«لمتنا سعودية».. «دومة الجندل» عاصمة الملكات العربيات قديماً
يعود تاريخ دموة الجندل إلى العصور القديمة
دومة الجندل عاصمة الملكات قديماً
يعود تاريخ دومة الجندل إلى العصور القديمة أي ما بين القرنين السابع والثامن ق. م، وذلك في العهد الأشوري، حيث ذكرت النصوص الأشورية دومة الجندل كعاصمة لعدد من الملكات العربيات اللاتي استمتع أهلها بحكمهن، ووصفت الروايات عدالتهن وخصت بالذكر كلاً من (تلخونوا، تبؤه، زبيبة، شمسي).. في السطور الآتية، نقدم لكم لمحة عن دومة الجندل في إطار حملة «سيدتي»: لمتنا سعودية.
تاريخ دومة الجندل:
تُشير المصادر والمراجع إلى أن الأشوريين وجهوا اهتمامهم إلى شمال الجزيرة العربية، فيُذكر أن الملك الأشوري (سنحريب) قد شن هجوماً على دومة الجندل في القرن السابع ق. م وحقق انتصارات. وفي القرن الثاني الميلادي ورد ذكر دومة الجندل في كتابات بطليموس اليوناني تحت اسم (دوميته) مشيراً بذلك إلى منطقة مزدهرة ذات حضارة، فقد بلغت دومة الجندل في عهد الأنباط واليونان أوج عظمتها ونموها، ويستدل على ذلك من مخلفات الأبراج والكتابات النبطية في قلعة مارد وما كشفت عنه الحفريات من عملات نقدية (مسكوكات) وفخار مزخرف.
دومة الجندل في التاريخ الإسلامي
عندما جاء الإسلام كانت دومة الجندل كغيرها من بلاد العرب قبل الإسلام تعيش في الجاهلية وقد ورد أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- قد غزاها في السنة الخامسة للهجرة وعندما علم أهلها بقدوم الرسول – صلى الله عليه وسلم – تفرقوا ثم عاد –صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة. وفي السنة السادسة للهجرة غزاها عبدالرحمن بن عوف بأمر من الرسول –صلى الله عليه وسلم- ومكث فيها ثلاثة أيام يدعو أهلها إلى الإسلام فأسلم بعض منهم. وفي السنة التاسعة للهجرة بعث الرسول –صلى الله عليه وسلم- خالد بن الوليد إلى دومة الجندل الذي استطاع فتحها وأسر حاكمها أكيدر بن عبدالملك السكوني وأخذه إلى الرسول –صلى الله عليه وسلم- بالمدينة المنورة فأسلم أكيدر وصالح النبي –صلى الله عليه وسلم- على أرضه ثم أخلى سبيله فرجع أكيدر إلى دومة الجندل. وبعد وفاة الرسول–صلى الله عليه وسلم- ارتد أكيدر عن الإسلام وترك دومة الجندل.
أهمية المنطقة:
تمتعت دومة الجندل بمقدار وافر من الأهمية نتيجة الانتصارات الإسلامية في مناطق المشرق، ولكن سرعان ما فقدت أهميتها في القرن الثاني الهجري عندما استولى العباسيون على الخلافة الإسلامية عام 132هـ ونقلوا العاصمة إلى بغداد، وبالتالي تغيرت جميع الطرق التجارية، فبدلاً من الطرق التي كانت ممتدة من الجنوب إلى الشمال عبر دومة الجندل بحكم موقعها على الطريق، أنشاء العباسيون طريقاً آخر امتد من العراق إلى المدن المقدسة مباشرة (مكة المكرمة والمدينة المنورة) بالجزيرة العربية عرف باسم درب زبيدة، نسبة إلى زوجة الخليفة العباسي هارون الرشيد، وأصبحت التجارة تسلك طريقاً آخر ينتقل من الشرق إلى الخليج العربي في العراق ومنها إلى الغرب ثم البحر الأحمر ومصر.
الدولة السعودية أعادت للمنطقة أهميتها
ستعادت دومة الجندل مكانتها في القرن الثاني عشر وأصبحت ذات أهمية بحكم موقعها على الحدود بين الجزيرة العربية والشام إبان عصر الدولة السعودية الأولى عام 1208هـ/ 1790م وبدأ الرحالة يزورونها عبر الطرق البرية التي تمتد من الأردن إلى المدن الأخرى في شمال الجزيرة. وأصبحت الطرق التجارية التي تمر عبر دومة الجندل أحسن الطرق المفضلة للرحالة الأوروبيين الذين زاروا الجزيرة العربية بعد ذلك.
