كيف كان حصار بغداد؟ وماذا ارتكب المغول من الفظائع فى بغداد؟
بعد ازدهار وتربع على عرش الدنيا داما لأكثر من خمسة قرون ، وقعت بغداد تحت سنابك خيول المغول ، فكيف قاومت تلك المدينة التى ظلت عاصمة الخلافة خمسمئة عام؟ ولماذا استطاع المغول اجتياح بغداد؟ وما هي تلك الفظائع التى ارتكبها المغول فى مدينة الرشيد؟
بعد أن أحكم هولاكو خططه وتخطيطاته لاجتياح بغداد ، وبعد أن تأكد أن الوضع فى بغداد يدعو للرثاء ، ما كان عليه إلا الإشارة لجيوشه الجرارة باجتياح بغداد ، فتم تطويق بغداد ليس فقط بجيوش مغولية ولا نصرانية فحسب ، بل أيضًا بجيوش إسلامية بعثها حكام لا يخشون فى الخيانة لومة لائم ، تعالوا لنتناول بشيء من التفصيل عما حدث ببغداد أثناء الحصار ، وعن ذلك الشيعي الخائن الذى خضع لهولاكو وأدى دوره على أكمل وجه وإتقان ، وعما فعله المغول من مجازر داخل بغداد طيلة أربعين يوم من الزمن.
* وابتدأ الحصار:
بينما المسلمون داخل بغداد على حالتهم من الغفلة ، إذ ظهر فجأة جيش هولاكو قبالة الأسوار الشرقية للمدينة العظيمة (بغداد) ، وكان ذلك فى يوم 12 من محرم من سنة 656هـ ، وبدأ هولاكو فى نصب معدات الحصار الثقيلة حول المدينة ، وكذلك جاء (كتبغا) بجيشه ، ليحيط بالمدينة من الناحية الجنوبية الشرقية ، وارتاع خليفة المسلمين ، وعقد اجتماعًا عاجلاً ، جمع فيه كبار مستشاريه ، وعلى رأسهم الوزير الخائن مؤيد الدين العلقمي !!
كان ذلك الوزير وبطانته يؤيدون مهادنة المغول ، وكانوا يعترضون أي رأي للمقاومة ، لكن الخير لا يعدم فى خير أمة أخرجت للناس ، فقد قام رجلان من الوزراء ، وهما (مجاهد الدين أيبك) و (سليمان شاه) ، وأشاروا على الخليفة بحتمية الجهاد.
احتار الخليفة احتيارًا تامًا ، فهواه مع مؤيد الدين العلقمي لأنه لا يقوى على الحروب ، وعقله مع مجاهد الدين أيبك ؛ لأن تاريخ المغول لا يشير بأية فرصة للسلام ، وأخيرًا قرر بعد تردد أن يجاهد ، ولكن الجهاد ليس قرارًا عشوائيًا ، وإنما إعداد وتضحية وطريق طويل من الإيمان ، وسمح الخليفة للمرة الأولى باستخدام الجيش.
* جيش هزيل أمام المغول!!:
خرجت فرقة هزيلة من الجيش العباسي يقودها (مجاهد الدين أيبك) لتلقى جيش هولاكو المهول ، وبمجرد خروج الجيش العباسي ، جاءت الأخبار إلى القائد (مجاهد الدين) أن هناك جيشًا مغوليًا آخر يأتى من جهة الشمال – وهو جيش بيجو القادم من الأناضول -.
أدرك مجاهد الدين أيبك أن جيش (بيجو) لو وصل إلى بغداد فسوف يطوقها من الشمال والغرب ، وبذلك سيطبق الحصار تمامًا على العاصمة الإسلامية ، ومن هناك فكر مجاهد الدين أن يتجه بجيشه شمالاً ؛ لمقابلة جيش (بيجو) ، والتقى فعلاً بجيش المغول عند منطقة الأنبار – وهي المنطقة التى شهدت من قبل انتصارًا خالدًا على يد خالد بن الوليد -.
