السائل (طالب علم): هل يوجد في اللغة العربية بدلُ كلٍّ من بعض؟
الفتوى 172: البدل من التوابع التي هي النعت والتوكيد والعطف والبدل، لأنها تتبع في إعرابها ما تقدّمها من الأسماء، والنحويون يقسمون البدل إلى بدل اشتمال، وبدل كلّ من كلّ، وبدل بعض من كلّ، وبدل الغلط، ومنهم من يزيد بدلاً آخر، وهو ما سألت عنه (بدل كلّ من بعض)، ومنهم من يزيد بدل النسيان، هذه سنة، والسابع بدل البُداء، يزيده بعضهم، ويمثلون له بحديث: ((إن الرجل ليصلّي الصلاة وما كتب له نصفُها، ثلثُها، ربعُها..)) والذي لا نزاع فيه بينهم هو بدل المطابق (كلّ من كلّ).
والذي سألت عنه يقول به بعض النحويين، ويمثلون له بأمثلة، ومما جاء منها في القرآن الكريم قوله تعالى: { جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ}[المائدة:97] لأن الكعبة بعض البيت الحرام، وقوله تعالي:{ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ}[مريم] و{جنات} بدل من (الجنة).
ومن الشعر قول امرئ القيس:
كأني غَداةَ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَلّوا *** لدى سَمُراتِ الحَيّ ناقِفُ حنظلِ
والغداة: بعض اليوم، وقول الآخر:
رحم الله أعظمًا دفنوها *** بسجستَانَ طلحةَ الطلحاتِ
أي: رحم الله طلحةَ الطلحات.
والأعظم: هي العظام، وهي بعض المترحّم عليه، المسمّى (طلحة).
ولكنّ الذين لا يرون ذلك يقولون في الآية الأولى: الكعبة: اسمٌ يطلق على مكة، وحينئذ يكون (البيت الحرام) بدل كلّ من كلّ، أو بعضاً من كلّ.
أو (البيت الحرام) هو مكة، فيكون بدل كلٍّ من كلٍّ.
وأما آية سورة مريم فإن (ال) في الجنة للجنس، والجنات داخلة فيها.
وأما بيت امرئ القيس فلا أتذكر له جواباً، ولكنّه يحتمل أن يكون (يوم) بمعنى (حين)، والحين يطلق على القليل من الزمان وكثيره.
وأما (طلحة الطلحات) فهو بدل مطابق؛ لأنّ المراد بالأعظم جسدُه وشخصُه، فكأنه قال: رحم الله جسداً طلحةَ.
وقد رأيت كلاماً للدَّرّاكةِ المحقق السُّهيلي يردّ فيه البدل إلى البدل المطابق، ويقول: الغربيّ يتكلم بالعام ويريد الخاصّ، ويحذف المضاف وينويه، فإذا قال: أكلت الرّغيف ثلثه، فمراده: أكلت بعض الرغيف، وكلام السهيليّ – رحمه الله – كلام جيد نفيس شريف، وبه يتبين لك أنّ في النحو تشقيقات أطالت هذا العلم وألبسته لباساً أكبر من جسده.