،،،،
《 وادي السيليكون 》
لعلّ بإمكانك ـ وبكلّ سهولةٍ ـ التنبؤ بسبب تسمية وادي السيليكون بهذا الاسم، إذ نُسب إليه هذا اللقب لتواجد شركات كثيرة فيه متخصصة في صنع الرقائق السيليكونية شبه الموصلة المستخدمة في الأجهزة الإلكترونية المختلفة، فأين يقع وادي السيليكون هذا، وما هي الشركات الموجودة فيه، وما أسباب نجاحه!؟
موقع وادي السيليكون
يشمل وادي السيليكون مدن وبلدات جنوب سان فرانسيسكو في كاليفورنيا، ويحده خليج سان فرانسيسكو من الشرق، وجبال سانتا كروز من الغرب، ويشاركه الحدود من الجنوب عدة مدن؛ مثل لوس ألتوس وماونتن فيو، سانيفيل وسان خوسيه وسانتا كلارا، وقد حمل سابقًا اسم وادي سانتا كلارا (Santa Clara Valley).
يُعد وادي السيليكون المركز الأمريكي الرئيسي لكثيرٍ من شركات التكنولوجيا المبتكرة، بنحو أكثر من حوالي ألفي شركة مختصة بإنتاج الروبوتات والأدوات الطبية وأشعة الليزر والألياف البصرية. يعطي هذا العدد الكبير من الشركات ميزةً تنافسيةً بينها، سواء من حيث جودة الإنتاج وخبرة المطورين المتخصصين في استخدام البرمجيات والتطبيقات التي تعتمد على الإنترنت بشكلٍ عام.
بداية نشوء وادي السيلكون
برزت عدة نظرياتٍ تفسر نشوء هذه المنطقة الاقتصادية القوية، ولكن أول من وضع حجر الأساس في وادي السيليكون هو السيناتور الأمريكي السابق ليلاند ستانفورد (Liland Stanford)، واستغرق الكثير من الوقت لبناء الجذور بشكلٍ صحيحٍ. كان ستانفورد حاصلًا على شهادةٍ في القانون، ومارس عمله في مكتب محاماة في ويسكونسن، ولكن سرعان ما حصل حريقٌ في هذا المكتب عام 1852، ليسافر ستانفورد وزوجته بعد ذلك إلى سكرامنتو في كاليفورنيا، حيث تبع إخوته الخمسة لمساعدتهم في تجارة بيع المعدّات والإمدادات للمنقبين عن الذهب في تلك المنطقة.
استلم ستانفورد بعدها منصب حاكم ولاية كاليفورنيا لمدة عامين، وقام هو وثلاثة من زملائه (تشارلز كروكر، ومارك هوبكنز، وكولس هنتنغتون)، فيما بعد بتنظيم سكك حديد وسط المحيط الهادئ، كما اشتروا سكك حديد سان فرانسيسكو وسان خوسيه.
عام 1874، انتقل ستانفور مع زوجته من سكرامنتو إلى قصرٍ في نوب هيل (Nob Hill) في سان فرانسيسكو، وبنى مزرعةَ خيولٍ أصبحت أكثر المزارع شهرةً في أمريكا. لاحقًا؛ أصيب ابن ستانفورد بحمى التيفوئيد وتوفي عام 1884، وقرر الوالدان أن يبنيا نصبًا تذكاريًّا لابنهما وهذا النصب سيكون جامعة، مع دعمها بمبلغٍ ماليٍّ غير مسبوقٍ آنذاك يصل إلى 20 مليون دولار.
اهتم ستانفورد كثيرًا في هذا المشروع، والتقى بالعديد من خريجي الكليات من جميع البلدان، والذين لم يهيئهم تعليمهم للدخول في عالم العمل، وعزم على تأهيل طلاب جامعته الحديثة للنجاح والاستفادة المباشرة من علمهم، وذلك بالتنفيذ العملي المباشر لعلمهم. تأسست جامعة ستانفورد عام 1891، وتضاعفت فيما بعد أعداد الطلاب والخريجين والمفكرين، ولم تخدم الجامعة أهالي كاليفورنيا فحسب، بل خدمت العالم بأثره وذلك بتأسيسها لعقولٍ أنتجت فيما بعد الشركات التقنية المتقدمة والتي سنتطرق إليها الآن.
أكبر شركات وادي السيليكون
بالنسبة لمنطقة تغطي حوال خمسين ميلًا من أرض كاليفورنيا، تمكن وادي السيليكون من احتواء أقوى الشركات والعلامات التجارية في العالم، وتتميز هذه الشركات بطبيعة الحال بعملياتها التكنولوجية التي لا حصر لها، وتتطلب جيوشًا من التقنيين والخبراء، والموظفين الذين يتجاوز عددهم 100000 موظف؛ للمساعدة في الأعمال والبقاء في الصدارة.
