من هم المغول؟ وما طرق جنكيز خان التى اتخذها لتوحيدهم؟
ظهر المغول فجأة على مسرح التاريخ فى أواخر القرن السادس الهجري، ثم برزو كقوة عالمية ذات شهرة دولية واسعة النطاق خارج نطاق موطنهم الأصلي – منغوليا –، فما هي الجذور التاريخية للمغول؟ وما الفرق بين مصطلح (المغول) ومصطلح (التتار)؟ وما الطرق التى وحد بها جنكيز خان قبائل المغول؟ وكيف كان العالم الإسلامي قبيل اجتياح المغول؟
فى أواخر القرن السادس و أوائل القرن السابع الهجريين ، استطاع المغول أن يؤسسوا أكبر إمبراطورية عرفها التاريخ البشري فى مدة قصيرة قلما شهدها التاريخ ، حيث تكونت إمبراطوريتهم واسعة الأرجاء ومترامية الأطراف فى أقل من ثلاثة عقود ، فعلى دماء اليابانيين شرقًا وعلى أطلال صروح الشام وأوربا غربًا قامت دولة المغول ، تعالوا لنروى بشيء من التفصيل عن قبائل المغول ، ونشأة إمبراطوريتهم الشاسعة ، وتوحيد قبائلهم على يد جنكيزخان ، وبداية اجتياحهم لعالمنا الإسلامي.
* الاختلاف بين المغول والتتار:
لقد عرّف المغولَ مؤرخونا المسلمون الذين عاصروا اجتياح المغول للعالم الإسلامي بأنهم ( التتار ) ، وكذلك عرّفهم الرحالة الأوروبيون القدامى ، ولكن من خلال ما كتبه المؤرخ المسلم ( رشيد الدين الوزير ) ، وما تُرجم من كتب التاريخ الصينية والمغولية ، تبين أن تلك التسمية خاطئة ، فالتتار شعبة من المغول سيطرت على سائر المغول حقبة من الزمن ، ولكن جاء جنكيز خان بعد ذلك وهزم التتار ، ومن ثم تلاشت التتار ، وأصبح المغول أصحاب الغلبة والقوة ، وبذلك عُرفت إمبراطوريتهم بإمبراطورية المغول لا التتار.
* قبائل المغول قبل حكم جنكيز خان:
عاشت قبائل المغول من المنطقة الواقعة بين سور الصين العظيم جنوبًا حتى أقصى شمالي شرق آسيا شمالاً ، متنقلين بين سلاسل الجبال فى الصيف وسهولها فى الشتاء ، وفى تلك البيئة القاسية عاشت قبائل المغول على الصيد والرعي ، وفى كثير من الأحيان عاشت على النهب والسلب ، وما بنت ممالك الصين سورها العظيم إلا لاتقاء خطر المغول.
وبالرغم من وحدة أصول المغول ، إلا أنهم انقسموا إلى قبائل عديدة ، ما لبثت أن تناحرت ونشبت بينها لهيب الحروب والنزاعات ، وقد قام مجتمع المغول كغيره من المجتمعات الغير إسلامية على عدة طبقات ، أما دينهم فقد جمعوا بعض الشرائع من الإسلام وأخرى من النصرانية وثالثة من البوذية وأضافوا بعض الشرائع من أنفسهم وبذلك كان دينهم شديد التعقيد.
* جنكيز خان قائدًا للمغول:
كان تيموجين رجلاً سفاكًا للدماء ، وقائدًا عسكريًا شديد البأس ، فبدأ بالتوسع فى المناطق المحيطة به ، وقد جذبت مواهبه فى القيادة قبائل المغول الواحدة بعد الأخرى ، ثم حارب القبائل الأخرى وأخضعها ، وكان يقتل زعماء القبائل المحاربة له بطريقة غاية فى البشاعة والفظاعة ، حيث كان يقتلهم ببطء بغليهم فى القدور وهم أحياء ، فافتتح بذلك إثارة الخوف والرعب فى نفوس الخصوم ، حتى بلغت حدود مملكته من كوريا شرقًا إلى حدود الدولة الخوارزمية غربًا ، فلقب نفسه (جنكيزخان) أي قاهر العالم أو ملك الملوك ، وبدأ يفكر جديًا فى الزحف على عالمنا الإسلامي.