لم يكن النصر فى تلك المرة حليف المسلمين ، فقد بدأ (بيجو) يتظاهر بالانسحاب ، ويستدرج خلفه جيش المسلمين ، حتى أتى به إلى منطقة مستنقعات قريبة من نهر الفرات ، ثم أرسل المهندسين المغول لقطع السدود المقامة على الفرات ، وذلك ليقطع خط الهروب على الجيش العباسي ، ثم حاصر (بيجو) جيش بغداد ، وبدأ فى عملية إبادة واسعة ، واستطاع مجاهد الدين أيبك بقليل من الفرسان أن ينسحب جنوبًا ، حتى عاد إلى بغداد ، أما الجيش العباسي فقد هلك فى الأنبار.
* مراسلات للاستسلام:
بعد إبادة جيش بغداد ، تقدم (بيجو) مباشرة حتى وصل إلى المدينة من ناحيتها الشمالية ، ثم التف حول المدينة ؛ ليضرب الحصار عليها من جهتها الغربية ، وبذلك وضعت بغداد بين فكي الكماشة ، وازداد حرج الموقف جدًا ، واستحكم الحصار حول عاصمة الخلافة.
استغل تلك الفرصة الوزير مؤيد الدين العلقمي ، فأشار على الخليفة بالاستسلام ، وبعد تفكير وافق الخليفة على الاستسلام ، وأرسل ذلك الوزير الخائن بالإضافة إلى بطريرك بغداد النصراني إلى هولاكو ليقوما عنه بمفاوضات الاستسلام ، وبذلك كان وفد الخلافة الإسلامية العباسية العريقة فى بغداد يتكون من رجلين أحدهما شيعي يكن حقدًا للمسلمين وحاضرتهم ، والآخر نصراني.
وعد هولاكو هذين الرجلين بحكم بغداد إن أقنعا الخليفة بالاستسلام أولاً ، وبتسليم المجاهدين (سليمان شاه) و (مجاهد الدين أيبك) ثانيًا لتزعمهما فكرة الجهاد والمقاومة ، ثم أعطى هولاكو عدة وعود أخرى مقابل عدة شروط على النحو التالى:
أما الوعود ، فقد وعد هولاكو بإنهاء حالة الحرب بين الدولتين ، والزواج بين ابنة هولاكو وابن الخليفة المستعصم ، وبقاء المستعصم على كرسي الحكم ، وإعطاء الأمان لأهل بغداد جميعًا.
وكانت تلك الوعود الزائفة فى مقابل عدة شروط ضخمة وهي تدمير الحصون ، و ردم الخنادق ، وتسليم الأسلحة ، والموافقة على التبعية إلى المغول.
* قصف بغداد:
تجددت الآمال فى نفس الخليفة ، وصار يعيش فى تردد ، والشعب الضخم من ورائه يعيش نفس التردد ، فنداء الجهاد لا ينبعث إلا من بعض الأفواه القليلة ، أما عامة الناس ، فقد انخلعت قلوبهم لحصار المغول ، وعظمت الدنيا فى عيونهم ، فاستحال فى نظرهم أن يضحوا بها.
واحتاج الخليفة بعض الوقت للتفكير ، ولكن هولاكو ليس عنده وقت يضيعه ، فإن الجيوش تتكلف كل يوم أموالاً طائلة ، وخصوصًا أن الحصار كان فى فصل الشتاء ، فلم ينتظر هولاكو وقتًا طويلا ، ولم يعط للخليفة ما يريده من الوقت ، فبدأ بإطلاق القذائف النارية والحجرية على بغداد ، واستمرت تلك القذائف أربعة أيام متصلة دون أي مقاومة تذكر.
فى اليوم الرابع من أيام قصف بغداد بدأت الأسوار الشرقية تنهار ، ومع انهيارها انهار شعب بغداد ، وانهار الخليفة تمامًا ، فلجأ إلى وزيره الخائن ، الذى أشار عليه بمقابلة هولاكو بنفسه وبكبار دولته و وزرائه وفقهاء المدينة وعلمائها وأعيانها.
* مفاوضات النهاية:
جمع الخليفة كبار قومه ، وخرج فى وفد مهيب إلى هولاكو ، وقد تحجرت الدموع فى عينيه ، وتجمدت الدماء فى عروقه ، وتسارعت ضربات قلبه ، وتلاحقت أنفاسه ، وقد كان أجداده الأقدمون يقودون الدنيا من تلك الدار التى خرج الخليفة منها الآن.
