فائدتان من فَوائد ترتيب الكَلام: أولاهُما صوتيّة والثانيّة مَعْنويّة :
« لئنْ بَسطْتَ إليَّ يَدَكَ لتقتُلَني ما أنا بِباسِطٍ يَدي إليكَ لأقتلُك » [المائدَة: 28]
بسطْتَ : مَدَدْتَ .
قَدَّمَ -في عَجُز الآيَة دونَ صَدرِها- ما تَعدّى إليه الفعلُ بنفسه، كَما في قولِه تَعالى: «وهو الذي كَفَّ أيديَهُم عنكُم وأيديَكُم عنهم » . كيفَ تَوخّى حُسنَ التّرتيب في عَجُز الآيةِ دونَ صَدرها ؟
الجوابُ أنّ الذي مَنَعَ حُسنَ التّرتيبِ في صَدر الآيةِ أيضاً، مانعٌ أقْوى:
1- وهو مَخافةُ أن يَتَوالى ثَلاثةُ أحرفٍ مُتقارباتٍ المَخرجِ [ت.ي.د.ك] فيثقُل الكَلامُ بسبب ذلكَ؛ فإنّه لَو قيلَ: لئن بَسَطْتَ يَدَكَ إليَّ، والطّاء والتّاء مُتقاربة المَخرجِ، فلذلكَ حَسُنَ تَقْديمُ المَفعول المُتعدّى إليْه بحرف الجرّ، على المَفعول الذي تَعدّى إليه بنفْسِه.
2- ولمّا أُمِنَ هذا المَحذورُ في عَجُز الآيةِ لِما اقتضَتهُ البَلاغةُ من الإتيان باسم الفاعل مَوضعَ الجُملة الفعليّةِ لتَضَمُّنِه مَعنى الفعلِ الذي تصحُّ به المُقابلةُ، جاء الكلامُ على تَرتيبِه من تَقديم المَفعول الذي تعدّى الفعلُ إليه بنفسه على المَفعول الذي تَعدّى إليه بحرف الجر. وهذا أمرٌ يرجعُ إلى تَحسين اللّفظ، وأمّا المَعنى فعَلى نَظمِ الآية؛ لأنّه لمّا كانَ الأوّلُ حَريصا على التّعدّي على الغَير قَدَّمَ المُتَعدَّى عَلى الآلةِ فَقالَ: إليَّ يدَكَ. ولمّا كانَ الثّاني غَيرَ حَريصٍ على ذلكَ -لأنّه نَفاه عنه- قَدَّمَ الآلةَ فَقال: يَدي إليكَ؛ ويدلُّ لهذا أنّه عبَّر عن الأوّل بالفعلِ وفي الثّاني باسم الفاعل.