* عالمنا الإسلامي قبيل اجتياح المغول:
كانت مساحة عالمنا الإسلامي تقترب من نصف مساحة الأراضى المعمورة آنئذ ، فلقد امتدت بلاد الإسلام من غرب الصين وجنوب شرقي آسيا شرقًا حتى الأندلس والمحيط الأطلسي غربًا ، وبالرغم من تلك المساحة الواسعة ، والأعداد الهائلة ، ومع الإمكانيات العظيمة من المال والموارد والسلاح والعلوم ، إلا أنه كانت هناك فرقة شديدة فى العالم الإسلامي ، ومن المؤسف أن ذلك الوضع السيء كان بعد سنوات قليلة من وقت كانت فيه أمة الإسلام قوية منتصرة متحدة ، فى عهد صلاح الدين الأيوبي وانتصاراته على الصليبيين فى الشام ، وفى عهد الموحدين وانتصاراتهم على الصليبيين فى الأندلس فى معركة الأرك.
أما عن العالم الإسلامي قبيل غزوات المغول ، ففى العراق كانت الخلافة العباسية لا يتجاوز سلطانها بغداد وما حولها ، وقد تعاقب عليها فى تلك الفترة خلفاء لم يكن لهم هم إلا جمع المال وتوريث الحكم لأبنائهم.
وأما فى مصر والشام والحجاز واليمن كانت الدولة الأيوبية هي المسيطرة على تلك البلاد ، ولكن أحفاد صلاح الدين الأيوبي لم يكملوا مسيرة ذلك الرجل العظيم ، ولم يتخذوا منهاجه دربًا لهم ، بل تناحروا على الحكم ، وانقسمت الدولة الأيوبية إلى دويلات تتنازع فيما بينها ، وما لبثت الأراضى التى استردها صلاح الدين الأيوبي أن سلمها أحفاده من جديد إلى الصليبيين دون قتال.
وأما فى بلاد المغرب والأندلس كانت دولة الموحدين قد أخذت فى الاحتضار ، وكانت هزيمتهم فى موقعة (العقاب) الشهيرة بالأندلس نذيرًا بسقوط تلك الدولة الضخمة.
وأما الأناضول فقد كان يحكمها سلاجقة الروم ، وكانوا على درجة شنيعة من الضعف والتشرذم والتناحر.
وأما بلاد فارس فكان تحكمها طائفة الإسماعيلة ، وهم خارجون عن ملة الإسلام ، وكانوا سببًا لتحريف العقيدة والدين ، ولاغتيال شخصيات الإسلامية البارزة ، فقتلوا الكثير من علماء المسلمين وبعضًا من الخلفاء العباسيين ، وقتلوا كثيرًا ممن جاهد الصليبيين مثل مودود بن طغتكين وعماد الدين زنكي ، وقد حاولوا قتل صلاح الدين الأيوبي مرتين.
وأما بلاد الهند فقد كانت تحت حكم الغوريين ، وبينهم وبين الخوارزميين حروب كثيرة متكررة.
وأما التركستان فقد كانت تحكمها الدولة الخوارزمية ، وكانت على خلاف دائم مع الخلافة العباسية ، وكان بينهما مؤامرات ومكائد كثيرة ، وتحاربت مع العديد من الممالك المجاورة.
تلك صورة عاجلة عن عالمنا الإسلامي قبيل اجتياح التتار ، تزدحم فيها الحروب بين المسلمين وبعضهم البعض ، وتهون فيها الكبائر على القلوب ، ومن كان هذا حالهم كان لا بد من استبدالهم.