كان الوفد يضم سبعمائة من أكابر بغداد ، ولكن هولاكو لم يسمح بدخول أحد سوى الخليفة وسبعة عشر رجلاً فقط ، أما الباقى فقد حُجبوا عن الوفد ، وقادهم المغول إلى نهايتهم ، فقتلوهم جميعًا!!!
وبدأ هولاكو السفاح يصدر أوامره الصارمة ، فأمر الخليفة أن يصدر أوامره لأهل بغداد بإلقاء أي سلاح ، والامتناع عن المقاومة ، ولم يكن لأهل بغداد سلاح ليلقوه ، ولم يكونوا يرغبون فى حمله!!
وأمر هولاكو بأن يُقيد خليفة المسلمين ، ويساق إلى المدينة كالدواب ، ليدل المغول على كنوز العباسيين ، وعلى أماكن الذهب والفضة والتحف الثمينة ، وأن يُقتل أبناء الخليفة أمام عينيه ، وتُأسر أخواته ، كما أمر هولاكو الخليفة باستدعاء علماء أهل السنة فى بغداد ، فخرج العلماء وقتلوا أمام نسائهم وذويهم ، بل إن من العلماء من لم يكتف المغول بقتله بمفرده ، بل قتلوا معه أبناء ونساءه ، ومن هؤلاء العلماء العالم الجليل (محيي الدين يوسف بن الشيخ أبى الفرج الجوزي) العالم المعروف ، وذبح أولاده الثلاثة ، كما تم ذبح (سليمان شاه) و (مجاهد الدين أيبك) ، وتم ذبح سائر خطباء المساجد والأئمة ، وكل ذلك أمام عيني الخليفة !!!
* استباحة بغداد:
بعد أن ألقى أهل المدينة السلاح ، وبعد قتل تلك الصفوة ، أصدر هولاكو أمره الشنيع باستباحة بغداد ، فانطلقت وحوش المغول الهمجية تنهش فى أجساد المسلمين ، بلا أي مقاومة ، فلا يوجد أبو جعفر المنصور ليحميها ، ولا يوجد الرشيد ليصون من فيها ، واستبيحت عاصمة الخلافة الإسلامية.
بدأ المغول يتعقبون المسلمين فى كل ركن من الأركان ، ويستحرون القتل فيهم ، ولم يقتصروا على قتل الرجال فقط ، بل قتلوا الكهول والشيوخ ، وكانوا يقتلون النساء بعد اغتصابهم عدة مرات ، أو يسبونهم ، بل وكانوا يقتلون الأطفال الرضع ، فقد وجد أحد المغول أربعين طفلاً فى أحد الشوارع بعد مقتل أمهاتهم ، فقتلهم جميعًا.
إنها قلوب كالحجارة أو أشد قسوة.
* مقتل الخليفة:
ومرت الأيام والقتل لا يتوقف ، والإبادة ليس لها من نهاية ، كل هذا والخليفة يرى بأم عينيه تلك المأساة البشعة ، ثم أصدر هولاكو أمره بالإجهاز على الخليفة المسكين ، فقتله المغول بصورة مخزية لم تحدث مع ملك من الملوك من قبل.
لقد وُضع الخليفة العباسي على الأرض ، وبدأ المغول يرفسونه بأقدامهم ، حتى فارق الحياة!!.
* مكتبة بغداد:
لم تنته المأساة بقتل الخليفة ، وإنما أمر هولاكو باستمرار عملية القتل فى المدينة ، فاستمر القتل أربعين يومًا كاملة ، قُتل خلالها مليون مسلم ما بين رجال ونساء وأطفال ، واتجهت فرقة من المغول لعمل إجرامي آخر ليس له مبرر إلا أن المغول قد أكل الحقد قلوبهم على كل ما هو حضاري ببلاد المسلمين ، فالمسلمون لهم تاريخ طويل فى العلوم والدراسة ، وقد أثرى علماؤهم الحضارة الإسلامية بملايين المصنفات ، بينما المغول لا حضارة لهم ولا أصل ، فهم ليسوا إلا أمة لقيطة نشأت فى الصحراء وعاشت فقط للتخريب والتدمير والإبادة.
لقد اتجهت رؤوس المغول نحو صرح شامخ راسخ فى عباب التاريخ ، لقد اتجهوا نحو مكتبة بغداد!!.
