تستعدّ "منشورات الجمل" لإصدار طبعة جديدة من رواية "حرب نهاية العالم" للكاتب والروائيّ البيروفيّ ماريو بارغاس يوسا (1936) بعد مرور ثمانية سنوات على صدور الترجمة العربيّة الأولى التي أنجزها أمجد حسين وقدّمها للقارئ العربيّ باعتبارها "رواية مزلزلة في ما تحتويه من أفكار وتعرضه من مشاهد. ولسوف يخرج قارؤها (كما خرج مترجمها) مبلل البال، مُحيَّرًا، مستمتعًا، مستهجنًا... وحين يطوي صفحتها الأخيرة سيجد نفسه أمام السؤال الحتمي: وبعد؟".

العمل الصادر للمرّة الأولى سنة 1981 يُعد الأبرز والأكثر أهميّة من بين ما أنجزهُ ماريو بارغاس يوسا، وذلك لما حملهُ من ملامح وصفات ملحميّة أهّلتهُ ليكون، وفقًا لما اجتمع عليه النقّاد والقرّاء معًا، العمل الروائيّ الوحيد في أمريكا اللاتينيّة الذي يُمكن وضعهُ إلى جانب أشهر روايات القارّة السحريّة: "مائة عام من العزلة" للروائيّ الكولومبيّ غابرييل غارسيا ماركيز.
قدّم الكاتب الذي دخل نادي "نوبل للآداب" قبل نحو عشر سنواتٍ من الآن في عمله هذا حكاية مُتشعِّبة قوامها المُراوحة بين الخيال والتاريخ، والتنقّل المُستمر بين ما هو سياسيّ من جهة، واجتماعي من جهةٍ أخرى، وذلك ضمن إطارٍ سرديٍّ تُخيِّم عليه الأجواء الكابوسيّة والثوريّة في آنٍ معًا، إذ إنّ الرواية تتحدّث عن سلسلة صراعات مُسلَّحة دامية بين معسكرين متناقضين، دون أن يترك مؤلِّفها للقارئ فرصة الانحياز إلى أحدهما: "إنّك ما إن تنحاز إلى جانب، بفعل قوّة الحجّة أو دلالة التصرّف أو التعاطف الوجدانيّ، حتّى ينتشلك الكاتب، بفعل العوامل عينها، ليحطّك في صفّ الجانب الآخر"، يقول أمجد حسين في مقدّمته.
ويُضيف بأنّ الكاتب البيروفيّ: "فنّان في صنعته. فمع أنّ الرواية طويلة النفس، ملحميّة تُذكّر المرء بـ "الدون الهادئ" و"الحرب والسلام"، إلّا أنّه يظلّ ممسكًا بخيوطها الكثار المُتشعِّبة إمساك اللاعب الحذق المُسيطر على المفردات كلّها. ومن سمات هذه المهارة أنّه يعمد إلى التعدّدية في خطوط السرد، ولكنّها تعدّدية تخدم التنامي الدرامي للأحداث".
يقصُّ ماريو بارغاس يوسّا في "حرب نهاية العالم" حكاية كاهن تمرّد على الكنيسة وبدأ يتجوّل بين القرى والبلدات النائية زاعمًا أنّهُ ما جاء إلى هذا العالم إلا لغرضٍ واحد هو التبشير بالدين المسيحيّ، ونشر كلمة السيّد المسيح ووعظ البشر ونهيهم عمّا يجعلهم مذنبين وبالتالي معرّضين للعقاب الإلهيّ الذي حدَّد موعده لحظة نهاية العالم، النهاية هذه كانت أكثر ما ذكرهُ وتحدّث عنهُ في جولاته. هكذا، وجد الكاهن جماعة تؤيّدهُ ما إن وصل إلى إحدى المناطق البائسة التي ينتظر سكّانها أي حدث يمنحهم الفرصة للانتفاض ضدّ الدولة المسؤولة عن ظروفهم البائسة والمريرة.


في المقابل، وفي ظلّ هذه الأحداث المُتسارعة والحملات العسكرية المُتتالية التي مُني بعضها بالفشل فيما تمكّنت حملات أخرى من إضعاف جيش الكاهن وصولًا إلى تدميره، يُضيء ماريو بارغاس يوسّا عتمة بيئة مُهملة ومُهمَّشة تمامًا، ويُقدّم وصفًا دقيقًا للعلاقات البشريّة في هذه البيئة، ونمط الحياة السائد فيها، والأسباب التي جعلت منهم بشرًا مُستعدّين دائمًا للالتحاق بأيّ ثورة ضدّ الدولة، وممارسة العنف في سبيل ذلك، بالإضافة إلى وصفه لطبيعة الشخصيات الرئيسيّة في العمل والتركيز على تناقضاتها العديدة التي تجمّعها وتفرّقها في وقتٍ واحد.