* ذريعة المغول للهجوم على العالم الإسلامي:
كان جنكيز خان معاهدًا لملك خوارزم ( محمد بن خوارزم شاه ) ، وذلك إلى أن يستتب الأمر له فى شرق آسيا ، وعندما تم له ما أراد ، بدأ يفكر فى التوسع غربًا فى أملاك الدولة الإسلامية ، متناسيًا معاهدته للخوارزميين ، وبينما هو فى تفكيره ذاك حدث شيء مفاجئ ، اتخذه جنكيز خان ذريعة لمهاجمة العالم الإسلامي.
لقد ذهبت مجموعة من المغول إلى إحدى مدن الدولة الخوارزمية ، فقبض عليهم حاكم المدينة وقتلهم! ، فقيل أنه جواسيس أرسلهم جنكيز خان للتجسس على الدولة الإسلامية أو استفزازها ، وقيل أن ذلك عمدًا كنوع من الرد على عمليات السلب والنهب التى قام بها المغول فى بلاد ما وراء النهر.
ولما وصل النبأ إلى جنكيز خان أرسل رسالة إلى ( محمد الخوارزمي ) يطلب منه تسليم القتلة لمحاكمتهم بنفسه ، ولكن الأمير محمد عدّ ذلك تعديًا على سيادة البلاد المسلمة ، فكيف يسلم مجرمًا ليُحاكم فى بلاد أخرى بشريعة أخرى ؟؟!! ، فرد على جنكيز خان بأنه سيحاكمهم بنفسه.
ولكن جنكيز خان أبى الاقتناع ، فخِطط غزو البلاد الإسلامية معدة ، وقد كان فى هذا الحادث العلة التى كان يريدها جنكيز خان ذريعة للهجوم على العالم الإسلامي ، وبدأ الإعصار المغولي الرهيب على بلاد المسلمين ، وبدأ يتدفق شلال من الدماء.
* صراع الكبار:
جاءت جحافل المغول الجرارة بقيادة جنكيزخان لغزو الدولة الخوارزمية ، فالتقت به جيوش الخوارزميين بقيادة محمد بن خوارزم شاه فى شرق نهر سيحون ( فى كازاخستان الآن ) ، فنشبت بينهما موقعة هائلة استمرت أربعة أيام متصلة ، وقتل من الفريقين خلق كثير.
فى تلك الموقعة استُشهد من المسلمين ما يربو على العشرين ألفًا ، وقتل من المغول مثل ذلك ، ثم انسحب الطرفان ، وذهب محمد بن خوارزم شاه ليُحصِّن مدنه الكبرى فى مملكته الواسعة ، ولتعبئة الجيوش من أطراف دولته ، ولم يساعده أحد من ملوك المسلمين وذلك لأن محمدًا كان معاديًا لمعظم الممالك الإسلامية المجاورة ، فكانت دولته منعزلة عن بقية العالم الإسلامي ، ووقفت وحيدة فى مواجهة غزو المغول المهول ، وقد جعل الله الفشل قرينًا للتنازع ، والمسلمون كانوا في تنازع مستمر ، وخلاف دائم ، وعندما كانت تحدث بعض فترات الهدنة مع المغول كان المسلمون يغيرون على بعضهم ، ويأسرون بعضهم ، ويقتلون بعضهم! وقد عُلِم يقينًا أن من كانت هذه صفتهم ، فلا يكتب لهم النصر أبدًا.
وإضافة إلى داء الفرقة المستشرى فى العالم الإسلامي اهتم محمد خوارزم شاه بتحصين العاصمة (أورجندة) ، وترك كل المساحات الشرقية دون حماية كافية.
وفى نهاية المطاف جهز جنكيز خان جيشه من جديد ، وبدأ اجتياح الدولة الخوارزمية.