ما من موقفٍ نراه أو نسمَعُ به أو نقرأ عنه إلا ويتعيَّنُ وَصلُه بجملةٍ من المُرافِقاتِ والمُصاحباتِ والمُسبِّباتِ، منها ربطُ الموقف بالواقفِ أي بصاحبِ الموقفِ، وثقافته ومنزلته العلميّة ورؤيته المَذهبيّة وعقيدَته.
فإذا سمعتَ عن دُعاةِ التَّلهيج -مثَلاً- علمتَ بما لا يَدَعُ مَجالاً للشّكّ أنّ وراءَ موقفِ الدّعوةِ العامّيةِ جهاتٍ تختصرُ في جهةٍ واحدةٍ، وأفراداً وجماعاتٍ يُعربُ عنها فردٌ أو جَماعة، ومَصالحَ وأغراضاً تُقْضى ولا تَظهرُ، وأموالاً وأجوراً تُدفَعُ بلا حِسابٍ
أمّا مَن يَعترضُ عليْك ويُهوِّنُ من شأن أولئكَ ويزعُمُ أنّ حركةَ التلهيجِ ليسَت ذاتَ قيمةٍ ولا تأثيرِ، وأنها ستمضي كما مَضت أخواتُها، فإنّه لا يَرى ما وراءَ المَشهَد من خُيوطٍ محرِّكَةٍ وأيدٍ مُمسكةٍ وأجورٍ مَدفوعةٍ.
بل أقولُ إنّ الذي يُهوّنُ من كلّ حركةٍ تنشأ أو إعلانٍ يُبثُّ أو عملٍ يُدْعى إليْه، إنّما حمَلَه على التّهوينِ موقفُه الجزئيّ المنحصرُ الذي يَقفه من الأشياء والأحداث، وقُصورُ نظرِه وغفلتُه عن العلاماتِ والدّلائلِ المؤثِّرَة والموجّهَةِ والمغيِِّرَة، واقتصارُه على مُشكلاتِه اليوميّةِ.
وهذا موقفٌ لم يعدْ مسموحاً باتّخاذه اليومَ لأنّه يعزلُ صاحبَه ويجعلُه مجرَّدَ كائنٍ لا يُحلي ولا يُمرّ وإنّما يعيشُ لنفسِه، بل يجعلُه جزءاً من الصّورة التي رَسَمها وخطَّط لها الخصمُ
والنتيجةُ أنّ الصّامتَ عن حركاتِ التلهيجِ ومَعاولِ هدم اللغةِ، ضربٌ من ضُروبِ التّمكينِ للخصمِ والتثبيتِ لمَسْعاه والتّنازُل عن الحقِّ في المُعارضَةِ والاعتراضِ