تقع منطقة آليان في أقصى الشمال الشرقي من سوريا في منطقة المالكية (ديريك) وهي مجموعة قرى متجانسة تتجاوز 55 قرية ذات حدود وتسمية تاريخية ثابتة ,مركزها التاريخي "ديروناآغي"
كانت هذه المنطقة خاضعة للسلطة العثمانية منذ تقسيم كردستان بين الأتراك والفرس بموجب معاهدة "قصر شيرين" (1639م)؛ ثم ألحقت القسم الأعظم من آليان بالدولة السورية نتيجة اتفاقيت سايكس –بيكو تأرجحت وانتقلت تابعية آليان بين جزيرة بوتان حيث أمراء بوتان من البدرخانيين ولواء ماردين-قضاء نصيبين ؛ثم ألحقت بناحية تل كوجر في سوريا,وهي الآن تابعة إداريا لناحية الجوادية(جل آغا).
آن المعلومات والوثائق المتوفرة عن آليان قليلة ومتواضعة ،ومعظم المعلومات تناقلتها الأجيال فيما بينها شفاها دون كتابات أو وثائق تاريخية، ويعود السبب في قناعاتنا إلى كون آليان منطقة حدودية وطرفية نائية كان هذا سببا في صعوبة الوصول إليها من قبل المهتمين بالتاريخ ومن السواح والرحالة حتى يتسنى لهم تسجيل أحداثها وأحوالها ودراسة شؤونها . ولكن مما لاشك فيه ،إن آليان منطقة تاريخية قديمة جدا ،توالت عليها أقوام و أقوام وشعوب وأجيال من ميديين وآشوريين وكوتيين وميتانيين وفينيقيين وفرس وآراميين ومازال العمران بادية للعيان في كثير من المواقع والقرى من آليان من مقابر وبقاية للطواحين المائية القديمة وأثار وأطلال القرى المتناثرة.
الحدود التاريخية :
تقع منطقة آليان في منتصف الطريق بين نصيبين وجزيرة بوتان وتبعد عنهما بـ 45 كم تقريباً وهي محصورة بين نهري كري ديرا شرقاً ونهر الجراح غرباً وباتجاه الشمال الشرقي حتى قرية جيلكا, وتمتد حدودها شمالاً حتى الجبل الأبيض داخل كردستان شمالية ماراً بـ كري إيلم وهي تلة تبعد 10 كم عن ديرونا أغي حيث يوجد في ذاك الجبل أحد رجال الدين الأكراد اسمه êlmê rim kesk وهذا الموقع بمثابة مزار ومحج للناس .
أما الحدود الجنوبية لمنطقة آليان لم تكن مستقرة ,فهي كانت في حالة مد وجذر نتيجة الصراعات الحدودية بين زعماء المنطقة من آل مرعي وعشائر الشمر والجوالة وبعض العشائر الكردية المتحالفة معهم بقيادة دهام الهادي هؤلاء الذين كانو يحاولون التوغل والامتداد شمالاً إلى أن توصلت الأطراف المتنازعة إلى تثبيت الحدود عام 1937 م بوجود المستشار الفرنسي الذي جاء من دير زور والقائد الفرنسي من عين ديوار بوجود عبدي آغا مرعي وحاجو آغا ودهام الهادي حيث كانت لحدود منطقة آليان في الماضي تمتد حتى أطراف وسهول جبال سنجار .
آليان جغرافية اقتصادية :
تعتبر آليان منطقة جغرافية ذات تربة زراعية خصبة , قريبة من أمتدادات جبال طوروس ذات هطولات مطرية عالية أكثر من 500 ملم سنوية وهي تشتهر بزراعاتها المختلفة وكانت تمر ضمنها مجموعة من الأنهار والتي جفت معظمها الأن, مثل نهر الجراح وآل قوس وكيشكة وكري بري حيث يمر بدمر قابو ويسمى هناك بنهر سموقيا .
وكانت تمر من آليان طريق الحرير, حيث شكلت ديرونا أغي محطة لاستراحة القوافل التجارية القادمة من نصيبين وماردين إلى الموصل وزاخو وباتجاه الشرق بالعكس بالإضافة إلى ذلك أكتشف في آليان العقود الأخيرة مكان من النفط والغاز حيث يوجد فيها أربعة حقول نفطية وهي: عليان ومعشوق وبابا سي وسعيدة .
