الاستعانة كالتي في (ينظرون من طرف خفى) ، والنوى: مجرور بها تقديرًا، وهي التحول من مكان إلى آخر، وقلبيك مفعول (شوى) مقدم عليه.
65- كذاك في المفعول أيضًا وجدا *** زيادة الباء كما في المبتدا
أي: إن الباء تزاد في المفعول والمبتدأ مثل زيادتها في الفاعل، وأيضًا مصدر: آض، بمعنى رجع، المحذوف تأكيد لـ (كذا) .
فمثال زيادتها في المفعول: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) وقيل: تلقوا، ضمن معنى: تفضوا.
وقول الشاعر:
نحن بنو ضبة أصحاب الفلج *** نضرب بالسيف ونرجو بالفرج
أي ونرجو الفرج.
وقوله:
وكفى بنا فضلا على من غيرنا *** حب النبي محمد إيانا
أي: كفانا.
قال ابن هشام تبعًا لابن مالك: وكثر زيادتها في مفعول (عرفت) ونحوه، أي : كـ(علم) المتعدي إلى مفعول واحد، كما في قوله:
ولقد علمت بأن دين محمد *** من خير أديان البرية دينا
أي: عرفت أن دين ....إلخ.
وقلت في مفعول ما يتعدى لاثنين، كقوله:
تبلت فؤادك في الأنام خريدة *** تسقي الضجيج ببارد بسام
قال المرادي: (ومع كثرة زيادتها مع المفعول غير مقيسة).
ومثلت لذلك ملمحا بقولي:
66- /ناوي إلى الصبر ونرجو بالفرج *** في صدِّ قوم سلبوا منَّا المهج
ناوي: أي نلجأ، ومنه: (فأووا إلى الكهف).
والفرج: مفعول (نرجو) مجرور بكسرة مقدرة منه من ظهورها اشتغال المحل بسكون القافية، وكذا يقال في نظائره، والباء زائدة، وليست متعلقة بشيء، لما ذكرنا من أنَّ الحروف الجارة الزائدة لا تتعلق بشيء وفي صد: تنازع فيه (نأوي) و(نرجو)، فأعمل فيه (نرجو) لقربه، وأعمل (نأوي) في ضميره، والتقدير: نأوي فيه إلى الصبر، ثم حذف؛ لأنه فضله، وهذا من المواضع التي يجوز فيها عود الضمير على متأخر لفظًا ورتبة.
وصدَّ: مصدر (صد) المتعدي، يقال: صدَّهُ عن كذا ضدا: منعه ، وجاء لازمًا، ومصدره: الصدود، ويقال: صدَّ عنه صدودك أعرض، ويحتملهما نحو قوله تعالى: (يصدون عن سبيل الله) ، أي: يعرضون عنها أو يصدون غيرهم عنها.
والمهج: جمع (مهجة) لدم القلب والروح، أي : نرجو الفرج في صد قوم إيانا سلبوا منا الأرواح، فإضافة (صدَّ) إلى (قوم) من إضافة المصدر إلى فاعله، والمفعول محذوف وجملة: سلبوا: نعت (قوم)، ومن في (منَّا) لابتداء الغاية كالتي في: (إنَّه من سليمن).
ومثال زيادة الباء في المبتدأ: بحسبك حديث، وبه مثل ابن مالك، وقال في مثال الزمخشري: بحسبك زيد: (الأجود كون زيد مبتدأ، وبحسبك خبرًا مقدمًا، فإنَّ (حسب) مما لا يتعرف بالإضافة).
قال ابن يعيش: (ولا نعلم مبتدأ دخل عليه حرف الجر في الإيجاب غير هذا الحرف).
قلت: ومن ذلك: خرجت فإذا يزيد، وكيف بك إذا كان كذا، كما في المغني، وكان الأصل: كيف أنت؟ فلما أتوا بالباء استقبحوا دخولها على ضمير الرفع، فأتوا بكاف الخطاب وهي صالحة لدخول الباء، مفيدة إفادة (أنت) في الخطاب.
