ماذا كان مصير المغول بعد عين جالوت؟ ( القصة المجهولة )
المغول اسم يثير الرعب ، ويشعل الذعر ، أولئك الوحوش الذين حُرموا من الرحمة والإنسانية ، والذى بعد طول جهاد ومثابرة استطاع البطل سيف الدين قطز دحر جيوشهم فى عين جالوت ، فماذا كان مصير المغول بعد عين جالوت؟ وما هي تلك الخدمات الجليلة التى قدمها المغول للإسلام والمسلمين؟!!
ارتبط اسم المغول فى أذهاننا بالبربرية والفظاظة ، والقسوة والغلظة ، وسفك الدماء وهتك الأعرض ، وتخريب المدن والقرى ، والإتيان على كل شيء حتى يكون كالرميم ، وذلك نتيجة ما قاموا به أول أمرهم ، وما لحق المسلمين منهم من أذى ، وما أصاب حضارتنا من دمار على أيديهم ، وما نال مدننا من خراب أثناء دخولهم عليها ، غير أن هذا الشعب لم يلبث أن بدأ يدخل فى الإسلام ، ولم يمض أكثر من نصف قرن حتى غدا كله مسلمًا ، وأصبح ينافح عن ديار الإسلام ، ويقاتل أعداء لمسلمين ، تعالوا لنتناول بشيء من التفصيل عن التحالف الإسلامي بين دولة المماليك ودولة المغول الإسلامية ضد الطاغية (هولاكو) ، وأسباب توقف المد المغولي وكسر شوكته ، وإخماد ذروته وحدته.
* ودخل المغول فى دين الله:
إذا كان الشعب الغالب عادة هو الذى يفرض سلطانه وحضارته على المغلوبين إلا أن حضارة المغلوبين هي التى سادت على الغالب هنا ، إذ أن الغالبين لم يكونوا على شيء من الحضارة ، ويشعر المغلوبون أنهم الأعلون ما داموا من المؤمنين ، حيث كانت الروح الإيمانية لا تزال على شيء من العلو ، فتأثر الغالب بالمغلوب ، وتبنى حضارته ، وأخيرًا ذاب فى المجتمع الذى يعيش فيه.
* دخول مغول الشمال فى الإسلام:
بعد أن اجتاح جنكيزخان ما اجتاحه من الأرض ، وأيقن بقرب الأجل ، قسم ما حصل عليه من البلاد على أولاده الأربعة من الزوجة الأولى – على عادة المغول – ، فكان من نصيب ابنه (جوجي) بلاد القفجاق وداغستان وخوارزم وبلغاريا و روسيا ، وما يمكن ضمه من ناحية الغرب إلى نهاية المعمورة. تسلم الأمر بعد (جوجي) ابنه (باتو) ، الذى كان يعطف على المسلمين ، ويكره (كيوك) ملك المغول الأعظم الذى تنصر ، وفى عام 652هـ – قبل اجتياح بغداد بأربع سنوات – تسلم المملكة (بركة بن جوجي) وقد أسلم قبل ذلك بسنتين ، وبالطبع لا سيفين فى جراب واحد ، فقد كان بركة خان شديد الكراهية لابن عمه (هولاكو) ، وأظهر تضامنه مع أبناء دينه المسلمين ، وألقى صلة القرابة بعرض الحائط طالما أنها تتعارض مع دينه وعقيدته ، فقاتل هولاكو ، وانتصر عليه ، وتحالف مع الظاهر بيبرس – سلطان المماليك – ضد هولاكو.
* بركة خان بطل المغول المسلم:
تولى خانية مغول الشمال أبو المعالى ناصر الدين بركة خان ، وقد كان أول من أسلم من المغول ، فعند عودته من (قراقورم) عاصمة المغول الرئيسية ، مر على مدينة بخارى والتقى بأحد العلماء ، فاعتنق الإسلام ، وقد كانت عنده خلفية سابقة عن الإسلام ، حيث نشأ فى بيت كانت رسالة بنت خوارزمشاه زوجة أبيه ، وقد يمكن أن تكون قد أثرت عليه ، وجذبته إلى الإسلام. عندما صار بركة خان ملكًا ، أسلم معه عدد كبير من قومه ، وعد نفسه حاميًا للقرآن الكريم والشريعة الإسلامية ، وبايع الخليفة المستعصم فى بغداد ، وأغدق على العلماء من المال الكثير ، ودعا علماء المناطق المجاورة لنشر الدين فى بلاده.
* المغول بين بطل وطاغية:
ما أن تسلم بركة خان السلطنة حتى وقع الخلاف بينه وبين ابن عمه هولاكو ؛ لأن بركة خان كان مسلمًا صديقًا للخليفة العباسي ، بينما كان هولاكو عدوًا للمسلمين ، فأراد بركة خان أن يحول دون اجتياح هولاكو لبغداد ، غير أن كثيرًا من جنوده كانوا من الوثنيين ، وخشي اعتراضهم على قتال هولاكو والدفاع عن المسلمين ، فأخذ يتحرش بجيوش هولاكو ، ليبادر هولاكو بالهجوم ، وبذلك يقاتل جند بركة خان هولاكو. وبالفعل وقع هولاكو فى الفخ ، بل وقتل رسل بركة خان ، واتجه نحو بلاده ، إلا أن بركة خان استطاع الانتصار عليه عدة مرات ، ولم يكتف بذلك ، بل رغب فى إنهاء دولة المغول الوثنية بالتفرقة بين أفراد البيت الحاكم ، ونجح فى ذلك نجاحًا كثيرًا ، إذ بعد وفاة خان المغول الكبير ، تقاتل أفراد المغول على الإرث ، الأمر الذى أدى إلى مغادرة هولاكو الشام ، وترك جيشه بإمرة كتبغا الذى هزمه قطز فى عين جالوت.
