1- كأنّ حرفٌ يُفيدُ التشبيه؛ فإذا قُلتَ: كأنّ زيداً أسدٌ فالأصلُ فيه: إنّ زيداً كأسد، فقُدّم حرفُ التّشبيه عنايةً واهتماماً. وهي حرفٌ لا يتعلّقُ بشيءٍ؛ لمُفارقَته الموضعَ الذي يَتعلّقُ، أي لأنّها قُدّمَت عن مَكانها في الأصل، خلافاً لحروف الجرّ التي تَتعلّقُ بمُشتقٍّ ليكتملَ معناها.
2- والغالبُ في كأنّ إفادة مَعْنى التّشبيه، وإذا جاءَ خبرُها اسماً جامداً أفادَت التشبيه نحو: كأنّ زيداً أسدٌ، وإذا جاءَ الخبرُ مُشتقاً أفادَت مَعْنى الشّكّ والظّنّ، نحو: كأنّ زيداً قائمٌ، وكأنّك بالشِّتاءِ مُقبلٌ أي أظنّه مقبلاً. والشكّ ههنا جهة من جهات التّشبيه؛ إذ يشتبَه عندَكَ القيامُ وعدمُه
3- وإذا نُظرَ إلى سياقِ الكلامِ الذي فيه كأنّ عُلمَ أنّها لإفادَة التشبيه أو الظّنّ، وقد تُفيدُ عكسَ ذلكَ كما في بيت الحارث بن خالد المخزوميّ يَرْثي هشامَ بنَ المغيرَة
فأصبحَ بطنُ مكّةَ مُقشعِرّاً *** كأنّ الأرضَ ليسَ بها هِشامُ
فهو لا يقصد التّشبيه ولكنّ أرادَ التّحقيقَ؛ لأنّ الأرضَ ليسَ بها هشام أصلاً. وأمّا اللاّم المقدّرة [ّالدّاخلَة على أنّ] فتُفيد التّعليلَ، وقد جاءَها التعليلُ من جهةِ أنّ الكلامَ في معنى الجواب عن سؤال عن العلّةِ مُقدّرٍ؛ لِمَ أصبحَ وجه الأرض مُقشعرّاً؟ لأنّ الأرضَ ليسَ بها هشامٌ. وفي البيت نكتةٌ لطيفةٌ وهي أنّه من شدّة الهَولِ لم يُصدّقْ أنّ الأرضَ خَلَت من هشام، فقالَ "كأنّ الأرضَ ليسَ بها هِشامُ " متوهّماً ما يُشبه خلوَّ الأرضِ منه. وهذه جهةٌ أخرى من جهات التّشبيه.
4- وقَد تأتي كأنّ في عباراتٍ تُفيدُ جهةً أخرى في التّشبيه هي التّقريب، نحو قولنا: "كأنّكَ بالشّتاء مُقبلٌ"، و"كأنّكَ بالفَرَج آتٍ"، و"كأنّكَ بالدُّنيا لم تَكُنْ وبالآخرة لم تَزلْ" وقول الحريري:
كأني بكَ تنحطُّ، إلى اللَّحدِ وتنغطُّ (1)
قالَ ابن عصفور في إعراب الأمثلَة: الكاف والياء في كأنك وكأنّي زائدتان كافّتانِ لكأنّ عن العمل كما تكفها ما، والباء زائدة في المبتدأ، وقال ابن عمرون: المتصل بكأنّ اسمُها، والظرف خبرها، والجملة بعده حال، بدليل قولهم كأنّكَ بالشّمسِ وقد طلعتْ بالواو، ورواية بعضهم ولم تكن، ولم تزل بالواو، وهذه الحالُ متممة لمعنى الكلام كالحال في قوله تعالى (فما لهم عن التّذكِرةِ مُعرضين) وكحتى وما بعدها في قولمك مازلت بزيد حتى فعلَ وقال المطرزي: الأصل كأني أبصرك تنحط، وكأني أبصر الدنيا لم تكن، ثم حذف الفعل وزيدت الباء