ومنه عند بعض: ناهيك بزيد، ومنه عند ابن عصفور: حديث: (ومن لم يستطع فعليه بالصوم).
وقيل: (عليه) اسم فعل، والباء فيه زائدة في المفعول.
ومثلت لذلك بقولي:
67- فراق يوم هاج قلبي الشقي *** فكيف بي شهرين إن لم نلتق
هاجه الغرام: أثار وأزعجه، فـ(هاج): ثار، لازم متعد، وهو في البيت متعد فاعله ضمير (فراق) وقلبي: مفعوله، والشقي: نعت (قلب) خفف بحذف إحدى ياءيه ضرورة، وفاء (فكيف) هي الفصيحة، وقد مرت في (فسأل به خبيرا)، أول أقسام الباء.
وكيف: ظرف خبر للياء في (بي)، مقدم وجوبًا لاقتضائه الصدارة، والباء زائدة، والياء مرفوع المحل مبتدأ، وأصله: كيف أنا، ففعل به ما فعل بـ: كيف بك، وقد مر قريبًا.
وشهرين: ظرف، ناصبه ما في (كيف) من معنى الاستقرار، وإن: حرف شرط، ولم: حرف جزم، ونلتق: فعل الشرط مجزوم بـ(لم)، وعلامة جزمه حذف يائه، وهذه الموجودة لفظًا: ياء القافية، ولم مع مدخولها: في محل الجزم بـ (إنْ)، ولما كان مجزوم (لم) كالماضي في المعنى، لم يكن لأداة الشرط وحدها عمل، ولهذا جاز: إن لم يقم أقوم، برفع (أقوم) كما جاز: إن قام أقوم، بخلاف: إن يقم أقوم.
وصلة (نلتق): محذوف لدلالة ما قبله عليه، والتقدير: إن لم نلتق فيهما، والمعنى عليه، إذ ليس المراد نفي مطلق الالتقاء.
ولا يجوز كون شهرين: ظرفا لـ(نلتق)، إذ لا يتقدم معمول فعل الشرط على فعل الشرط وأداته، فلا يجوز: زيدا إن تضرب يضربك، وجزاء الشرط محذوف وجوبا لدلالة السابق عليه، والتقدير: إن لم نلتق فيهما فكيف أنا.
وليس السابق جزاء، إذ جملة الجزاء لا تتقدم على جملة الشرط، خلافا للكوفيين والمبرد.
فإن قلت: إن حذف الجزاء عند البصريين والفراء – إمام الكوفيين – مشروط بكون فعل الشرط ماضيا، قلت: مرادهم بذلك كونه ماضيا لفظا ومعنى، أو معنى فقط.
وقد مر قريبًا : أن مدخول (لم ) ماض معنى، فالحذف معه كالحذف مع الماضي، خلافًا لما وقع لخالد في مواضع إعراب الألفية، ووفاقًا لما وقع له في التصريح ، وهو الصحيح، مع إنهم إنما شرطوا ذلك في الاختيار دون الاضطرار كقوله :
68-لئن تك قد ضاقت عليكم بيوتكم *** ليعلم ربي أن بيتي واسع
حذف فيه جزاء الشرط مع كون فعل الشرط غير ماض لا لفظًا ولا معنى.
وجملة: ليعلم ربي: جواب القسم الدال عليه لام (لئن)، إذ متى اجتمع الشرط والقسم أتى بجواب السابق منها، وقدر جواب المتأخر على وفق جواب السابق.
تنبيه:
ومما ذكروا من زيادة الباء في المبتدأ: زيادتها في اسم (ليس)، لكونه مبتدأ في الأصل، لكن بشرط تأخره إلى موضع الخبر، كقراءة بعضهم : ( ليس البر أن تولوا) بنصب (البر).
