وللنحاة المفسرين نصيب
بقلم الدكتور رياض الخوام
ذكرت في المقالة السابقة موقفاً سجله ابن منظور من اللغويينً في الدفاع عن أهل السنة والجماعة , وهاهم النحاة يقدمون دليلا قوته الصنعة النحوية وذلك لبيان صحة الخلافة الراشدة , من ذلك ما قاله النحاس في قوله تعالى (الذين إن مكناهم في الأرض) فقد أيد النحاس إعراب الذين بدلاً منصوباً من(مَن)في قوله تعالى السابق (ولينصرن الله من ينصره) أو بدلاً مجروراً من( للذين) في قوله تعالى (أُذِ ن للذين يُقاتَلون )وأكد بعد ذلك صحة إمامة الخلفاء الأربعة بهذه الآية الكريمة قال : ويكون الذين إن مكناهم في الأرض , لأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , لم يمكنْ في الأرض غيرَهم من الذين قيل فيهم(أُذن للذين يُقاتلون ) وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ،وبهذه الآية يُحتجُّ في إمامة أبي بكر وعمر وغيرها من الآي [1] وأكد الزمخشري أيضاً هذا الاستدلال بقوله :”وقالوا فيه دليل على صحة أمر الخلفاء الراشدين ،لأن الله لم يعط التمكن ونفاذ الأمر مع السيرة العادلة غيرَهم من المهاجرين ،لاحظ في ذلك للأنصار والطلقاء “[2] واستظهر أبو حيا ن وجه البدلية المجرورة مؤكداً أيضاً حجية هذه الآية لتقرير الخلافة للأربعة رضي الله عنهم فقال “والظاهر أنه من وصف المأذون لهم في القتال وهم المهاجرون ،وفيه إخبارٌ بالغيب عما تكون عليه سيرتُهم إن مَكِّنَ لهم في الأرض،وبسطَ لهم في الدنيا ،وكيف يقومون بأمر الله ،”وأضاف ماذكره الزمخشري فقال “وقالوا: فيه دليل على صحة أمر الخلفاء الراشدين ،لأن الله تعالى لم يجعل التمكن ونفادَ الأمر مع السيرة العادلة لغيرهم من المهاجرين، لاحظ في ذلك للأنصار والطلقاء “[3]
أما الآلوسي فقد ذكر مباشرة أن الذين إن مكناهم هي صفة للذين أُخرجوا مقطوع أو غير مقطوع وجوز أن يكون بدلاً،ثم نقل قول النحاس والزمخشري -أي في الآية دليل على صحة أمر الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم أجمعين -، ثم نص على أن الآية مخصوصة بالمهاجرين ،لأنهم المُخرَجون بغير حق، والمُمَكنون في الأرض منهم الخلفاء دون غيرهم،ثم قرر صراحةً أن الآية جاءت بصيغة الجمع المنافية للتخصيص بعلي ٍّوحده رضي الله تعالى عنه [4] ثم ربط رحمه بين الوجوه الإعرابية الجائزة في إعراب الذين إن مكناهم والأقوال الواردة في المراد من( الذين) فقال :وعن الحسن وأبي العالية هم أمةُ محمد صلى الله عليه وسلم ،والأََولى على هذا أن يُجعلَ الموصول بدلاً من قوله تعالى (من ينصره )كما أعربه الزجاج ،وكذا يقال على ما رُويَ عن ابن عباس أنهم المهاجرون والأنصار والتابعون ،وعلى ما روي عن أبي نجيح أنهم الولاة [5] ولاشك أن كل الوجوه التي ذكروها في إعراب: الذين إن مكناهم ،لا تتعارض مع القول :إن هذه الآية دليل على صحة خلافة الراشدين ،لذا رأينا الآلوسي حين أراد الربط بين أقوال المفسرين ، والوجوه الإعرابية صدر كلامه بالقول “والأَولى “لكن هذه الأَولوية لا تعني أن هذه الوجوه تتعارض مع توجيه أهل السنة والجماعة ،فكل الأعاريب تنصب في النهاية خادمة لمذهبهم ،ودليلاً قائماً على صحة الخلافة الراشدة رضي الله عنهم وأرضاهم
والمستفاد من ذلك كله أن النحاة والمفسرين استثمروا سعة العربية ، لبيان عقيدة أهل السنة والجماعة ،وسلكوا ماهو مطرد واضح في لسان العرب ،مراعين السياق العام ،وأسباب النزول ،وأقوال الأئمة التابعين ،لإبراز الوجه اللغوي الذي اعتمدوه .