سبب تسمية دومة الجندل:
يذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان (عاش في القرن 6هـ/ 12م) أن اسم دومة الجندل مستمد من أسم دوماء ابن النبي إسماعيل -عليه السلام-، الذي انتقل من تهامة على البحر الأحمر إلى الموقع الحالي لدومة الجندل أما عن إضافة كلمة (الجندل) إلى الاسم فيقول ياقوت أن السبب بناء المباني من الجندل أي الحجر.
أبرز المواقع الأثرية بدومة الجندل:
- قلعة مارد:
تعتبر من أهم القلاع الأثرية في شمال المملكة العربية السعودية وهي عبارة عن قلعة مسورة تقع على تل مرتفع يطل على المدينة القديمة في دومة الجندل، ويرجع أقدم ذكر للقلعة إلى القرن الثالث الميلادي عندما حاصرتها الملكة (زنوبيا) ملكة تدمر ولم تستطع فتحها فقالت مقولتها (تمرد مارد وعز الأبلق)، والأبلق قصر في تيماء لم تستطع فتحه أيضاً ولقد أعيد بناء بعض أجزاء من القلعة، وذلك لطول فترة استخدامها، أما الجزء الأكبر منها فقد ظل على حالته القديمة، ويلاحظ ذلك من خلال طريقة البناء المتقن والمنتظم، ويوجد بالقلعة من الداخل مجموعة من الغرف، بالإضافة إلى أربعة أبراج في جهات القلعة الأربع وكانت تستخدم للمراقبة، ويوجد في أسفل القلعة بئر عميق لا تزال في حالة جيدة وكانت ذات أهمية للموجودين في القلعة، خاصة في وقت الحصار، بالإضافة إلى البئر في الأسفل توجد ملحقات وغرف بنيت في فترة متأخرة من بناء القلعة، وكلمة (مارد) مشتقة من القدرة والامتناع وتعني كل شيء تمرد واستعصى.
- أسواق دومة الجندل:
ازدهرت الأسواق أو التجارة المحلية في الجزيرة العربية قبل الإسلام، وكانت هذه الأسواق كثيرة ومتنوعة منها الدائم ومنها الموسمي، وانتشرت في مناطق عديدة داخل الجزيرة العربية وأصبح لكل مدينة وقرية تقريباً أسواقها. وتحولت المدن الواقعة على طرق التجارة البرية والبحرية محطات للقوافل والمسافرين، وكانت معظم هذه الأسواق تُقام في أوقات وصول القوافل، فيقصدها الناس من مستهلكين وتجار يتبادلون عروض التجارة والصناعة والزراعة، وكذلك تعتبر ملتقى للمثقفين والشعراء. ومن الأسواق المشهورة: سوق دومة الجندل الذي يبدأ في الأول من شهر ربيع الأول وينتهي في منتصفه.
- مسجد عمر بن الخطاب:
يقع المسجد في وسط المدينة القديمة بدومة الجندل، أمر ببنائه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أثناء مروره بدومة الجندل متوجهاً لاستلام مفاتيح بيت المقدس عام ١٦ للهجرة. ويعتبر من أهم المساجد الأثرية في السعودية وتنبع أهميته من تخطيطه، حيث يمثل استمرارية لنمط تخطيط المساجد الأولى في الإسلام ويذكرنا بتخطيط مسجد الرسول –صلى الله عليه وسلم- بالمدينة المنورة في مراحله الأولى، ويتكون تخطيط المسجد من شكل مستطيل تقريباً ويمتد من الغرب إلى الشرق بطول 32، 5م وعرض 18م ويتكون المسجد من عدد من العناصر المعمارية هي: رواق القبلة، المحراب والمنبر، صحن المسجد، المصلى الصغير(الخلوة)، ويشتهر المسجد بمئذنته الجميلة، والتي تعتبر أول وأقدم مئذنة في المساجد الإسلامية ويبلغ ارتفاعها حوالي 12. 7م وكان يؤذن من خلالها للصلاة.
- حي الدرع:
يتكون من بيوت حجرية متلاصقة، من دورين ومسقوفة بالأثل وسعف النخيل، يعتبر الحي أحد الآثار الباقية من مدينة دومة الجندل القديمة، ويعود تاريخ إنشاء الحي إلى العصر الإسلامي الوسيط، لكنها تقوم على طبقات أثرية وأساسات تعود إلى منتصف الألف الأول قبل الميلاد، ويتميز بمبانيه وعقوده الحجرية وأزقته ووقوعه بين البساتين ومسارب الماء التي كانت تؤمن الحياة لساكني الحي من العيون القريبة، كما أن الحي قائم على أنقاض أحياء سابقة العهد، يتضح ذلك من خلال تعدد الطبقات، وكذلك ظهور الطريق القديم للحي تحت المباني القائمة حالياً.