من وَحْيِ الصّورَة:
الصّورةُ مصدراً من مَصادِرِ السّيرَةِ الذّاتيّة
***
ما الدلالةُ السّيميائيّةُ للصّورة، وما أثَرُ الصّورَةِ في إثارَةِ الذِّكْرى وابْتِعاثِها مِنْ مَرْقَدِها؟ وما عَلاقَةُ الصّورةِ بالطُّفولَةِ؟ وهَلْ من سَبيلٍ إلى فَكِّ رُموزِ الصّورَةِ وحُسْنِ فَهْمِها؟
إنّ العِبْرَةَ كلَّ العِبْرَةِ في مَهارَةِ قِراءَةِ الصّورَةِ وحُسْنِ تأويلِ مَشاهِدِها وفَكِّ مُركّباتِها وتَفْسيرِ رُموزِها وشَرْحِ أبْعادِها وخَلْفِيّاتِها، وكُلّما كانَ القارئُ دَقيقَ الملْحَظِ وُفِّقَ لاسْتِخْراجِ مَقالةٍ من هَيْئةٍ، وتاريخٍ من لَقْطَةٍ، وحِكايَةٍ من صورةٍ.
***
الصّورةُ صورٌ؛ فمنها الصّورةُ الذّهنيّةُ التي في الدّماغِ وهي صورةٌ مركّبةٌ ممزوجةٌ بالمعرفةِ والشّعورِ، والصّورةُ البَصريّةُ الملموسةُ، والصّورةُ النّمطيّةُ التي في أذهانِ النّاسِ عن معنى أو مبدإ أو شيءٍ أو بلدٍ، والصّورة الخَياليّةُ التي تنتجُ عن قدرةِ العقلِ على إنتاجِ الصّورِ وتركيبِها وإعادةِ تركيبِها، وصورِ الذّاكرةِ وهي ناتجةٌ عن استدعاء الأحداثِ من الماضي.
تتركّبُ السيرةُ الذّاتيةُ من معلوماتٍ وذكرى، مصدرُها الصّورُ الملتقَطَةُ والصّورُ الذّهنيّةُ الـمُخزَّنَةُ في الذّاكرةِ وغيرها من المصادرِ. ويُهمُّنا في هذا السّياقِ أن نقفَ عندَ مَشاهدَ وأمثلةٍ من أثرِ الصّورةِ الـمُلتَقَطةِ في إعادةِ بناءِ الذّكرى وكتابةِ السّيرةِ الشّخصيّةِ.
تُذكِّرُك الصّورةُ بأشخاصٍ وأزْمِنَةٍ وأمكنَةٍ وهَيْئاتٍ، وحَيْثُما أجَلْتَ فِكْرَكَ وأنّى تَطلّعْتَ، مُنجداً أو مُتْهماً، مُعرِقاً أو مُشئماً، نَبَتَتْ لَكَ من الأمْسِ الدّابِرِ وُجوهٌ وأحداثٌ وحكاياتٌ. ولَقَدْ أدرَكَ كُتّابُ السّير الذّاتيّة خَطَرَ الصّورَةِ وما تُخْفيه من دلالاتٍ، فَجَمَعوا أو جُمِعَ لَهم من الصُّوَرِ ما لا يَكادُ يُحْصى.