بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
▪️ من الأسرار المكنونة في الارتباط والمداومة على زيارة الإمام الحسين(ع) ما دلت عليه الروايات المتواترة والمستفيضة عن أهل البيت (ع) وربطها بظروف زمانية ومكانية خاصة وعامة، بل نقلتها الروايات الصحيحة من الفرض الاستحبابي المؤكد إلى الفرض الكفائي، بل وصل الحال أن يصف الإمام الصادق (ع) زائر الإمام الحسين(ع) لمرة واحدة في سنته بالجافي !!، وممن لم يزره في حياته بمنتقص الدين والإيمان !! وهذا إن دل على أن زيارته غذاء عقائدي وروحي لاغنى للمؤمن في حياته.
▪️ صورتان متكاملتان في باطنهما وظاهرهما تبينان رؤية مستقبلية للنبي محمد (ص) في تبيان منزلة الإمام الحسين (ع) منه ودوره الاستثنائي في إبقاء مبادئ الدين الإسلامي، فصورة ظاهرها يصور المعرفة والإيمان بالمصطفى (ص) وباطنها يجسد العمل بمبادئه وأوامره، وصورة أخرى ظاهرها يجسد الإيمان بالإمام الحسين(ع)، وباطنها يمثل السعي لتطبيق مبادئ ثورته، وهما صورتان اختزلهما النبي (ص) بشهادة في حق الإمام الحسين(ع): حسيني مني وأنا من حسين.
▪️ من الغايات الجوهرية التي تستخلصها من الروايات الشريفة في فضل زيارة الإمام الحسين(ع) هو تجديد العهد والولاية واختبار لحس الإقدام في طريق أهل البيت(ع) ونصرة معتقداتهم، وهذا ماتنقله نص الزيارة: فقلبي لكم سلم وأمري لأمركم متبع ونصرتي لكم معدة.
▪️ إن ديمومة شعائر زيارة الإمام الحسين(ع) ماهي إلا صوراً تكاملية متجددة لرسالة الإسلام، وهي أصوات المنادين بقيمه ومبادئه الممثلة لنواميس السماء وتبيان الحق وسبل إتباعه التي عَمِل وسعى سلاطين الجور والطغيان على مر العصور في طمسها وتحريفها.
▪️ إن حركة العشق والتعطش المتولدة في نفوس زائري الإمام الحسين(ع) هي في مكنونتيها وحقيقتها حالة من حالات الحب والعشق للمبادئ والقيم التي حملها أنبياء الله ورسله، وسعى الإمام الحسين (ع) لتثبيتها بتضحيته وثورته، والذي عبر عنها الإمام الصادق(ع) بقوله: وهل الدين إلا الحب.
▪️ حلقات الحب والهيمان الذي يختلج في نفوس ملايين من زوار الإمام الحسين(ع) هو ترجمان لترسيخ مفهوم الطاعة وطريق الاتباع لمنهج محمد وآل محمد والذي مثله سيد الشهداء(ع) في نهضته، وهي سلسة مترابطة من حلقات الحب المبتدئة بحلقة حب النبي الأكرم(ص) والحلقة الأخرى المرتبطة بحب الإمام الحسين(ع) المفضية إلى الحلقة الأهم وهي حب الله، والذي وصفها الله بقوله: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُور رَحِيمٌ.
▪️ إن مستوى التحصيل الإيماني والعقائدي من شعيرة زيارة الإمام الحسين(ع) تمكن الزائرين من توظيف الطاقات المكتسبة في ممارساتهم الحياتية والدينية بمستوى عال من الكفاءة والسمو، وهو التجسيد الأسمى لفهم ثورة الإمام الحسين (ع) وتضحيته الكبرى، والمتمثل باستنقاذ البشر من غياهب الظلمة والجهالة والعمى والشكّ والارتياب إلى قناديل النور ومفاتيح العلم والبصيرة وسبل اليقين والاطمئنان.
▪️ لايمكن اختزال زيارة الإمام الحسين(ع) بأبعادها الفكرية بعيداً عن مكنوناتها الوجدانية والعقائدية، وهذا مايبدو جلياً وواضحاً في الكيفية والهيئة التي أرادها أهل البيت(ع) من مواليهم تجسيدها عند زيارتهم للإمام الحسين(ع)، وذلك حينما وصفوها بهيئات مكانية وظروف زمانية عامة وخاصة يلتصق فيها الظرف الزماني بالحضور المكاني وبهيئة عاطفية وعزائية استثنائية خاصة كزيارة يوم عاشوراء ويوم الأربعين ويوم عرفة.
