يحكي ان كان هناك شاب ركب مع خاله السيارة مسافراً من مكة بعد أداء صلاة الجمعة، وفي طريقهما ظهر لهم مسجد مهجور كان قد رآه مسبقاً في طريق قدومة إلي مكة، وعندما مر هذا الشاب بجانب المسجد استطاع رؤية سيارة فورد زرقاء اللون تقف بجانبة مباشرة، تعجب الشاب وفكر ما الذي أوقف هذه السيارة في هذا المكان، فخفف من سرعته وركن سيارته ناحية المسجد وخاله يسأله في ذهول : ما الأمر ؟ لماذا توقفت ؟ تجاهل الشاب سؤال خاله وأشار له بيده أن يتبعه في صمت، دخلا معاً إلي المسجد وإذا بصوت عالي يرتل القرآن بشكل رائع، ويقرأ سورة الرحمن، فأراد الشاب أن ينتظر بالخارج ويستمتع بهذة القراءة الرائعة ولكن الفضول قد جعله يدخل إلي المسجد المهجور المدهوم أكثر من ثلثه والذي حتي الطير لا تمر به .
دخل الشاب مع خاله المسجد وإذا بهما يريا شاب قد وضع سجادة الصلاة علي الأرض وفي يده مصحفاً صغيراً يقرأ منه ولم يكن هناك أحد آخر في المسجد غيره، اقترب الشاب منه وألقي عليه السلام، في البداية فزع الشاب قارئ القرآن منهما مستغرباً حضورهما إلي المسجد، ثم قال وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، سأله : هل صليت العصر ؟ أجاب الشاب : لا لقد دخلت وقت صلاة العصر وهيا نصلي معاً، هم الشاب بإقامة الصلاة فوجده ينظر إلي ناحية القبلة ويبتسم، لمن ولماذا ؟ لا أحد يدري .
وهنا سمع الشاب قارئ القرآن يقول جملة أفقدته هو وخاله الصواب تماماً، ولم يجدا لها أى تفسير، حيث نظر الشاب من جديد ناحية القبلة وهو يقول : أبشر، وصلاة جماعة أيضاً ! نظر الشاب إلي خاله متعجباً، ولكنه حاول أن يتجاهل الأمر وكبر للصلاة وعقلة لا يزال مشغول بهذه الجملة .. من يكلم هذا الشاب وليس هناك أى أحد غيرهم في المسجد، المسجد فارغاً مهجوراً تماماً، هل هو مجنون ؟ وإذا كان مجنون كيف يقرأ القرآن بهذة الروعة ؟
بعد الصلاة أدار الشاب وجهه فرآه لا يزال مستغرباً في التسبيح ؟ سأله في فضول واضح : كيف حالك يا أخي، فأجاب الآخر في بساطة : بخير والحمد لله، فقال الشاب مبتسماً : سامحك الله فقد شغلت عقلي عن الصلاة ؟ فقال الآخر : لماذا ؟ أجابه الشاب : لأنني عند إقامة الصلاة سمعتك تقول : أبشر وصلاة جماعة أيضاً، فانشغل عقلي بهذه الجملة ولا أعرف مع من كنت تتحدث والمسجد مهجور وفارغ ولا يوجد سوانا ؟ ابتسم الشاب ثم نظر إلي الأرض مفكراً ثم قال : كنت أكلم المسجد !
ازدادت دهشة الشاب وهو يكرر وراءه : تكلم المسجد ؟ كيف ؟ وهل رد عليك المسجد ؟ ضحك الشاب قائلاً : كيف يرد هل الحجارة تتكلم ؟ فقال : إذا كيف تكلمه وهو من الحجارة ؟ أجاب الشاب في بساطة دون أن يرفع عينيه عن الأرض : أنا احب المساجد كثيراً وكلما وجدت مسجد قديم أو مهجور أحب أن أذكر الله فيه، أحس إنه مشتاق للتسبيح والتهليل والتكبير، وأحس أن المسجد يشعر أنه غريب بين المساجد، يتمني ركعة واحدة، سجدة، آية واحدة تحيية ليطمئن .
وأحب أن ادعو قبل أن يخرج من هذا المسجد قائلاً : اللهم إن كنت تعلم أني آنست وحشة هذا المسجد بذكرك العظيم
وقرآنك الكريم لوجهك يا رحيم . فآنس وحشة أبي وامي في قبورهم وأنت أرحم الراحمين ” .. حينها بكي الشاب بكاء طفل صغير وأصابته القشعريرة من شدة إيمان وتقوي هذا الغريب الذي ظنه مجنوناً في البداية أي فتى هذا ؟ وأي بر بالوالدين هذا ؟ هل سأل أحدنا نفسه يوما ..ماذا بعد الموت؟