* هلاك الطاغية:
عندما سير مانكو خان هولاكو للقضاء على الخلافة العباسية واجتياح الشام ، كان معه قوات من جنود بركة خان ، وعندما انهزم المغول فى عين جالوت ، أخذت جنود بابر تتسلل إلى دولة المماليك فى مصر والشام ، وقد أكرمهم الظاهر بيبرس ، فلما علم بذلك جند هولاكو ، أخذوا يتسللون مجموعة إثر مجموعة إلى مصر والشام ، وقد أسلم كثير منهم لما رأوه من معاملة الظاهر بيبرس ، وما شاهدوه من أمور المسلمين. وبهزيمة هولاكو أمام بركة خان ، وبفرار أعداد من جنده إلى بلاد مصر والشام عند خصمه الآخر الظاهر بيبرس ، وبدخول أولئك الجند فى الإسلام أصيب هولاكو بمرض الصرع ، الذى كان سببًا فى هلاكه ، وقد قيل أن عداوته للإسلام قد خفت فى أواخر حياته ، بل قد عهد لبعض المربين المسلمين بتنشئة ابنه تكودار ، فكان ذلك من أسباب إسلامه. لما توفي هولاكو ، خلفه ابنه (أباقا) ، وقد قاتل جيوش بركة خان ، فهزمها شر هزيمة ، ومن ثم سار بركة خان بنفسه لملاقاة (أباقا) ، غير أن منيته قد وافته ، فرحم الله ذلك البطل ، الذى كان سببًا فى تغيير مجرى التاريخ.
* مغول الشمال بعد بركة خان:
استمر الصراع بين مغول الشمال والإيلخانيين (أبناء هولاكو) ، حتى قيام الإمبراطورية التيمورية ، بقيادة تيمورلنك ، فغزا مغول الشمال ، وأخضعهم ، ولم يرجع إلى بلاده ، إلا وقد تفتت دولة مغول الشمال إلى دويلات صغيرة. أصبح لكل خان من خانات تلك المنطقة إمارة مستقلة ، ويعيش كل خان فى قصره لمصالحه الخاصة ، وهذا – مع الأسف – ما عرفه الأوربيون عن حياة سلاطين المسلمين فى قصورهم ، فامتلأت نفوسهم كرهًا للإسلام إضافة إلى حقدهم الصليبي الذى تفوح رائحته فى كل تصرف من تصرفاتهم ، وكانت إمارة الروس قد بدأت تظهر فى القرن التاسع الهجري ، وبدأت تضرب خانات المغول بعضهم ببعض ، حتى ابتلعتهم جميعًا. فسيطر الروس فى إمبراطوريتهم على الشعوب الإسلامية ، واستمرت تلك السيطرة حتى مع قيام ثورة البلاشفة الشيوعيين ، وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا على الشعوب الإسلامية الضعيفة ، مثل الشيشان والمغول والقرم ، واستمر الروس فى استغلال خيرات أراضى الشعوب لمصلحتهم ، وقد تصرفوا بعد قضائهم على الإمارات الإسلامية تصرفهم القذر ، الذى يرى الإنسان محاكم التفتيش فى الأندلس أمام هذا التصرف بسيطة ، فارتكاب المنكرات ، وتحويل المساجد ، والاعتداء على الأملاك ، وإهانة المقدسات ، والعمل على تنصير السكان ، ومع ذلك صبر التتار وتحملوا الكثير ، وظلوا على عقيدتهم.
* تاريخ باقى دول المغول الإسلامية:
بعد وفاة جنكيزخان انقسمت إمبراطورية المغول إلى عدة دول كبيرة ، كان مغول الشمال إحدى تلك الدول ، وقد تناولنا تاريخها ، وأما باقى أهم دول المغول فكانت على النحو التالى: (1) الدولة الإيلخانية: وقد أسسها الطاغية هولاكوخان ، وقد أسلم ابنه ( أحمد تكودار ) ، وفى عهد محمود غازان ( أحد أحفاد هولاكو ) ، جعل هذا دين الإسلام هو الدين الرسمي للدولة الإيلخانية ، وبعد وفاة السلطان أبى سعيد ، انقسمت الدولة إلى عدة دويلات وخانات ، فكان مصيرها – بالطبع – الضعف والانهيار. (2) الدولة التيمورية: وتتمصل فى مؤسسها ”تيمورلنك“ الذى أخضع مغول الشمال وبلاد تركستان وفارس والعراق وآسيا الصغرى ، وقد تنازع أحفاده بعد وفاته ، الأمر الذى أدى إلى سقوط الدولة ، لكن أحد أحفاده وهو ظهير الدين بابر أحمد تيمور قد استطاع تأسيس دولة مغولية فى الهند. (3) مغول الهند: وقد أسسها ظهير الدين بابر ، وقد حكمت معظم أنحاء شبه القارة الهندية ، وقد انحرف أحد حكامها عن الإسلام وارتد عنه ، وهو جلال الدين أكبر ، لكن السلطان العظيم (أورنكزيب عالمكير) أعاد الأمور إلى نصابها ، وقد انتهت بعد الاحتلال البريطاني للهند.