وقوله:
أليس عجيبًا بأن الفتى *** يصاب ببعض الذي في يديه
ذكره في "المعنى" وكأنهم شرطوا ذلك ليكون على صورة ما هو الكثير في ليس من زيادة الباء في خبرها المؤخر نحو: ليس زيد بقائم.
ومثلت لذلك ملمحًا بقولي:
ليس عجيبًا يا فتى بأني *** أموت وجدًا إذ تناءى عني
عجيبًا: خبر (ليس) مقدم، وفتى : مبني على ضمة مقدرة لأنه نكره مقصودة. وهل هو ونحوه معرفة بالقصد أو بحرف تعريف منوي؟ خلافًا وإلى الأول ذهب ابن مالك.
وإن مع اسمها وخبرها: اسم (ليس)، والباء زائدة، ووجدا – أي حزنا -: مفعول لأجله، وإذ:ظرف (أموت) مضافة إلى الجملة بعدها ، وفاعل تناءى – أي تباعد –: ضمير المحبوب.
وقد تزاد – كما قال الرضي – في خبر إنَّ الآتية بعد باب (رأيت ) منفيًا، نحو: (أولم يروا أنَّ الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن بقدر)
وبعد ليت، نحو : ليت بأن زيدا قادم.
69- كذاك في الأخبار والحال التي *** عاملها أورد غير مثبت
الأخبار : جمع (خبر )، وهاء (عاملها ) للحال ، أي : ومثل زيادة الباء فيما ذكر: زيادتها في الخبر، وفي الحال المنفي عاملها.
أما الخبر فضربان : الأول : غير موجب فيقاس، نحوك ليس زيد بقائم، و (ما الله بغفل)
ومثلت لذلك بقولي:
70- ما أنا بالغادر في هواه *** ولو ألاقي فوق ما ألقاه
فباء (بالغاد) – بغين معجمه - : خبر (ما) على أنها حجازية ، أو خبر (أنا ) على أنها تميمية ، خلافًا لمن خص جواز زيادة (الباء) بكون (ما) حجازية، كالزمخشري في مفصله والفارسي.
والباء زائدة قياسًا، وجزاء (لو) محذوف على وفق ما سبق، وهو ضرورة لكون فعل الشرط مستقبلاً – كما مر قريبًا – لا يقال: لا ضرورة، إذ يمكنك أن تقول: ولو لقيت، لأنَّ الصحيح في حد الضرورة – كما مرَّ – ( ما لا يجوز في النثر ) لا (ما لا مندوحة للشاعر منه) و إنْ قال به ابن مالك، وإلا لما وجدت ضرورة في كلام العرب، إذ لا يكاد الشاعر يروم خلاصًا من محظور إلا وجد إلى ذلك سبيلاً.
وتزاد بقلة في خبري (لا) و (كان) المنفية، ومنه:
..................لا ذو شفاعة *** بمغن فتيلا .................
و
................ لم أكن *** بأعجلهم ........................
وفي الخبر بعد (هل)، نحو : هل زيد بقائم؟
وفي خبر المنفي في باب ظن، نحو: ما ظننته بخارج.
وفي خبر (لا) التبرئة ، نحو: لا خير بعده / النار ، وقيل هذه بمعنى (في).
والضرب الثاني: موجب، فيتوقف على السماع عند الأخفش ومتابعيه، وجعلوا منه: (جزاء سيئة بمثلها ) وقول الحماسي:
فلا تطمع أبيت اللعن فيها *** ومنعكها بشيء يستطاع
وجعل منه ابن مالك: بحسبك زيد: على كون (زيد) مبتدأ، لكونه معرفة، و(حسبك) خبرًا لكونه نكرة (لا) تتعرف بالإضافة كـ:مثل وغير.
ومثلت لذلك ملمحًا بقولي:
71- عصت دموعي يا عذولي هون *** ولا تقل منعكها بهين.
