يوسف سليمان
من نظر الى حياتنا هذه الادبية ، الفى اكثر القائمين عليها ثلة من الاسماء التي ركبت على القابها تركيب مزج على خطأ وفساد.. فان اكثر المعالجين اليوم لصناعة القلم متطفلون عليها ، اغراهم بها رخص المداد ، وسهولة النشر ، واغضاء الناقد؛ فترى احدهم يدفع بالكلام من اعلى رأسه ، الى سن القلم ، الى اسفل القرطاس ليترجم به عن نفسه ، غير محتفل بما يقول ، فكذلك يخرج الكلام متخاذلا ، مفككا ، يتخلج تخلج المجنون في الارض الوَحـِلة.
ويخيل اليّ ان اكثر كتابنا انما يعرض لهم اشتهاء القول فيقولون للشهوة المستبدة ، لا للرأي الحاكم ، وانهم انما يكتبون ليبقوا في عقول الناس وعيونهم كتابا ، من طول ما تعرض عليهم المقالات متوجة بالأسماء مذيلة بها ، فهي على مدّ الذاكرة ، وفي طلب اللسان.
ذلك.. وقد استطال سلطان صعاليك الادب والصحافة؛ فجعلوا يضعون الموازين للكتاب والشعراء ، فيخفضون ويرفعون.. فترى الادباء مستعبدين قد خضعت اعناقهم للحاجة والضرورة وسُعار المعدة.. كل قد قذفت به الحياة في مهنتها وابتذالها ، حتى صار اكثر الفراغ على صناعة او وظيفة ، تطعم العيش ، وتحرم لذته.. ولذلك.. فهم نواكس الابصار بين يدي فئة منهم ، قد اخذوا عليهم افواه الطريق المؤدية الى بعض الرزق ، حين واتاهم القدر ببعض الجاه والنفوذ ، واقامتهم الشهرة الذائعة انصابا تهوي اليها الاغراض ، وتناط بها الوسائل. ثم لا يستطيع اديب ، او عالم ، او فيلسوف ، ان يجتاز الا باجازة من ايديهم ، فسول لهم الغرور ان يخفضوا مستوى البلاغة ، وستبيحوا حمى الفن ، ويوهموا الناس ان ادب الدهماء هو ادب المستقبل الذي لا يعز مناله على القاعد العاجز..
وكم من اديب ، اديب حقا ، قد اعتكف في مكتبه اعتكاف النساك في الصوامع ، يقرأ ويفكر ، ثم يحبس آراءه بين جدران الجمجمة الى ان يذهب بها الاهمال ، ودعيّ جاهل ، لصّ معان ، وصفاف كلمات ، قد اجتمع له المجد الادبي من اطرافه ، فكان له الاسم السائر ، والمال الوافر.