قال تعالى:
( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم الآخر و لا يحرمون ما حرم الله و رسوله و لا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون ) التوبة : 29 .

إن الجزية لم تكن ضريبة ذل و هوان , ولم تكن أبداً عقوبة فُرضت على أهل الكتاب بسبب امتناعهم عن الدخول فى الإسلام .

إن التوصيف الصحيح للجزية :

هى مقابل مادى يدفعه أهل الكتاب ، وشُرعت مقابل حقهم فى التمتع بالأمن والآمان والحياة الكريمة التى توفرها لهم الدولة الاسلامية ، وذلك لأن الدولة الإسلامية لم تُجبر غير المُسلمين من أهل الكتاب بأن يشتركوا مع المُسلمين فى القتال والدفاع عن الدولة الإسلامية ، وهى بذلك رفعت عنهم الحرج فى أن يتعرضوا للقتل أثناء الدفاع عن الدولة وعن عقيدة لا يؤمنون بها . لذلك إذا اشترك أهل الكتاب مع المُسلمين فى القتال والدفاع عن الدولة الاسلامية لأى سبب من الأسباب فإن الجزية تسقط عنهم .

إن فرض الجزية يحُقق العدل والمُساواة بين المُسلمين وغير المُسلمين من أهل الكتاب ، حيث أن نفقات الدولة الاسلامية يتم توفيرها وتمويلها من بيت مال المُسلمين الذى يتم تمويله من الزكاة وخراج الأرض والتى يدفعها المُسلمون فقط ، فى حين أن الدولة تُنفق من بيت المال على أوجه المرافق والخدمات المدنية والعسكرية (الجيش) لتوفير الأمن والآمان والحياة الكريمة للجميع مُسلين وغير مُسلمين من أهل الكتاب .

وبمعادلة وحسبة بسيطة لتحقيق العدل والمُساوة يُمكننا القول بأنه إذا كان من المفروض على المُسلمين أن يدفعوا الزكاة (شرعا) فإنه من المفروض أيضاً على أهل الكتاب أن يعطوا الجزية .وبعبارة أخرى مُختصرة جداً فيُمكننا القول بأن الجزية على أهل الكتاب مقابل أو بديل عن الزكاة المفروضة على المُسلمين فقط ، وذلك لأن الزكاة لا تصح شرعاً إلا من المُسلم فقط .

والدليل على ما سبق هو ما يحكيه التاريخ لنا بأنه حين فتح أبو عبيدة بن الجراح الشام , و أخذ الجزية من أهلها الذين كانوا يومئذ لا يزالون على دينهم , أشترطوا عليه أن يحميهم من الروم, و وافق أبو عبيدة على هذا الشرط , و لكن حينما علم أبو عبيدة بأن هرقل أعد جيشا عظيما لاسترداد الشام من المُسلمين وكان تقديره حينئذٍ عدم إمكان المواجهة وتوفير الحماية , لذلك قام برد الجزية إلى الناس من أهل الكتاب و قال لهم : لقد سمعتم بتجهيز هرقل لنا و قد اشترطتم علينا أن نحميكم و إنا لا نقدر على ذلك.