تسمية آليان تاريخياً :
إن مصطلح ( آليان ) محل نقاش وجدال ولا يوجد حتى الأن أجماع شامل حول ذلك المصطلح هناك روايات وفرضيات عديدة تناولت جذر التسمية ولكنها في أعتقادنا غير دقيقة مثل مفهوم آلي الطرف أو الحد أو أن آل من الراية أو العشيرة ويقول الباحث آزاد علي في بحث نشر في مجلة الحوار العددان ( 16-17 ) 1997 بعنوان ((العمران في منطقة آليان ))حيث يفترض بإن التسمية جاءت عندما رفع مرعي أغا راية الأستسلام أمام غزو يزدان شير أمير بوتان 1854م .وفي الحقيقة أن التسمية قديمة جداً وكانت متداولة قبل عام 1854م حيث تؤكد جميع الروايات على فشل الهجوم الذي شنه يزدان شير على آليان عام 1854م وكانت آليان في ذلك الوقت تابعة أدرياً لإمارة بوتان وكان ممثل آليان في مجلس الأمارة حسين آغا عم مرعي آغا ومازال أحفاد حسين آغا يسكنون قرى باديان , كندك طيب ,دير كفنك ويمكن أن يستنتج من الروايات المتداولة أن الأسباب الأساسية والبعيدة لغزو يزدان شير على آليان هو محاولة زعمائها فك الارتباط مع أمارة بوتان والاستقلال بمنطقتهم دون تابعية لأحد مما أزعج يزدان شير والسلطنة العثمانية فأوعز الأتراك إلى يزدان شير إلى تأديب العشائر المتمردة فتم ذلك الهجوم عام 1854م وللأسف نحن لا نملك المعلومات الوافية عن مجرياته ما هي الإمكانيات التي كانت متوفرة آنذاك في يد زعمائها من آل مرعي الذين استطاعوا من خلالها التصدي لذلك الغزو وفشله .
ويمكن البحث في العلاقة القائمة بين أسم آليان والتسميات الأخرى للعشائر والقرى في آليان والجوار مثل :آلاقوس , آلا رش , آلاقمش, ايلم ,باكروان , قاصطبان , باترزان , وغيرها من اسماء القرى وكذلك اسماء بعض العشائر في آليان مثل عليكان ودوركان وهسنان واومركيان ويذكر جكرخوين في كتابه تاريخ كردستان إن آلكا عشيرة كردية تسكن شرق نصيبين ص 119 وقد تكون آلكان مشتقة من آليان – أليكان – ممي آلان ..
إن ما هو أقرب إلى الموقع والتاريخ هو ما جاء في حجر بيستون ( بهستون ) (إن (ويس) wis اسم يطلق على قرية أو موقع الاستقرار ) ميديا – أم- دياكونوف بترجمة وهيبة شوكت صـ 178 .
ورد هذا أيضا في الكتابات الآشورية (بل آلي) أي أصحاب القرى ومذكور بشكل مستقل وكما يظهر إن (بل آلي ) هو ترجمة للمصطلح (ويس باتي ) الميدي ( أي صاحب القرية وكان واحداً من أصحاب المكانة البارزة في المجتمع البدائي كمكانة النبلاء ) المصدر السابق ص 178 ودونت تقاويم تيكلا بتلاسر عن إحداث 738 ق.م بأن عدداً من الكوتيين الأسرى استوطنوا في شمال سوريا وفينيقيا الشمالية .
وكان المهجرون يلقبون باسم أقوامهم أو قبائلهم أو محل ولادتهم مثل (ئيلي لي )المصدر السابق ص 191 إن أسماء الأقوام في ذلك الوقت كانت تسمى بأسماء القرى التي يسكنون فيها مثلاً ( آلي )( وحسب بطليموس كانوا يسمون تلك المنطقة التي اجبر فيها الميديون على الاستيطان بـ سوريا الميدية هذا إن الآشوريين كانوا يستوطنون الأسرى والشعوب الأخرى في مناطق بعيدة وعندما استولوا على ميديا استوطنوا سكانها في شمال سوريا ) المصدر السابق ص 192 يستنتج إن (بل آلى ) و(ئيلي لي) هم قادة القرى البدائية من المواقع الجغرافية في غرب ميديا ( شمال سوريا) وكانت هذه المناطق أكثر تطوراً اجتماعياً واقتصادياً من ميديا الشرقية .
آليان – الوضع الاجتماعي والسياسي:
تمتعت آليان وعلى مدى القرون الثلاثة الأخيرة بالاستقرار الإداري والاجتماعي المتميز, ويعود ذلك إلى خصوبة الأراضي الزراعية وتوفر المياه والمراعي وضعف في الصراعات القبلية والعشائرية وهذا ما نلمسه في الكثافة السكانية في آليان حيث عاشت عشائرها وقبائلها في وئام ووفاق في اكثر المراحل ومن العشائر الموجودة في آليان : عليكان –دوركان – أومركيان – السياد – وحمكيان – وغيرهم من بعض العشائر الصغيرة ..
