النتائج 1 إلى 8 من 8
الموضوع:

سيميائية العزاء العراقي

الزوار من محركات البحث: 43 المشاهدات : 1533 الردود: 7
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    من أهل الدار
    Jeanne d'Arc
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 16,465 المواضيع: 8,043
    صوتيات: 10 سوالف عراقية: 0
    مقالات المدونة: 27

    سيميائية العزاء العراقي

    TODAY - 14 October, 2010
    سيميائية العزاء العراقي
    "الموتى الوحيدون الذين يعودون، من دفناهم بسرعة"
    جيل دولوز

    د. إسماعيل نوري الربيعي
    دخلت سيدة خرقاء اسمها سكيوة إلى سردق العزاء المخصص للنساء، ونادت مولولة؛ (يَمْ البيت جينا وما لقيناها)، عندها هب جمع من النسوة لإسكاتها، منبهين إلى أن الميت رجل وليس امرأة!
    لكنها لم تكف عن مندبتها التي راحت تكررها في كل عزاء، حتى ذهبت مثلا (قولات سكيوة). حيث التكرار في أقصاه بقصد أو دونه.
    توقفت ذاكرة المرأة عند تلك العيّنة، فلم تجد في خزينها المعرفي غير ذلك المفتتح الذي يؤهلها لدخول عتبة السردق. كل ما تملكه ذاكرة معطوبة وحرية مستلبة، أكلها الذل وفقر الدم والعوز والارتجال والفقد والحزن والقهر والإذلال والمهانة والقسوة.
    (سكيوة) المعدمة بطاقة دخولها إلى العزاء فاقدة الصلاحية، فكل رأسمالها جملة متكررة وعلامة غائرة، أفقدها التكرار شرط الاستقبال اللائق ضمن جمع الحزن المهيب. فالحزن يقوم على المعرفة لا اللعب، معرفة حاذقة شاملة قوامها الانجاز الشامل والكامل لتقاليد الفقد، والاطمئنان لإنهاء استحقاقات الميت كي لا يعود طيفه القلق يهدد الوعي بالحياة.

    في العزاء الجنوبي يعسر على المرأة الدخول إلى العزاء، من دون توظيب مناحة محددة، ذات جرس وإيقاع ومعنى يليق بالميت. حيث الإرث الذي خلفته الثقافة السومرية، إنه البكاء والنواح بناء على الأوامر الملكية الصادرة عن كلكامش، بعد وفاة صديقه وخله أنكيدو؛ (سأجعل أهل أوروك يبكون عليك ويندبونك، وسأجعل أهل الفرح يحزنون عليك)، حزن قسري، وندب إجباري، وبكاء تحت التهديد برسم السلطة العليا! فيما تكتفي نساء منطقة الوسط العراقي، بإطلاق صوت الولولة المبهمة؛ ( يبوه)، تعبيرا عن المشاركة في العزاء.

    حيث لا مهابة للموت
    ما هو النسق الدلالي الذي يميز هذا المجال الاجتماعي الهائل الحجم الذي يطلقون عليه العراق، حيث ظاهرة الفقد التي تطغى على ما دونه وما بعده، فقد يأتي بقوة لافتة حتى لتراه شاخصا في المجمل من العلاقات والممارسات، حيث السيادة والطغيان على المعاني والرموز والدلالات، لشيء هو مفقود أو هو في طريقه إلى هذا الفقدان المريع، الذي يتبدى تارة في تعطيل أو فقدان الخدمات الأساسية أو تسيب أو تراجع أو فساد إداري أو تأجيل أو فراغ حكومي. فقدٌ لم يعد فيه سوى ما رددته (سكيوة) حول؛ أم البيت التي جئنا ولم نجدها.
    والذي غدا سياقا اجتماعيا عراقيا بامتياز، حيث نظام المعاني الذي راح ينتج المزيد من العلامات المتداخلة حول ثقل الفقد الكثيف. فكل شيء لم يعد له حضور، حتى بات العراقي يأتي فلا يجد كهرباء أو إسالة ماء أو حكومة شاء أن ينتخبها، أو أمن علل النفس أن يراه مقتدرا على لجم الإرهاب، أو وظيفة حلم بالحصول عليها بعد التخرج، أو مشروعا أراد تنفيذه من دون الخضوع لابتزاز القوى المتنفذة. الحاضر الأهم هو الفقد حيث علامة العزاء، تلك التي تنتصب في السرادق لتأبين الموتى، وتنصب في الوجوه حزنا على انقطاع مفاجئ للكهرباء، أو انفجار عبوة ناسفة، وتنصب في القلوب فرقا وألما على تبديد المال العام، وتنصب في الأرواح جزعا على وطن ذبيح.

