خلال الحرب العالمية الثانية استخدمت الولايات المتحده الأمريكية مصطلح مراكز التفكير «Think Tanks» للتعبير عن المكان الآمن والبيئة الملائمة التي يجتمع فيها مجموعة من الخبراء لمناقشة أمور الحرب والخطط الاستراتيجية المتعلقة بها، كما عبرت عنه باللغة العامية الأمريكية بعبارة «Brain boxes» للإشارة الى القاعات التي يناقش فيها الخبراء التخطيط الاستراتيجي للحرب، وظل هذا التعبير يستخدم منذ ذلك الوقت لوصف اشكال مختلفه من المؤسسات المنخرطة في العملية السياسية وتحليلها.
وقد تطور هذا المفهوم ليشمل مراكز الابحاث والدراسات التي تشكلت نتيجة لاحداث مهمة في تاريخ دولة ما، أو لحدوث تغيير في البيئة السياسية الداخلية والخارجية لنظام ما، أو لظهور قضايا طارئة تقود الى البحث عن بدائل وحلول، وغالبا ما تقوم بدراستها مجموعة من الخبراء والمختصين والمتابعين لهذه القضايا، فيتمثل هدفها الرئيسي في البحث في السياسات العامة للدولة، وتأثيرها الفعال في رسم تلك السياسات، ومناقشة قضايا التنمية الإقتصادية والاجتماعية والأمن والدفاع، وقضايا البيئة الخارجية.
كما تمثل هذه المراكز مصدرا أساسيا للمعلومات بالنسبة الى صناع القرار على مختلف مستوياتهم من خلال بثّ روح البحث العلمي والتعامل مع القضايا بموضوعية ونشر ثقافة البحث والتحري والاستدلال، واقامة حلقات الوصل ما بين صناع القرار والجمهور، وتقديم الاستشارات والارشادات لصانع القرار حول الأولويات والمستجدات العاجلة من خلال البحوث الميدانية واستطلاعات الراي العام، وبالتالي تقديم بدائل وحلول واقعيه للتغيرات التي قد تشهدها السياسات العامة.
لهذا تقوم الدول الغربية في دعم هذه المراكز بشتى الوسائل لأنها تؤمن بدورها الأساسي في رسم السياسات العامة وفي ترشيد عملية اتخاذ القرار من خلال الابحاث والدراسات التي تشمل تحليلات عميقة ومنهجية حول مختلف القضايا، مما جعلها تعد مؤشرا على التقدم في مؤسسات الحكم و نضج ادوات رسم السياسات العامة، وبالتالي تطور المجتمعات وتقدمها على كافه الاصعدة.