وتعد عائلة مرعي أغا من العشائر الراسخة و العريقة في آليان حيث يعود جذورهم إلى أكثر من 400 سنة ,و يقول احمد وصفي ذكريا في كتاب عشائر الشام ص 659 (ومن زعماء الأكراد الذين يذكرون في الجزيرة – نايف باشا بن مستو – حسن بن حاجو أغا – عبدي أغا المرعي – وخليل بك بن إبراهيم باشا الملي و إبنه محمد علي بك .ومن الشيوخ الدين عند الأكراد يذكر الشيخ أحمد خزنة في قرية خزنة و يليه الشيخ إبراهيم حقي في قرية حداد) .
لقد نشأت على تلك القاعدة الاجتماعية و الاقتصادية المتميزة وعياً سياسياً ووطنياً وإن لم يكن ناضجاً تماماًمما جعل من الآليان رقماً في المعادلات السياسية و الاعتبارات الوطنية الكردية,وهذا ما آلب عليها أيضاً الأعداء و خاصة الأتراك ,فتعرضت آليان بشكل مستمر للهجمات الطورانيين الأتراك و حرق قراها , و مزارعها , كما تعرضت للتحرشات والهجمات من عرب الجنوب و خاصة عشائر الشمر و الطي.
و ما زالت الروايات تتحدث عن بطش و هجمات الطورانيين الاتراك على آليان مثل قصف قرية (ديرونا أغي) و حرق قرية (كندك شلال) و قصف قرية (باديان) بالمدفعية و محرقة آلاقمشة المعروفة (الهولوكوست الكردي) وغيرها من الاعتداءات المتكررة و اليومية التي كانت تجري آنذاك .
إن هذه الاعتداءات التركية قوبلت دائماً بالمقاومة الشعبية من آليان و من باقي المناطق الكردية في سوريا وخاصة الجزيرة و مساندتهم للثورات و الانتفاضات الكردية.
يقول احمد وصفي زكريا في كتاب عشائر الشام ص660:
آليان :أكراد نصف بدو يقيمون في قضاء القامشلية عندهم 55 قرية منها 36 على الحدود الشامية,لديهم الكثير من الأراضي الزراعية الخصبة جداً ورئيسهم عبدي أغا محمد مرعي, المقيم في مركز ناحية ديرونا وقد أشترك مع حا جو أغا بالثورة على الترك.
وكان لزعماء المنطقة من آل مرعي علاقة جيدا مع البدرخانين أمراء البوتان الذين ساهموا معهم في الثورة ضد العثمانيين وساءت تلك العلاقة قليلاً في عهد يزدان شير وتؤكد تابعية آليان لجزيرة بوتان ووجود ممثل لها في مجلس الإمارة على تلك العلاقة .
وقد سلك حفيد مرعي, عبدي أغا سبيل التعاون والمساندة لثورة شيخ سعيد بيران ونحن لا نملك وثائق عن طبيعة وأشكال التعاونو إلا إنه عندما فشلت الثورة لجأت إلى مضارب آليان في ديرونا وموسى كورى بعض رموز الثورة أمثال رسول أغا وعبدا لرحمن وسليمان أغا ومن هنا خططوا والتحقوا بثورة أرارات وهكذا شكلت آليان الجبهة الجنوبية لثورة أرارات من داخل الحدود السورية ضد الأتراك .
وأثناء الحكم الفرنسي في سوريا تشكل تحالف كردي- فرنسي ضم المسحيين في القامشلي والمالكية ( ديريك) وحاجو أغا وعبدي مرعي أغا ونواف حسن مللي وعبدي أغا خلو وكانوا يطلقون على هؤلاء بالانفصاليين الأكراد .
وكان أساس ذلك التحالف هو الوعود الفرنسية بحماية القوميات المظلومة وتأمين حقوقها القومية المشروعة ولكن نشوب الحرب العالمية الثانية غيرت من الأوضاع ومواقف الدولة ومن بينها فرنسا . وبهذا الصدد يقول جكرخوين في مذكرته ومن خلال حديثه عن احداث 1937 في عامودا :
" عدا المسحيين لم يقف إلى جانبينا في عامودا سوى عشيرة المرسينان ونواف حسن من ملان ومن بين الكيكان كان حليفنا حاج درويش فقط وبين الأشيتان كان يقف معنا علي عبدي وحسن تنوري وفي منطقة ديريك كان معنا عبدي مرعي وحاجي عبد الكريم..." (ص 253 كتاب مذكرات جكرخوين)
وهكذا رغم إن آليان كانت منطقة نائية وطرفية ساهمت بقصتها المتواضع وحسب الإمكانيات المتوفرة آنذاك في المقاومة ضد أعداء الأكراد وقفت إلى جانب كل الدعوات والأصوات الوطنية الشريفة التي كانت تعمل من أجل مصالح وطموحات الشعب الكردي
من أوراق كوردية حسو فاتي
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ĔvÃņĘśĆềЙćĒ