لقد كانت مكتبة بغداد متربعة على عرش العلوم قرابة خمسة قرون ، وقل أو ندر أن لا يضيف خليفة عباسي آلاف الكتب إلى المكتبة ؛ حتى صارت دارًا للعلم حوت عشرات الملايين من المجلدات فى فى ذلك الزمن السحيق.
لقد كانت مكتبة بغداد تشتمل على عدد ضخم من الحجرات ، وقد خصصت كل مجموعة من الحجرات لكل مادة من مواد العلم ، وكان فى المكتبة مئات من الموظفين القائمين على رعايتها ، وكان فيها النساخون الذين ينسخون كل كتاب أكثر من نسخة ، وكان يوجد المناولون الذين يناولون القراء الكتب من أماكنها المرتفعة ، كما كان يوجد المترجمون الذين يترجمون الكتب الأجنبية ، وكانت هناك غرف للمطالعة ، وغرف للمدارسة ، وحلقات للنقاش ، وغرف للترفيه والطعام والشراب ، وغرف للإقامة تُمنح لطلاب العلم الذين جاءوا من مسافة بعيدة.
إنها جامعة هائلة حوت عصارة فكر المسلمين فى أكثر من ستمائة عام ، جمعت فيها كل العلوم والآداب والفنون ، فماذا فعل المغول فى مكتبة بغداد؟
* عشرات الملايين من الكتب فى نهر دجلة:
حمل المغول ملايين الكتب الثمينة ، وفى بساطة شديدة لا تخلو من الحماقة والغباء ألقوا بها جميعًا فى نهر دجلة.
لقد كان الظن أن يحمل المغول تلك الكتب القيمة إلى عاصمتهم (قراقورم) ، وهم لا يزالون فى مرحلة طفولة حضارية ؛ ليستفيدوا من هذا العلم النفيس ، ولكن المغول أمة همجية لا تتعلم ولا تريد أن تتعلم ، فألقت بمجهود القرون الماضية فى نهر دجلة ، حتى تحول لون مياه النهر إلى اللون الأسود من أثر مداد الكتب ، حتى قيل أن الفارس المغولي كان يعبر من ضفة إلى أخرى عبر المجلدات الضخمة.
وتلك جريمة ليس فى حق المسلمين فحسب ، وإنما فى حق الإنسانية كلها ، ولطالما فعل أعداء الإسلام تلك الجريمة فى مكتبات المسلمين ؛ ليحرموهم من نور العلم ومتعته.
* بعد السقوط:
بعد أن فرغ المغول من تدمير المكتبة ، انتقلوا إلى الديار الغنية ، فتناولوا جلها بالتدمير والحرق ، وظلوا كذلك حتى تحولت معظم ديار المدينة إلى ركام ، وإلى خراب تتصاعد منه ألسنة الدخان والنيران.
واستمر هذا الوضع الأليم أربعين يومًا كاملة ، امتلأت خلالها شوارع بغداد بتلال الجثث المتعفنة ، واكتست الدروب باللون الأحمر ، ولم يعد يُسمع سوى قهقهات المغول ، أو نحيب النساء والأطفال ، وبعد أربعين يومًا من القتل والتدمير خاف هولاكو على جيشه من انتشار الأوبئة نتيجة مليون جثة من المسلمين لم تدفن بعد ، فأصدر هولاكو أوامره بخروج جيش المغول من بغداد ، وترك حامية صغيرة ، وأعلن أمانًا حقيقيًا لأهل بغداد ؛ حتى يخرج المسلمون من مخابئهم ليقوموا بدفن موتاهم ، وهذا عمل شاق ، فليس من اليسر أبدًا دفن مليون جثة دفعة واحدة.
وإذا لم يتم دفن تلك الجثث ، فقد يتغير الجو فى كل بلاد العراق ، وتنتشر الأمراض الفاتكة التى لا تفرق بين مسلم ومغولي ، ولذلك أراد هولاكو التخلص من تلك الجثث بواسطة المسلمين ، فخرج المسلمون ، وقد نحلت أجسادهم وتبدلت ألوانهم ، واستخرج كل شخص من بين التلال والركام جثة لابن له أو أخ أو أب أو أم!!.