أي: عصتني دموعي من فرط الهوى والشوق، وجرت بغير اختيار مني، فيا عذولي هون الأمر عليك، ولا تؤذ نفسك بكثرة عذلي في ذلك، ولا تقل لي منعكها – أي: منعك الدموع – هين عليك فاكففها.
ومنع: مصدر مبتدأ، والكاف: فاعله، والهاء: مفعوله، وهين: خبره، والباء: زائدة لا تعلق لها بشيء لزيادتها، وأصل (هين): هيون فأعل الإعلال المشهور، وشذ في هذا الباب التصحيح، ومنه: يوم أيوم، وكذا قلب الياء واوا ومنه: عوى الكلب عوة، والقياس فيهما: أيم وعيه.
وأما الحال المنفي عاملها، فإن ابن مالك – وتبعه الرضي – أجاز زيادة الباء فيها لكونها في المعنى خبرًا، والخبر المنفي تزاد الباء فيه – كما مر قريبًا – فكذلك الحال في النفي، واستدل بقوله:
فما رجعت بخائبة ركاب *** حكيم بن المسيب منتهاها
أي: ما رجعت خائبة.
وقوله:
كئن دعيت إلى بأساء داهمة *** فما انبعثت بمزؤود ولا وكل
أي: مزؤودًا، يعني مذعورًا، والباساء: الشدة.
وقوله: إلى بأساء أي: إلى كشفها.
والوكل المحركة: العاجز يتكل في أموره على غيره.
وخرجهما أبو حيان على أن التقدير: بحاجة خائبة، وبشخص مزؤود.
ويريد بالمزؤود نفسه، على حد: لقيت به الأسد.
ومثلت لذلك ملمحًا بقولي:
72- مهما قصدنا داره في نائبه *** ما رجعت ركابنا بخائبه
النائبة: واحدة نوائب الدهر من النوب، وهو نزول الأمر، والركاب ككتاب: الإبل، واحدتها: راحلة، جمعه ككتب وركابات و ركائب، كما في القاموس.
وخائبة: في محل النصب / حال من (ركاب)، والباء: زائدة لا تعلق لها بشيء لزيادتها.
ولما أعربت (خائبة) بما ترى، ظهر لي معنى يلغز به، وهو أنهم قالوا : إن أنواع الإعراب ثلاثة: لفظي كما في زيد، وتقديري كما في العصا والقاضي يقضي، ومن التقديري ما اشتغل آخره بحركة المجاورة نحو: هذا جحر ضب خرب، والإتباع كقراءة الحسن: (الحمد لله)، والتخلص لالتقاء الساكنين نحو ( لم يكن الذين كفروا)
والقافية نحو:
قد أصبحت أم الخيار تدعي *** علي ذنبًا كله لم أصنع
والحكاية نحو: من زيدًا؟ لمن يقول: رأيت زيدًا كالمشتعل بحرفها، كقول بعضهم: دعنا من تمرتان، لمن قال: عندي تمرتان، ونحو: من أباه ومن أبيه؟ لمن قال: رأيت أباه ومررت بأبيه، والمناسبة نحو: جاءني غلامي، عند من يرى أن نحوه معرب والكثير على أنه مبني، فغلامي معرب محلاً لا تقديرًا.
وسكون القافية نحو:
وقاتم الأعماق خاوي المخترق
والسجع نحو: ما أقرب الأجل، وما أبعد الأمل.
والوقف نحو: جاءني زيد، والإدغام نحو ( الرحيم *3* ملك) ، و( يغفر لمن يشاء و يعذب من يشاء) في قراءة أبي عمرو.
وقريب من هذا قراءته أيضا نحو: ( فلا أقسم بالشفق)، و( هو أعلم بكم) .
وعليه قول الشاعر:
أحاذر أن تعلم بها فتردها *** فتتركها ثقلاً عليَّ كما هيا
لا من الجزم بـ (أن).