▪️ إن ديمومة واستمرارية الزحف والسير الإنساني نحو زيارة الإمام الحسين(ع) في كل سنة بالرغم مما تواجهه هذه الزيارة من تعتيم إعلامي ومخاطر وإرهاب مستمر، ماهو إلا مظهر إثبات لأحقية واستمرارية النهضة الحسينية الخالدة في هذا الوجود، وهي رسالة تحدي وإصرار متجددة في وجه المحاربين والمشككين والمتنكرين لها، وتُلفت عموم البشر في العالم إلى العطاء الحسيني الخالد، وتُمُيِزه عن غيره من العطاءات البشرية الأخرى.
▪️ تنفرد زيارة الإمام الحسين(ع) بأنها الرافد والمعين الذي لا ينضب الذي يُوصل الإنسان إلى حالة من التكامل الذاتي والإيماني المناط بشرطي عشق الزيارة ومستوى معرفة الإمام الحسين(ع)، بحيث يكون قادراً على تحمل الصعاب والعقبات والمخاطر التي سيواجهها في طريق زيارته حتى لو وصل به الحال بالتضحية بحياته، وهذا ما أشار إليه الإمام الصادق (ع) ابن بكير الذي كان يتحدث عن مدى ما لقيه من خوف وهلع في الطريق إلى زيارة أبي عبدالله (ع) فقال له: ألا تحب أن يراك الله فينا خائفا؟.
يرتبط نيل الفيوضات الكمالية والإيمانية من زيارة الإمام الحسين(ع) بمستوى المعرفة والاستعداد النفسي اللذين ينقلان المؤمن إلى فلك الارتباط الروحي الدنيوي والعطاء الأخروي المرتبط بنيل التوفيق لزيارة الإمام الحسين(ع) وشفاعته، والذي اختصرته عبارة في زيارة عاشوراء: اَللّـهُمَّ اجْعَلْني عِنْدَكَ وَجيهاً بِالْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ.
▪️ من فلسفات زيارة الإمام الحسين(ع) أنها الشعيرة الإلهية الجماعية التي تمكن الإنسان من تحويل الحالة الفكرية المتمحورة بالإيمان بالقيم السماوية كالعدالة والمساواة والتضحية والفداء وغيرها ونقلها من عالم الأفكار إلى العالم اﻹحساس الواقعي المتصل بعالم الغيب من خلال استلهامها واستشعارها ممن ترجمها لواقع إنساني متكامل لم ولن يتكرر في نواميس بني البشر.
▪️ إن من أسرار انجذاب الأطياف البشرية بمختلف توجهاتها الدينية والفكرية والاجتماعية والسياسية وغيرها نحو شخصية الإمام الحسين(ع) كونه الشخصية التي تمتلك من الجاذبية والاستقطاب الاستثنائي القادرة على إشباع ميول وغايات ونوعية كل شخصية إنسانية قصدت زيارته.
▪️ وضعت شخصية الإمام الحسين(ع) وثورته في قاموس التعجب، والعجيب أن تكون زيارته في يوم الأربعين علامة من علامات الإيمان في الدنيا، وعلامة خاصة للمناداة بخصوصية زائره في الآخرة، لكن كل العجب أن علامة الإيمان المنسوبة لزيارته في الأربعين هي من ثبتت علامات الإيمان في حياة المؤمنين!!.
▪️ لاتعجب من حالة التعجب التي تعتري بعض العقول من الروايات الدالة على عظمة ثواب زيارة الإمام الحسين (ع) فهي، حالة طبيعية لا تدعونا للاتعاظ والاستنكار، فهي حالة ارتسمت حتى في عقول علماء ثقات كانوا مقربين من أئمة أهل البيت(ع) وانتابهم نفس حالة التعجب والانبهار عما سمعوه من عظيم وفضل زيارة الإمام الحسين (ع).
▪️ إذا لم تستوعب العقول مستوى عطاء وتضحية الإمام الحسين(ع) التي قدم فيها كل مايملك في سبيل الله وإعلاء لدينه، فهل يمكن أن تستوعب هذه العقول العطاء والثواب الرباني الكبير الذي يعطيه الله الزوار المخلصين والعارفين بالإمام الحسين، فلا شك أن كرم الله وسخاءه لهؤلاء سخاء وعطاء لا تتحمله عقول البشر، وهو القائل: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَاعَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.