من وصية أمير المؤمنين عليه‌السلام لولده الحسن عليه‌السلام :
كيف وأنى بك يا بني إذا صرت في قوم صبيهم غاو ، وشابهم فاتك ، وشيخهم لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر ، وعالمهم خب مواه مستحوذ عليه هواه ، متمسك بعاجل دنياه أشدهم عليك إقبالا يرصدك بالغوايل ، ويطلب الحيلة بالتمني ، ويطلب الدنيا بالاجتهاد ، خوفهم أجل ، ورجاؤهم عاجل ، لا يهابون إلا من يخافون لسانه و [ لا يكرمون إلامن ] يرجون نواله ، دينهم الربا ، كل حق عندهم مهجور ، يحبون من غشهم ويملون من داهنهم ، قلوبهم خاوية ، لا يسمعون دعاء ، ولا يجيبون سائلا ، قد استولت عليهم سكرة الغفلة ، إن تركتهم لم يتركوك ، وإن تابعتهم اغتالوك ، إخوان الظاهرو أعداء السرائر ، يتصاحبون على غير تقوى ، فاذا افترقوا ذم بعضهم بعضا ، تموت فيهم السنن ، وتحيى فيهم البدع ، فأحمق الناس من أسف على فقدهم ، أوسر بكثرتهم ، فكن عند ذلك يا بني كابن اللبون لا ظهر فير كب ، ولا ويرفيسلب ، ولا ضرع فيحلب ، فما طلا بك لقوم إن كنت عالما عابوك ، وإن كنت جاهلا لم يرشدوك ، وإن طلبت العلم قالوا : متكلف متعمق ، وإن تركت طلب العلم قالوا : عاجز غبي وإن تحققت لعبادة ربك قالوا : متصنع مراء ، وإن لزمت الصمت قالوا : ألكن ، وإن نطقت قالوا : مهذار ، وإن أنفقت قالوا : مسرف ، وإن اقتصدت قالوا : بخيل ، وإن احتجت إلى ما في أيديهم صارموك وذموك ، وإن لم تعتد بهم كفروك ، فهذه صفة أهل زمانك
ولا تودع سرك إلا عند كل ثقة ، ولا تلفظ إلا بما يتعارفون به الناس ، ولا تخالطهم إلا بما يفعلون ، فاحذر كل الحذر وكن فردا وحيدا.
واعلم أن من نظر في عيب نفسه شغل عن عيب غيره ، ومن كابد الامور عطب ومن اقتحم اللجج غرق ، ومن أعجب برأيه ضل ، ومن استغنى بعقله زل ، ومن تكبر على الناس ذل. ومن مزح استخف به ، ومن كثر من شئ عرف به ، ومن كثر كلامه كثر خطاؤه ، ومن كثر خطاؤه قل حياءه ، ومن قل حياؤه ، قل ورعه ، ومن قل ورعه قل دينه ، ومن قل دينه مات قلبه ، ومن مات قلبه دخل النار.