    كيف يمكن استيعاب دالة الفقد، في الخطاب الاجتماعي السائد اليوم.هل ينطوي الأمر على البحث في النسقية التي تكشف المعاني، أم أن المعطى الرئيس يبقى يدور في فلك البحث عن نسق العلامات وتزاحمها في فضاء التداول العراقي. ها أنت تراقب إمارات الشجن والحزن والاضطراب ماثلة في القسمات والملامح، في علامات الغضب، في التقطيب، (بالهمسات، بالنظرات، بالصمت الرهيب!)، في ملامح الألم تملأ الوجوه، في العابسين الشاردين، علامات من الأسى تحضر بقوة لافتة في الفضاء الاجتماعي العراقي، حتى لتجد الواحد منهم وقد (نصب سردق العزاء)، المادي والمعنوي، وانطوى يعيش الحزن والغم. علامات تفصح وتنذر وتخبر عن الأحوال والأوضاع. الأمر لا يخرج البتة عن محاولة الوقوف على المعنى، فالنسق الدلالي للعزاء، يتيح أبعادا واسعة نحو إدراك الدلالة العلاماتية، انطلاقا من التفحص في التمثل الجماعي، لكن الأمر يبقى يدور في ثنائية (الشكل والمضمون)، الشكل هو الحاضر الأهم، فيما بات المضمون يعاني من الغياب الملفت. والموت والفقد والخذلان والانقطاع والترهل والفساد والبطالة والحرقة والألم والكآبة و اللاجدوى والفوضى والنسيان و(ثقافة الطايح رايح)، تغدو مجرد ظواهر اجتماعية، تتوافر على الشكل الاجتماعي بكثافة تزيد عن المضمون الاجتماعي. حيث العزاء الذي يحضر بقوة لافتة.

    شبكة التأويل
    كيف يؤول العراقي علامة العزاء؟ ينصب العراقي المناحة حين لحظة الفقد. ترى العزاء في سحنته، في جلسته القلقة، في وقوفه اللامستقر، في عينيه الزائغتين. في؛ (يا يابه، يا بويه). ولكن باعتياد هذه اللحظة، تتحول هذه الطقوس إلى مجرد علامة تداولية، فاقدة التأثير العميق الذي وجدت من أجله ينوح ويرسم طقس العزاء من أجل التواصل مع محيطه.
    يجعل من هذا الفقد طريقة للإشهار والإخبار والإعلان، إنها عملية نقل (التصور الذاتي) بحسب تصنيف أمبرتو إيكو إلى الآخرين. لكن التماثل في الخضوع لذات المؤثر، تجعل من كل هذا، عبارة عن علامة أيقونية يتوافق فيها (الشكل والمضمون). إنه الخضوع لأحوال التنوع الاجتماعي في الممارسات والعلاقات والتجربة، في سحنات الوجوه في طريقة التعاطي مع الواقع، عبر انتشار ظاهرة التدين، أو الإعراض عنه، في التكثيف من نسج علاقات القرابة أو الانقطاع عنها. في الضحك الهستيري، في العويل الطويل الذي يقطع نياط القلب، في حث التراب على الرأس. في تقطيع الثياب، وفي نفش الشعر (كلها طقوس أداها كلكامش حزنا على أنكيدو)، هي أوضاع البحث عن الأشكال الاجتماعية، وطريقة ترصدها في فضاء اجتماعي محدد.