إليك أهم الشركات التكنولوجية المعروفة في وادي السيليكون:
- شركة آبل (Apple):
- الموقع: كوبيرتينو.
- عدد الموظفين: ما يزيد عن 188000.
- المؤسسون: أسسها ستيف جوبز (Steve Jobs)، وستيف وزنياك (Steve Wozniak)، ورونالد واين (Ronald Wayne).
- المكانة: تعتبر آبل من أكبر العلامات التجارية قيمةً في العالم، حيث صممت وطورت أشهر الإلكترونيات وأجهزة الكمبيوتر الشخصية والبرامج، وقد واجهت بعض الصعوبات المالية في الماضي إلا أنها اليوم العملاق التقني المهيمن على الصناعات التكنولوجية، وتقدر إيراداتها السنوية بأكثر من 260 مليار دولار.
- شركة برودكوم (Broadcom):
- الموقع: سان خوسيه.
- عدد الموظفين: ما يربو على 45000.
- المكانة: تأسست الشركة عام 1991، وتختصّ بتصميم وتطوير برمجيات أشباه الموصلات والبنية التحتية للرقميات، وتحل مشكلات الشبكات واسعة النطاق والاتصالات السلكية واللاسلكية وشبكات البيانات والتخزين. تشمل منتجاتها محولات التخزين والحلول اللاسلكية المدمجة ومكونات التردد اللاسلكي والمعالجات المدمجة والشبكات، وشرائح السيليكون المخصّصة، ومشفرات التحكم في الحركة، تقدر عائداتها السنوية بنحو 22.6 مليار دولار.
- آفايا (Avaya):
- الموقع: سانتا كلارا.
- عدد الموظفين: أكثر من 14000.
- المكانة: تأسست عام 2000، وتسهم في خلق خبراتٍ وتجارب اتصالات ذكية للموظفين والزبائن، وتبني حلولًا مفتوحةً لتبسيط الاتصالات. من خلال تعاونها مع الشركات الكبيرة والصغيرة والوكالات الحكومية، تقدم الشركة أنظمةً مكتبيّةً هاتفيّةً تفيد من بروتكولات عناوين الإنترنت (IP)، وبروتكول بدء الجلسة (SIP) للتواصل الهاتفي والنصي والولوج إلى الويب والاستجابة التفاعلية الصوتية. تقدر عائداتها بأكثر من 2 مليار دولار.
- كما توجد شركاتٌ أخرى أمثال أدوبي (Adobe)، وسيسكو (Cisco)، وايباي (eBay)، وفيسبوك (Facebook)، وغوغل (Google) وغيرها الكثير.
أسباب نجاح وادي السيليكون
هناك عدة أسبابٍ ساهمت في نجاح وادي السيليكون:
- الموقع والوجهة: حيث يساهم وجود الأسواق والصناعات المتماثلة قريبة من بعضها البعض في إحياء روح المنافسة بينها، والتي تنتج بالضرورة تركيزًا وزيادة اهتمام بالعمل.
- روح التعاون: تتميز بيئة العمل في وادي السيليكون بالتعاون والابتكار والمجازفة، مما يوفر إطارًا تحفيزيًّا للشركات التكنولوجية الناشئة، إذ يقوم المرشدون من ذوي الخبرة وعمالقة التكنولوجيا بدعم شركائهم من أصحاب الشركات الناشئة للمضي قدمًا في مشاريعهم. كما تضغط الشركات المتجاورة على الحكومة للحصول في مجالاتٍ معينةٍ، مثلًا زيادة تأشيرات الموظفين الأجانب، وطلبات نقل للضواحي القريبة من الشركات، وتقديم مزايا للموظفين مثل الطعام أو وسائط النقل.
- عقد ندوات والإجابة على التساؤلات: حيث يقوم وادي السيليكون بإقامة ندواتٍ منتظمةٍ، وتوفير معلومات حول التطورات التقنية والتقدم المبتكر وتقنيات الجيل التالي، وإنّ حضور هذه الجلسات سيجيب قطعًا على الكثير من تساؤلات العملاء.
- الدعم القانوني: تدعم قوانين وادي السيليكون حماية المصالح والأسرار التجارية والملكية الفكرية، وهذا شيءٌ ضروريٌّ جدًا للأعمال التقنية، وخاصةً لتلك المشاريع التي تبدأ صغيرةً.
- تمويل الشركات الصغيرة الناشئة: حيث يتطلب إنشاء شركة في وادي السيليكون رأس مال كبيرًا جدًا، وهنا جاء دور الشركات الكبيرة، فإذا كانت شركةٌ ما ناشئة أثبت تميّوها في مجالٍ تكنولوجيٍّ معين، فمن السهل عليها جذب انتباه الشركاء والمستشارين القانونيين وأصحاب رأس المال المغامرين، والذين دائمًا ما يراهنون على نجاح أي شركةٍ تكنولوجيةٍ.
،،،،