حَدَّثَنا مَوْلانا أَبو مِذْوَدٍ ، قالَ : زَعَمَتِ الْأَعْرابُ أَنَّ الْأَحْرُفَ اعْتَرَكَتْ !
قُلْنا : وَكَيْفَ كانَ اعْتِراكُها ؟
قالَ : حَدَّثونا ، قالوا :
أَلْحَرْفُ الْأَوَّلُ قالْ .
وَالْحَرْفُ الثّاني صالْ .
وَالْحَرْفُ الثّالِثُ لا قالَ وَلا صالَ ، وَلكِنْ نالْ .
هذا الْحَرْفُ حَكيمْ !
يَعْرِفُ كَيْفَ يُداري الْقائِلَ وَالصّائِلْ .
حَتّى يَظْفَرَ بِالنّائِلْ !
عَرَفَ الْحَرْفانِ الْمَخْتولانِ سُموَّ الثّالِثِ في فَنِّ الْحِكْمَهْ .
كانَ الْحَرْفُ الثّالِثْ يُلْقي دَرْسًا بَعْدَ صَلاةِ الْفَجْرِ بِزاوِيَةٍ لِلْأَصْواتِ الْمَجْهورهْ .
دَخَلَ الْحَرْفانِ الزّاوِيَةَ عَلى غَفْلَهْ .
خُفْيَهْ .
عَرَفَهُما شَيْخُ الْحَلْقَهْ .
شَيْخُ الْحَلْقَةِ يَعْرِفُ بِالْكَشْفْ .
ما لا يُعْرَفُ بِالْوَصْفْ .
وَقفَ الشَّيْخُ عَلى غَيْرِ الْعادَةِ ، قالْ :
مَنْ مِنْكُمْ يَعْرِفُ وَقْعَةَ حَرْفَيْنْ ؟
قالوا : حَدِّثْنا - يا مَوْلانا - ما وَقْعَةُ حَرْفَيْنْ ؟
قالْ :
قافٌ وَكافٌ يُكْثِرانِ الشَّغَبْ كِلاهُما قَدْ جازَ حَدَّ الْأَدَبْ
كُلًّا تَراهُ نافِشًا ريشَـهُ كَأَنَّهُ إِنْسـانُ عَيْنِ الْحَسَـبْ
يَقولُ هذا الْكُتْبُ مِنْ صُحْبَتي مَنْ يَصْحَبِ الْكُتْبَ فَما يَغْتَرِبْ
يَقولُ ذاكَ الْقَلَمُ الْمُرْتَجى وَهْوَ خَديني في صِفاتي رَغِبْ
فَكَهْكَهَ الْكافُ لِأَنَّ الَّذي قَدِ ادَّعاهُ الْقافُ زَيْفُ الْحِقَبْ
فَقَهْقَهَ الْقافُ لِأَنَّ الَّذي قَدِ ادَّعاهُ الْكـافُ عَيْنُ الْكَذِبْ
فَكَفَرَ الْكافُ أَما تَسْتَحي يا وَصْمَةَ الْبَدْوِ بِلَفْظِ الْعَرَبْ
فَفَسَـقَ الْقافُ أَأَنْ ضامَني أَهْـلُ زَمـاني أَسْتَحِقُّ السُّـبَبْ
غَفْرًا لَهُمْ قَدْ هَـدَّموا مَنْزِلي وَما رَعَوْا عَزيزَ قَوْمٍ نُكِـبْ
أَزْمانَ أَحْيا مُنْيَـةً لِلْأُلى يُفَخِّمـونَ اللَّفْـظَ زَيْـنَ الْخُطَبْ
يا أَيُّهـا الْقَزْمُ الَّذي سَبَّني يَكْفيكَ طولًا أَنْ تَعيبَ الْهِضَبْ
فَكَـرَّرَ الْكـافُ الَّذي قالَهُ وَزادَ بَطْشًـا بِبَقايا الْأَدَبْ
فَقَـرَّرَ الْقافُ الَّذي قالَـهُ وَزادَ فَتْحًـا لِطَريقِ الْغَلَبْ
فَكَرَّ حَرْفُ الْكافِ لا يَرْعَوي عَنْ كَسْرِ أَنْفِ الْقافِ هذا الْخَرِبْ
فَقَعْقَـعَ الْقافُ لِقَطْـعِ الَّذي أَهانَهُ وَهْوَ الْمَكينُ النَّسَـبْ
حَرْفانِ صارا ضُحْكَةً لِلْأُلى قَدْ أَشْعَلوها وَمَضَوْا مِنْ كَثَبْ
فَمَـنْ رَأى أَيَّهُما فَلْيَقُلْ تَبَّـتْ يَدا مَنْ خانَ حَرْفًا وَتَبْ
أَسْرَعَ هذانِ الْحَرْفانِ إِلى الشَّيْخِ بِصَدْرِ الْحَلْقَةِ قَبَّلَ كُلٌّ يَدَهُ يَبْكي غَفْلَتَهُ يُعْلِنُ تَوْبَتَهُ يَطْلُبُ دَعْوَتَهُ ؛ فَتَوَجَّهَ شَيْخُ الْحَلْقَةِ تِلْقاءَ الْقِبْلَةِ ، صاحْ :
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُما !
أَلِّفْ بَيْنَهما !
أَحْسِنْ نُطْقَ النّاطِقِ لَهُما !
اللَّهُمَّ قِنا هَمْسَ الْمَجْهورِ وَجَهْرَ الْمَهْموسِ وَلا تَفْتِنّا بَعْدَ ذَهابِ الْفُصحاءْ !
اللَّهُمَّ اقْبَلْ مِنْ عَبْدِكَ حَرْفِ الرّاءْ !
ثُمَّ قالَ أَبو مِذْوَدٍ : قاتَلَ اللّهُ الْأَعْرابَ ! ما أَصْدَقَ تَكاذيبَهُمْ !