أعلنت أكاديمية الأوسكار عن تغييرات جذرية في شروط التأهيل لجائزة أوسكار أفضل فيلم، في ظل محاولاتها المستمرة في السنوات الأخيرة للتماشي مع روح العصر والصوابية السياسية، بعد اتهامها عدة مرات قبل سنوات بأنها جائزة عنصرية ومتحيزة ولم ننسى بعد هاشتاج #OscarsSoWhite ومقاطعة الممثلين ذوي الأصول الإفريقية لأحد حفلات توزيع الجوائز اعتراضًا على الترشيحات البيضاء.

ولكن التغييرات التي نتحدث عنها اليوم أكثر راديكالية مما توقع أغلب المهتمين بفن السينما، والتي بالتأكيد سيكون لها تأثيرًا كبيرًا في السنوات القادمة.

هوليود كانت دومًا بيضاء

بعيدًا عن الأوسكار التي أقيمت أول حفلاتها عام 1929، فصناعة السينما الهوليودية دومًا ما كانت بيضاء ذكورية، لا يمكن أن ينسى التاريخ أفلامًا شديدة العنصرية مثل “مولد الأمة” للمخرج جريفيث الذي صور ذوي الأصول الإفريقية كحيوانات متوحشة مغتصبة، واستخدم ممثلين بيض تم طلائهم باللون الأسود، أو الجدل الذي ثار قريبًا حول تحفة سينمائية أخرى هي “ذهب مع الريح” والذي كذلك يحمل نظرة دونية محتقرة لذات الفئة.

بل حتى سنوات قريبة نسبيًا وفي الثمانينات من القرن الماضي عند عرض فيلم المخرج سبايك لي “أفعل الشيء الصحيح” (Do The Right Thing) كتب الكثير من النقاد أن الفيلم يحفز أصحاب البشرة السمراء على العنف ضد البيض، مهاجمين الفيلم لأنه قدم مجتمعات ذوي الأصول الإفريقية بصورة حقيقية مبينًا مدى العنف الذي يتعرضون له من الشرطة البيضاء، حيث دارت أحداثه حول حادث يشبه بشكل مطابق حادثة جورج فلويد التي جرت منذ أسابيع في الولايات المتحدة.

عنصرية هوليود لم تكن ضد أصحاب الأصول الإفريقية فقط، ولكن كذلك شملت كل الاعراق والإثنيات المختلفة عن البيض من عرب وهسبان وآسيويين بتقديمهم في أدوار بسيطة أو شريرة أو نمطية للغاية، وكذلك ضد السيدات والمثليين.

لم يكن هذا على الشاشة فقط، بل خلفها أكثر، فالكثير من نجوم السينما ذوي الميول المثلية لم يستطيعوا الإعلان عن ذلك في تلك الأوقات مخافة من فقد نجوميتهم أو من ضغط استوديوهات الإنتاج، وبعضهم لم نعرف عنهم سوى بعد وفاتهم مثل مونتجمري كليفت وكاري جرانت.

هذا بالإضافة إلى تسليع المرأة، وعدم إعطاء فرصة لهن كمخرجات أو في أي أدوار قيادية في الصناعة سوى للنجمات الكبار المستقلات مثل ماري بيكفورد التي أنشأت شركة إنتاج لتحظى بالحرية الإنتاجية التي ترغبها، إلى التحرش والاستغلال الجنسي والذي تم فضحه في مؤخرًا بعد هشتاج #me_too.



هل تحتاج الأقليات إلى إنقاذ ؟

في الحقيقة الإجابة هي نعم، فولا ضغط الممثلين وصناع الافلام أصحاب البشرة السوداء من قبل، وضغط هاشتاج “أنا أيضًا” لظل الوضع على ما هو عليه، طالما الأفلام تصنع بذات الكيفية القديمة وتحقق الإيرادات فلم تكن هوليود ستهتز سوى بثورة داخلية، وثورة خارجية هي تطور العصر ذاته، فالعالم على مر السنين قد تطور، واكتسب نوعًا ما رؤية أكثر تقبلًا للآخر بكل أنواعه، وبالتالي لم يعد من الممكن القبول بالانتهاكات التي تقوم بها صناعة الأفلام الهوليودية.

والأوسكار من جانب آخر هي جزء كبير من هذه الصناعة، وقد تعرضت كما قلت في المقدمة إلى انتقادات واسعة لخضوعها لنفس القواعد التي تسري على كل تفاصيل هوليود، ولكن بما أنها واجهة ووسيلة التقييم الأشهر للأفلام -بعد الإيرادات بالتأكيد- فقد اكتسبت قيمة رمزية كبيرة جعل من الواجب عليها التغير كذلك.

هل ستضر التغييرات صناعة السينما ؟

جاءت التغييرات أو الشروط الجديدة محددة بشكل دقيق ومزعج في آن واحد، فقد اشترطت وجود شخص من المجموعات غير الممثلة جيدًا مثل الأقليات العرقية والإثنية والجندرية والتفضيلات الجنسية، في الأدوار الأولى والمساعدة والثانوية، والقصة، والقيادة الفنية للفيلم، والفنيون وكذلك المناصب الإدارية والتدريبية، ويمكن الاطلاع على الشروط كاملة هنا والتي ستنفذ بصورة ضمنية خلال العامين القادمين، وستصبح إلزامية بداية من حفل توزيع جوائز عام 2024 أي الأفلام التي ستعرض في 2023.

وبما أن جائزة الأوسكار هي بالفعل الجائزة الأهم في العالم، والكثير من الأفلام تغير بالفعل الآن من مواعيد طرحها، حتى تضمن إمكانية ترشحها، وتقام حملات دعائية واسعة قبل الترشيحات لهذه الأفلام، فأن هذا سينتج عنه بالتأكيد موجة من التعديلات في الأفلام السنوات القادمة، ومن المحتمل بصورة كبيرة ظهور أفلام مصنعة مثل خطوط الإنتاج الكبرى فقط لتتوافق مع هذه الشروط والحصول على شهادة الأيزو السينمائية، ما سيؤثر بالتأكيد عليها بصورة فنية بشكل أو بآخر.

ولكن كما استطاعت السينما تخطي التغييرات الكبيرة السابقة، سواء دخول الصوت، أو الألوان، أو الكساد الكبير أو الكود الرقابي، فأنها ستتمكن بالتأكيد من التلون والتغير حتى تصبح ملائمة أكثر للعصر الذي نعيشه وأكثر انفتاحًا وتقبلًا للآخر الذي ظل طويلًا منبوذًا من جنة هوليود.




علياء طلعت - أراجيك