السائل (!): هل التضلّع من علوم الّلغة العربية شرط في دراسة أصول الفقه، وما هو الكتاب الذي ترشدني إليه من كتب أصول الفقه؛ لأنني أجد صعوبة في دراسته؟
الفتوى 152: لعل الصُّعوبَة التي تجدها في دراستك علمَ أصول الفقه لضعفك في علم العربية، فالحاذق بعلم النحو والبيان قادر على استيعاب علوم الشريعة وسائر علوم العربية جميعها؛ لأن الّلغة أمُّ العلوم، واحتضان الأمّ ولدها هو الأصل.
وأنت إذا درست ذلك العلم الذي يسمّى علم الآلة فُتِّحت لك أبواب أصول الفقه وغير أبوابه، ذلك بأن علم أصول الفقه ليس بعلم ذاتيّ مستقلّ بنفسه، بل هو (تجميع) كما نقول اليوم عن الجهاز أو الآلة المصنوعين في غير بلدهما، ولا يبقى منه عند تجريده إلا شيء قليلٌ، بعضه مما اختلف في الاحتجاج والاستدلال به، وبعضه يمكن الاستغناء عنه؛ لأنه مركوز في الأذهان، كما استغنى عنه من كان قبل تدوين الأصول.
فأول علم أصول الفقه مباحث لفظية ومباحث لغوية، كالكلام عن المشترك والمترادف ومعاني الحروف والحقيقة والمجاز، وفي وسطه الكلام عن مباحث في الكتاب والسنة، والطالب يدرسها في علوم القرآن، وعلوم الحديث، على نحو واسع. وأمّا الإجماع فلا سبيل إلى تحققه إلا حين يكون معتمدا على نصّ، إلا ما ندر، وهذا هو الذي يقول في مثله الإمام أحمد: من أدّعى الإجماع كذب.
وما كان معتمداً على نصّ لا حاجة فيه إلى الإجماع إلا كحاجة المؤكّد إلى التوكيد، وأهل العلم مختلفون في حدّ الإجماع، وفي أنواع كثيرة منه، ومثله القياس، وهو نوع من الاجتهاد تفزع الأذهان إليه عند الحاجة عن طبع، فتصيب العقول فيه وتخطئ، وليس بدليل ملزم إلا إذا كان منصوصَ العلّة، وحينئذ يكون خارجا عن مسمى القياس أصلا، وعلته المنصوصة هي الدليل، ومعرفة هذا وذاك سهلة، والتعادل والتراجيح ثم الاجتهاد، كل ذلك متفرّع عن القياس.
فوصيتي لك ولكل طالب علم إذا أراد التحليق في سماء العلوم وأراد بناء الثقة في نفسه أن يتشبّع، بل أن يتضلّع، كما ذكرت في سؤالك من علوم العربية نحو وصرفا ومعاني وبيانا ودلالات وفقها لذلك كلِّه.. فإذا تم ذلك لك فانظر إلى ما يناسب حالك من كتب الأصول، ومن أحسنها وأيسرها كتاب (( الإحكام في أصول الأحكام)) لابن حزم، ومن أعظمها كتاب ((الرسالة)) للشافعي، ومن أجودها في بيان المقاصد ((الموافقات)) للشاطبي، ومن أجمعها وأخصرها ((جمع الجوامع للسبكي، ومن أكبرها كتاب ((البحر المحيط)) للزركشي، ومن أصغرها ((الورقات)) للجويني، فاختر منها ما يوافقك. والسلام.