ولكن كما توقع هولاكو انتشرت الأوبئة بشكل مريع ، حتى مات الناجون من سيف المغول ، وأبيدت البقية الباقية من سكان بغداد ، فمن نجا من الطعن ، لم ينج من الطاعون.
* العلقمي حاكمًا لبغداد:
أصدر هولاكو قرارًا بتعيين مؤيد الدين العلقمي حاكمًا لبغداد ، على أن توضع وصاية مغولية ، ولم يكن مؤيد الدين إلا صورة للحاكم فقط ، وكانت القيادة الفعلية للمغول ، بل كان المغول يهينون العلقمي بصورة سيئة ، فكان أصغر جندي من المغول يستطيع إهانة العلقمي ، وقد رأته امرأة مسلمة ، والجنود المغول ينتهرونه ، فقالت له المرأة المسلمة: ”أهكذا كان بنو العباس يعاملونك؟“.
وقد وقعت كلمات المرأة المسلمة فى نفس مؤيد الدين ، فانطلق إلى بيته مهمومًا ، وركبه الغم والضيق ، ولم يستطع تحمل الوضع الجديد ، فبعد أيام قليلة مات العلقمي فى بيته ، فولى المغول ابنه على بغداد ، ولكن مات الابن فى نفس العام!!.
* صدمة سقوط بغداد:
كان سقوط بغداد صدمة رهيبة لا يمكن للعالم الإسلامي استيعابها مطلقًا ، فبغداد لم تكن مدينة عادية ، ففوق أنها أكبر مدينة على وجه الأرض ، وفوق أن بها أكثر من ثلاثة ملايين مسلم ، وفوق أنها من أعظم دور العلم والحضارة والمدنية ، وفوق أنها من ثغور الإسلام القديمة ، فوق كل ذلك فهي عاصمة الخلافة الإسلامية!.
الدنيا لم تكن تعنى للمسلمين شيئًا بدون خلافة وخليفة ، حتى مع مظاهر الضعف البارزة فى سني الخلافة العباسية الأخيرة ، فإذا كانت هناك خلافة ولو ضعيفة فقد يأتي زمان تتقوى فيه ويجتمع المسلمون تحت رايتها ، أما إذا غابت الخلافة ، فالتجمع صعب جدًا.
وظهر عند المسلمين بعد سقوط بغداد اعتقاد غريب ، سيطر على كثير منهم حتى ما عادوا يتكلمون إلا فيه ، وهذا الاعتقاد هو أن خروج المغول وهزيمة المسلمين وسقوط الخلافة ، ما هي إلا علامات الساعة ، وأن المهدي سيخرج قريبًا ليقود جيوش المسلمين للانتصار على المغول.
نعم سيظهر المهدي ، ونعم سينزل المسيح عليه السلام ، ونعم ستكون الساعة ، ولكن لا يدرى أحد متى سيحدث ذلك ، فلماذا تظهر تلك الدعوات فى أوقات الهزائم والانتكاسات؟
إن الناس قد أحبطوا تمامًا ، فصاروا يشكون فى إمكانية النصر على أعداء الله بمفردهم ، ولقد أيقنوا أنهم لا طاقة لهم بهولاكو وجنوده ، ولذلك بحثوا عن حلول من عقولهم ، وليكن الحل هو خروج المهدي والجهاد معه ، أما جهاد قبل المهدي فلا!!.
* العالم النصراني وسقوط بغداد:
عمت البهجة والفرح أطراف العالم النصراني كله ، وقد كانت ضربة المغول ضربة موجعة جدًا للعالم الإسلامي ، فتجددت الأطماع الصليبية فى مصر والشام ، وقد زاد من فرح النصارى أن المغول وللمرة الأولى صدقوا فى عهودهم ، فلم يمسوا نصارى بغداد بسوء ، وقد أسكن هولاكو بطريرك بغداد قصرًا عظيمًا يشرف على نهر دجلة ، وكانت مملكة الكرج وأرمينية النصرانيتان تقاتلان مع المغول.
وبذا انتهت قصة بغداد ، وصار على هولاكو بعد اجتياح العراق اجتياح الشام ، ولكن كان هناك بطل بين مستنقع الأقزام ، فبين لهيب النيران تظهر معادن الرجال.