"الوَاحِدُ أوّلُ عَدَدٍ منَ الحِسابِ" هو قول الخليل بن أحمد(ت170هـ) في "كتاب العين"(3/ 281)، ومحمد بن الحسن بن دريد (ت321هـ) في "جمهرة اللغة"(1/ 507)، وإسحاق بن إبراهيم الفارابي (ت350هـ) في "ديوان الأدب"(3/ 229)، وأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت 370هـ) في "تهذيب اللغة"(5/ 193)، والصاحب إسماعيل بن عباد (ت385هـ) في "المحيط في اللغة" (3/ 387)، وإسماعيل بن حماد الجوهري (ت 393هـ) في "تاج اللغة وصحاح العربية" (2/ 548)، وأبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده (ت458هـ) في "المحكم والمحيط الأعظم" (3/ 375)، وأبي الفضل محمد بن مكرم ابن منظور (ت711هـ) في "لسان العرب"(3/ 446)، وأبي العباس أحمد بن محمد الفيومي (ت770هـ) في "المصباح المنير" (ص/ 35 و533)، ومحمّد مرتضى الزَّبيدي (ت1205هـ) في" تاج العروس"(9/ 263).
قال إبراهيم بن السري الزجاج (ت311هـ) في "تفسير أسماء الله الحسنى" (ص/ 57-58):
«الْوَاحِد: وضع الْكَلِمَة فِي اللُّغَة إِنَّمَا هُوَ للشَّيْء الَّذِي لَيْسَ بِاثْنَيْنِ وَلَا أَكثر مِنْهُمَا.
وَفَائِدَة هَذِه اللَّفْظَة فِي الله، عز اسْمه، إِنَّمَا هِيَ تفرده بصفاته الَّتِي لَا يشركهُ فِيهَا أحد. وَالله تَعَالَى هُوَ الْوَاحِد فِي الْحَقِيقَة، وَمن سواهُ من الْخلق آحَاد تركبت.
وَأما الْكَلَام فِي: هَل هُوَ- سُبْحَانَهُ- وَاحِد من طَرِيق الْعدَد أم لَا؟ فَلَيْسَ مِمَّا لَهُ تعلق بِمَا نَحن فِيهِ؛ إِذْ الْغَرَض هَا هُنَا ذكر وضع الْكَلِمَة، وَفَائِدَة مقتضاها فِي الْإِطْلَاق.
الْأَحَد: قَالَ أهل الْعَرَبيَّة: أَصله وحد، ثمَّ قلبت الْوَاو همزَة، وَهَذَا فِي الْكَلَام عَزِيز جدا أَن تقلب الْوَاو الْمَفْتُوحَة همزَة، وَلم نَعْرِف لَهُ نظيرا إِلَّا أحرفا يسيرَة، مِنْهَا: أَنَاة، وأحرف نظيرتها. وَيُقَال: هَذَا وَاحِد، ووحد، كَمَا قدمْنَاهُ من سَالم وَسلم، وحاكم وَحكم، وَقَالَ النَّابِغَة:
على مستأنس وَحَد
وَقَالَ بعض أَصْحَاب الْمعَانِي: الْفرق بَين الْوَاحِد والأحد أَن الْوَاحِد يُفِيد وحدة الذَّات فَقَط، والأحد يفِيدهُ بِالذَّاتِ والمعاني.
وعَلى هَذَا جَاءَ فِي التَّنْزِيل: ﴿قل هُوَ الله أحد﴾ أَرَادَ الْمُنْفَرد بوحدانيته فِي ذَاته وَصِفَاته، تَعَالَى الله علوا كَبِيرا».
وأما قول الفيومي (ص/ 322): «... قَالُوا: وَالْعَدَدُ هُوَ الْكَمِّيَّةُ الْمُتَأَلِّفَةُ مِنْ الْوَحَدَاتِ، فَيَخْتَصُّ بِالْمُتَعَدِّدِ فِي ذَاتِهِ، وَعَلَى هَذَا فَالْوَاحِدُ لَيْسَ بِعَدَدٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدِّدٍ، إذْ التَّعَدُّدُ الْكَثْرَةُ»، فهو لا يقصد بـ(َقالُوا) أهل اللغة، وإنما يقصد الحُسَّاب المتكلمين، لا أهل اللغة المتسنين.
ومن أقدم من حكى قول أهل الحساب أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت 337هـ) في " اشتقاق أسماء الله" (ص/90-93)، حيث قال: « ... ولذلك يقول أصحاب العدد: إن الواحد ليس بعدد؛ لأن العدد إنما هو ما تركب من أعداد أضيف بعضها إلى بعض، فالواحد لم يتركب من ضم شيء إلى شيء، فيكون عددًا، فكأنه عندهم مادة العدد. قالوا: ألا ترى أن معنى الوحدة موجود في كل عدد قل أو كثر، كالخمسة، والستة، والألف، وما بعد ذلك، إلى ما لا نهاية له، لا بد من أن يكون معنى الوحدة فيه موجودًا، وكذلك الكسور نحو النصف، والربع، والعشر وعشر العشر، وما دون ذلك، لا بد من أن يكون معنى الوحدة موجودًا فيه، وليس في قولنا: واحد، معنى عن شيء من ذلك موجودًا؛ ولذلك قيل لمن ادعى معبودًا غير الله، وقال باثنين أو ثلاثة: إنكم قد ثبَّتم الواحد بتثبيتكم ما بعده؛ لأنه لا سبيل إلى تثبيت اثنين ووجودهما إلا بعد الإقرار بالواحد الذي هو الأول. وكذلك ما بعد الاثنين، فالواحد مضطر إلى الإقرار به، وما بعده محتاج إلى الدليل على صحته، ولا فرق بين من تخطى الواحد إلى ما بعد ذلك بأيسر عدد، وبين من تخطاه إلى ما بعده إلى أكثر العدد، فالواحد الأول الذي لا بد من إثباته، والإقرار به قبل الاثنين والثلاثة وما بعد ذلك».
ولعل أول من قال: إن الواحد ليس بعدد؛ هو يعقوب بن إسحاق الكندي (ت285ه) في كتابه "رسالة الكندي إلى المعتصم بالله في الفلسفة الأولى"، ولعل أبا محمد علي بن أحمد بن حزم (ت456هـ) أخذ عن الكندي القول بأن الواحد ليس بعدد كما في "رسائل ابن حزم الأندلسي".
وممن أشار إلى بطلان هذا القول ونسبته إلى المتكلمين الدكتورة آمال بنت عبد العزيز العمرو في كتابها "الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بتوحيد الربوبية جمع ودراسة"، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وكرسي الأميرة عنود بنت عبد العزيز، ط1، 1433هـ.