والنوع الثالث: محلي كما في نحو: هذا وهؤلاء من الأسماء المبنية.
وفرقوا بين الاثنين بأنَّ الأول منهما المانع من ظهور الإعراب فيه آخره، والثاني المانع فيه ذاته لوضعه على البناء.
وخائبة من الأسماء المعربة، وإعرابها في البيت محلي كما ذكرنا، لا يقال: إن (زيد) في: مررت بزيد – مثلاً – كذلك لأنَّه في محل النصب مع أنَّه معرب، لأنَّه هو مع الباء في محل النصب لا وحده، ولا شك أنَّ مجموع الجار والمجرور ليس بمعرب.
وفي ذلك قلت ملغزًا:
قل لإمام البلد الأجل *** ما معرب إعرابه محلي
وكذا يقال في كل ما جر بحرف زائد، وكاف التشبيه ورب وخلا وعدا وحاشا، لولا في نحو: لولاي ولولاك ، إذ هي لا تتعلق بشيء – كما ذكرنا – فلا يقال هي ومدخولها في محل كذا، بل مدخولها فقط.
فائدة:
كما يكون الإعراب في المبنيات محليًا، يكون البناء فيها تقديريًا كما في نحو: يا سيبويه ويا حذام / ويا منذ علما.
تتمة:
وتزاد الباء أيضًا في باب التوكيد في النفس والعين، يقال: جاء زيد بنفسه وبعينه، والأصل: نفسه وعينه.
73- وفتحة الباء أتت مع مظهر *** عن بعضهم وهكذا مع مضمر
بنيت الباء على الكسرة رعاية للمناسبة بين حركتها وعملها، وحكى اللحياني الفتح فيها شاذًا، قالوا: به، ولا يقاس عليه، وذكر ابن جني عن بعضهم: أنَّ حركتها الفتح مع الظاهر، نحو: مررت بزيد، قاله المرادي.
74- وسيبويه رد للإلصاق *** كل معاني البا على الإطلاق
قال المرادي: (لم يذكر سيبويه للباء غير الإلصاق، وسائر المعاني المذكورة لها عنده من باب الاتساع).
تنبيه:
ذكر المرادي وابن هشام: أن ما تقدم من نيابة الباء عن غيره من حروف الجر هو جار على مذهب الكوفيين، والبصريون لا يرون نيابة بعضها عن بعض.
كما أنَّ أحرف الجزم وأحرف النصب كذلك، وما أوهم ذلك فهو عندهم إمَّا مؤول تأويلاً يقبله اللفظ، كما قيل في : (ولأصلبنكم في جذوع النخل) : إن (في) ليست بمعنى (على)، و إنما شبه المصلوب لتمكنه من الجذع بالذي حل في الشيء، وإمَّا على تضمين الفعل معنى يتعدى بذلك الحرف، كما ضمن بعضهم (شربن) في قوله:
شربن بماء البحر .............. *** ...............................
معنى (روين).
والأكثرون على أن التضمين قياسي كما قاله المرادي في تلخيصه لشرح شيخه أبي حيان للتسهيل.
قال الطبي: (وهو باب واسع صحيح من حيث العربية).
ثم قال المرادي: (وما لا يمكن فيه ذلك فهو من وضع أحد الحرفين موضع الآخر على سبيل الشذوذ)
وسيبويه: هو أبو بشر، عمرو بن عثمان بن قنبر مولى بني الحارث، وضع كتابًا على رأي البصريين لم يسبق إليه، فلهذا صار الفرد الكامل، حتى إن مطلق الكتاب في النحو لا يقع إلا عليه، واختلف في عمره فقيل: اثنان وأربعون، وقيل: اثنان وثلاثون، توفي سنة ثمانين ومائة، وقيل: بشيراز ، وقيل: بالبيضاء من قرى شيراز