    نرصد العلامة الاجتماعية أم هي التي تترصدنا؟! في الصرخة التي تند عن المرأة حين تشهق قائلة (عزه العزّاني)، حين تواجه شرا مستطيرا مفاجئا، في لوعة الرجل حين يقصّر في أداء واجب اجتماعي ولسان حاله يقول؛ (سخام السخمني)، حيث الكناية عن نصب العزاء، باعتبار السخام رديف السواد والحزن العميق الذي يعتلج في نفس المقصّر. في أكوام المزابل التي انتشرت في المدن العراقية حتى غدت مكونا بنيويا ودلاليا على الأوضاع المزرية التي يعيشها الفرد العراقي. في المياه الآسنة والرائحة العفنة التي تفوح في أحياء كانت توصف بالراقية، في الفواصل الكونكريتية التي تعزز أوضاع التقسيم والتوزيع والمحاصصات بين الأحياء السكنية.
    في السلوكيات اللامسؤولة التي يرتكبها المسؤول بحق أبناء الشعب، حين يتغاضى عن تجاوزات رجال الحماية في موكبه. في العدد الوافر من الأحزاب والكتل السياسية، في التكاثر الأميبي للصحف اليومية والأسبوعية، في الاندفاع الغريب نحو الحصول على لقب دكتور وبطريقة غير شرعية (حيث لمسة مريدي الاحترافية)، في الخطاب الارتجالي للقنوات العراقية الفضائية، والتي تكاد أن تكون فضائية لكل مواطن! في اللغة الركيكة وغياب البديهة لدى جمهرة من المقدمين والمعلقين التلفزيونيين، في اللباس الرث الذي يرتديه عامة الناس في المدن، في الهزال الذي طغى على الوجوه والشيب الذي غزا الرؤوس، ولا عزاء لهدر سنوات العمر. في البذاءة والعبارات الغريبة والهجينة التي راحت ترددها الأفواه من دون اقتصاد، وعلى شاكلة (بوري، علاسّة، قفاصة، بطة، حديقة)، ولاعزاء اللغة. في تسلل القيم الغريبة والمستهجنة، في السلوكيات الشاذة، في الحركات الغريبة، ولا عزاء لخراب النفوس. كل هذه علامات اجتماعية لها الدور العميق في حفز الذاكرة الدلالية، ولها الدور المكين في حفز الرؤى والتصورات والقيم السائدةـ، حيث التأثير المباشر في البنية العقلية والنفسية. إنها العلامات التي تدعونا هي نحو قراءتها وتفكيك أنساقها الاجتماعية. إنه العزاء الكامن في النفوس، في العقول، في الثقافة، في الواقع,أن تعيش العزاء، فأنت عراقي بامتياز.
    و" الله ما تسمع هلي، شلون بغرامك مبتلي".

    * أكاديمي عراقي مقيم في البحرين

  2. #2
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 2,041 المواضيع: 145
    صوتيات: 12 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 1476
    في العزاء الجنوبي يعسر على المرأة الدخول إلى العزاء، من دون توظيب مناحة محددة، ذات جرس وإيقاع ومعنى يليق بالميت. حيث الإرث الذي خلفته الثقافة السومرية، إنه البكاء والنواح بناء على الأوامر الملكية الصادرة عن كلكامش، بعد وفاة صديقه وخله أنكيدو؛ (سأجعل أهل أوروك يبكون عليك ويندبونك، وسأجعل أهل الفرح يحزنون عليك)، حزن قسري، وندب إجباري، وبكاء تحت التهديد برسم السلطة العليا! فيما تكتفي نساء منطقة الوسط العراقي، بإطلاق صوت الولولة المبهمة؛ ( يبوه)، تعبيرا عن المشاركة في العزاء.
    سالي موضوعك هذا جدا جدا راقي وراقني كثير
    حقيقة وجدت بين الاسطر سر الحزن الجنوبي لكافة المذاهب والاطياف العراقية الجنوبية
    لعن الله كلكامش على ما فعل بنا
    شكرا سالي شكري وودي وتقيمي المتواضع لك ولموضوع هذا

  3. #3
    من المشرفين القدامى
    تاريخ التسجيل: July-2010
    الدولة: العراق بلد الانبياء
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 5,846 المواضيع: 443
    صوتيات: 0 سوالف عراقية: 4
    التقييم: 883
    مزاجي: متفائل
    المهنة: معلم جامعي
    أكلتي المفضلة: الحلويات
    موبايلي: صيني
    آخر نشاط: 31/August/2022
    الاتصال:
    مشكورة سالي على هذا الموضوع المتميز الذي يكشف عن سر الثقافة الحزينة التي يمتلكها العراقي
    تحياتي

  4. #4
    من أهل الدار
    المتماهي
    تاريخ التسجيل: September-2010
    الدولة: ميسان
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 30,875 المواضيع: 301
    صوتيات: 90 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 31878
    المهنة: دكتوراه/ نقد حديث
    موبايلي: Ultra s24
    مقالات المدونة: 130
    السيدة الرائعة سالي .. دعيني أستوعب مقداراً مناسباً من الثناء لما انتقيته هنا .. كنت وما زلت علامة فارقة في ما تطاله قراءتك وتمنحينا متعة وفائدة مشاطرتك مادة إن دلت فإنها تدل على عمق نظرك وأنت تنتخبين المقال بعد الآخر وكلها رائعة ورصينة .. فالشكر لك على الطرح المميز حقا .
    بدا لي وأنا أتابع المقال أن الباحث ولج في حيز معقد من المشهد الثقافي والتراثي للعراق .. ولجنوبه بالخصوص .. ذلك أن الحزن مفردة متجذرة في السلوك الإنساني عموما .. لكن دلالاتها تكتسب أبعاداً أخرى حين نكون في إطار الحديث عن الحزن العراقي .. عن حزن الجنوب .. ولأن ممارسة الحزن بكل ما تنطلق منه من أرضية معقدة تعد وجها من أوجه المائز الثقافي لأي شعب .. فقد جاء الحديث هنا عن جانب مهم من جوانب الهوية الثقافية والتراثية للعراق .. أتصور أن المقال مستل من بحث مطول .. لأن المادة المعروضة في الخاتمة بدت مستعجلة بعض الشئ .. أعجبني الباحث وهو يتناول المفردة الأمثولة في المقدمة .. كان لربطه بالغ الأثر في المتلقي .. وبالفعل فقد كان الحديث عن شكل ومضمون الحزن التقاطاً ذكياً من قبل الكاتب وما وفره من العلاقات له يؤكد رصانة ما جاء به .. لكنني أكرر ظني بأن هذا المقال هو جزء مستل من بحث أكبر .. ومفردات مثل هذا العنوان تتجاوز هذا المدى وما قرأته هنا يدل على أن الباحث وصل لتلك المفردات حتماً .. تحية ثناء وإجلال لك سالي على ما طرحت .. كل الود لك

  5. #5
    من أهل الدار
    قاضي محكمة الدرر
    تاريخ التسجيل: September-2011
    الدولة: في قلب الوطن
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 24,181 المواضيع: 2,226
    صوتيات: 125 سوالف عراقية: 5
    التقييم: 13945
    مزاجي: هادئة دون حذر أو حماسة
    أكلتي المفضلة: طاجين الزيتون
    موبايلي: ذاكرتي الصورية
    آخر نشاط: 5/October/2024
    مقالات المدونة: 4
    لاتمكن من الاستيعاب اكثر دعيني احييك اولا واعبر عن انسنا بعودتك ثم اسجل حضوري لاعود في قراءة متانية ان شاء الله

  6. #6
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: June-2012
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 25,326 المواضيع: 5,012
    صوتيات: 171 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 8915
    آخر نشاط: 11/February/2015
    شكرا سالي موضوعك اكثر من رائع وتقديري لأنتقاءك الجميل .. انها السمة الفارقة في شخصية العراقي هذا الحزن والشجن وللتاريخ القول الفصل في رسم آثار هذا الحزن على محيا العراقيين والغريب اننا حتى حين نضحك نقول بعد ان نمسح وجوهنا بأيدينا (خير ان شاء الله) وكأننا نتوقع الشر في الضحك فنلجأ للحزن ليكون لنا الملاذ الأمين .. تسلمي

  7. #7
    من المشرفين القدامى
    الموسوي
    تاريخ التسجيل: May-2012
    الدولة: العراق / ذي قار
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 6,090 المواضيع: 456
    صوتيات: 1 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 1302
    مزاجي: مبتسم دائما
    المهنة: مبرمج بمديرية تربية ذي قار
    أكلتي المفضلة: الدولمة
    موبايلي: C7
    آخر نشاط: 8/December/2012
    الاتصال: إرسال رسالة عبر Yahoo إلى مهدي الموسوي
    مقالات المدونة: 2
    عاشت ايدك اختي

  8. #8
    من أهل الدار
    لكبريائي رواية
    تاريخ التسجيل: November-2012
    الدولة: العراق العظيم
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 3,479 المواضيع: 364
    صوتيات: 3 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 1146
    مزاجي: الحمدلله على كل حال
    المهنة: طالبة جامعية
    أكلتي المفضلة: ما احب الأكل اصلا
    موبايلي: N8 & LG
    آخر نشاط: 18/December/2016
    مقالات المدونة: 3
    عاشت ايدك وجزاك الله خيرا
    يسلموووووو حبيبتي

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال