ما هي الفظائع التى ارتكبها المغول فى المسلمين؟ ولماذا سقطت الدول الإسلامية أمامهم بسهولة؟
يقول الإمام السيوطي عن اجتياح المغول للعالم الإسلامي: ”هو حديث يأكل الأحاديث ، وخبر يطوى الأخبار ، وتاريخ ينسى التاريخ ، ونازلة تصغر كل نازلة ، وفادحة تطبق الأرض ، وتملأها ما بين الطول والعرض“ ، فماذا كان يفعل المغول مع المسلمين؟ وما هي تلك الفظائع التى ارتكبوها حتى عفّ كثير من المؤرخين عن الخوض فى تلك الحقبة؟ ولماذا سقطت أمامهم دول إسلامية كانت غاية فى القوة وشدة البأس؟
بعد أن اصطدم جنكيز خان مع الدولة الخوارزمية بقيادة محمد بن خوارزم شاه ، ونشبت معركة هائلة بينهم ، لم ينتصر أحد على الآخر ، فانسحب كل طرف إلى بلاده ، وأخذ محمد الخوارزمي يحصن عاصمته ويجمع الجند من أطراف المملكة ، ولكن المملكة الخوارزمية الفتية والتى كانت فى المشرق أعظم الدول قاطبة فى عصرها سرعان ما انهارت تحت أقدام المغول ، وعلى سنابك خيول المغول تحطمت مدن الدولة الخوارزمية ، تعالوا لنروى بشيء من التفصيل عن ما كان يفعله المغول بعد اجتياح كل مدينة ، وتلك الأسباب التى أدت إلى انهيار الدولة الخوارزمية ذلك السور الفاصل بين العالم الإسلامي والجحيم المتمثل فى جيوش المغول.
* زلزال المغول المدمر:
كان للمغول مظهر يدعو إلى الفزع والجزع ، ويلقى الرعب فى النفوس ، فلقد كانوا قساة مع أعدائهم ، ولم يبقوا على أحد من قاهريهم ، وأشاعوا الخراب والدمار فى كل بلد ملکوه ، حتی تحولت القری العامرة والمزارع الخصبة إلی صحاری قاحلة وکانوا یستزلون أسراهم ، بحيث يجعلونهم فى طليعة جيوشهم وإذا بدأت المعركة يقذفون بهم فى المقدمة ، ويتخذونهم دروعًا بشرية لهم ، وقد يقذفونهم فى الفجوات التى يحدثونها فى أطراف المدن ، ويملئون الخنادق بأجسام أسراهم ، وإذا سلم أحد من أسراهم ، يتخلصون منه بالقتل ، حتى يفسحوا المجال للأسرى جدد.
لقد اكتسح هذا الزلزال المدمر وتلك القوى الجامحة بلاد الإسلام ، وأتوا على الأخضر واليابس ، وأهلكوا الحرث والنسل ، فقد أعد جنکیز خان أربعة من جیوشه لمهاجمة الدولة الخوارزمیة ، و وزعها على النحو الآتى:
(1) الجيش الأول مهمته فتح مدينة أترار التى تم قتل التجار المغول فيها ، وقد تولى قيادته ابناه أوكتاى وجغتاي
(2) الجيش الثانی بقیادة ابنه جوجی ، و مهمته فتح البلاد التی تقع علی ساحل نهر سيحون.
(3) الجيش الثالث مهمته فتح مدينة خجند وبناكت – على نهر سيحون -.
(4) الجيش الرابع – وهو أکبر وأقوی هذه الجیوش – مهمته فتح البلاد التی تقع وسط بلاد ما وراء النهر ، ویقوده جنکیزخان بنفسه وابنه تولوي.
وبذلك وضع جنکیرخان خطة محکمة لغزو بلاد ما وراء النهر ، خصوصًا وأن محمد الخوارزمي قد أهمل تلك البلاد ، وقد صب اهتمامه كله على العاصمة فقط ، فقد كان كل ما يعنيه أسرته وأمواله فقط ، ولا يعنيه شعبه فى تلك النواحى التى تركها لمصيرها ، ولا المدائن التى تركها بحاميات لا تسمن ولا تغنى من جوع ، بل إن المدن التى توجد بها حاميات كبيرة ، كانت حامياتها عبارة عن أعجاز نخل خاوية ، فلا يلبث جنودها أن يفروا عند اقتراب الخطر.
* أول شهيد على أيدى المغول:
سارع المغول إلى مدينة أترار ، وشددوا هجماتهم عليها وقد اعتصم إينال خان – حاكم أترار – بالقلعة ، ودافع بكل ما أوتى من قوة عن البلدة والقلعة ، بل أنهك المغول شهرًا كاملا ، وأجهدهم بضرباته الدفاعية القوية حتى فقد معظم رجاله ، ونفدت المؤن والأقوات ، وشدد المغول هجماتهم علی القلعة ، حتی ألقی بنفسه علی سقوف أحد المنازل ، و ظل یقاتل الغول حتی خارت قواه فتمکن المغول منه ، وقبضوا علیه ، فسیق إلى جنكيزخان ، فانتقم منه شر انتقام بصهر الفضة ، وصبها فى أذنيه وعينيه ، فاستشهد تعذیبًا ، و بذلك انتقم جنکیزخان من قاتل التجار ، وسقطت مدینة أترار فی أیدی المغول ، فقتلوا أهلها ، وغنموا كل ما وقع فى أيديهم فى المدينة المنكوبة ، وأحدثوا فى المدينة مذبحة مروعة ، وأخذوا معهم أرباب الحرف والصناعات ، وبذلك حقق الجيش الأول مهمته بالاستيلاء على أترار ، وقتل حاكمها ومعاقبة أهلها.
ولكن تبرز هنا نقطة يجب ذكرها ، فالبعض يلوم إينال خان بقتل التجار ، ويلقى عليه اللوم ، ويحمله مسئولية غزو التتار ، ولكن من المتضح أن جنكيز خان كان بالفعل يفكر فى غزو العالم الإسلامي بأية طريقة ممكنة ، وأكبر دليل على ذلك أنه لم يكتف بحصار أترار واجتياحها وقتل حاكمها ، بل أعد الجيوش لإسقاط الدولة الخوارزمية كلها ، بل لم يكتف بإسقاط الدولة الخوارزمية ، بل خطا خطوات أخرى بمهاجمة ما وراء فارس من العالم الإسلامي!!.
* اجتياح الدولة الخوارزمية:
لما بلغ جيش المغول جَنْد ، رأى حاكمها أنه لا قبل له بالمغول ، فغادر المدينة ، تاركًا أهلها يدافعون عنها وانقسم أهلها إلى قسمين ، قسم أصر على الجهاد والدفاع عن بلدهم وقسم ركن إلى دنيا فانية فرأی الاستسلام ، وفى النهاية هاجم المغول مدینة جند ، و هدموا أسوارها ، و رموها بالمنجنیقات حتی اقتحموها ، وبذلك سقطت جند فی أیدی المغول.
أما الجيش الثالث فقد اتجه إلى فرغانة والوادى الأعلى من نهر سيحون ، فحاصر جیش المغول بناکت ، دون أية مقاومة من سکان هذه المدينة واستولوا عليها بسهولة ويسر ، فقتلوا الكثير من سكانها ، وأبقوا على الشباب القوي ليكونوا لهم عونًا على إخوانهم من المسلمين ، ثم واصل المغول زحفهم ، وساروا إلى خُجَند ، وهى مدينة جميلة اشتهرت بحدائقها الغناء وبساتينها الجميلة ، وموقعها التجاري الهام ، وقد قاوم حاکمها الشجاع ( تیمور ملك ) الغزو المغولی بکل بسالة وشجاعة ، حتی وهنت قوته ، فامتطى جواده ، ولجأ إلى خوارزم ، حيث كان يرابط السلطان جلال الدين منكبرتى ، وبذلك سقطت خجند فى أيدى المغول.
* سقوط بخارى:
اتجه الجيش الرابع – أقوى هذه الجيوش – إلى بخارى وسمرقند ، وكان يقود هذا الجيش جنكيزخان وابنه تولوي ، فحاصر المغول بخاری ، وهی مدینة تشتهر بعلمائها و فقهائها الأجلاء کما تزدهر بها التجارة والصناعة ، فأغلق البخاريون أبواب مدينتهم ، ودافعوا عنها بكل ما أمکنهم ، ثم تردد الأهالى بين المقاومة أو الاستسلام ، ولما رأى علماء المدينة وأعيانها أنهم لا يستطيعون مقاومة المغول طلبوا الأمان من جنكيزخان ، فى مقابل تسليم المدينة دون قتال وفتحت أبواب بخاری ، ودخلها جنکیز خان وابنه تولوي ، ودخل جنکیزخان وجنده المسجد الجامع ، بعد أن استولوا على مخازن الغلال والعلف والسلاح ، وقال ذاك الطاغية لجنده فى المسجد: إن الخيل لم تأكل علف الربيع ، وهذه إشارة لجنده بالاستيلاء على کل ما فی البلدة من ثروات ، وقتل أهلها ، وأقام المغول فی المسجد حفلا غنائیًا کبیرًا ، وشربوا الخمور.
هنا وقف أحد فقهاء بخارى فى المسجد ، ينصح الناس بالمقاومة ، ويدعوهم إلى الجهاد ، بعد أن شاهدوا بطش وتعسف وظلم المغول ، فخرج الأهالى يقاومون المغول ، ولكن المغول هزموهم وقتلوا ما يُقدر بثلاثين ألفا من سكان بخارى ، وأحرقوا القلعة والدور ، ونهبوا ما تبقى من ثروات المدينة ، فذهب ما تبقى من أهل بخاری إلی جنکیز خان ، یطلبون الأمان فأمنهم ، و اشترط علیهم أن یخرج معه ما تبقی من شباب بخاری لمساعدته فی غزو سمرقند ، ودخل المغول بخاری ، وقتلوا کل من صار فیه من أهلها ، وکان یومًا حزینًا من كثرة البكاء من الرجال والنساء والولدان ، ولاذ بالفرار من تمكن تاركًا أهله وولده وداره.
* سقوط سمرقند:
واصل المغول زحفهم إلى سمرقند ، ومعهم الأسرى حفاة عراة فى أقبح صورة ، و من عجز عن المشی قتلوه أو ترکوه لمصیره ، و بئس المصیر ، و وفد رجل من أهل بخاری إلى إقليم خراسان ، فسأله الناس عما جرى فى بلاده ، فرد ردًا بليغًا موجزًا ، ويوضح تمامًا ما حدث ، قال: ”جاؤوا وقتلوا وأحرقوا ونهبوا وذهبوا“.
سار جيش المغول إلى سمرقند – حاضرة الدولة الخوارزمية – واستدعى جنكيزخان أمراء دولته الواسعة ، فجاؤوا بجيوشهم فكثر جمعه ، وأعد جيشه للهجوم إعدادًا جيدًا ، واستولی علی القری والمدن التی مر بها فی طریقه الی سمرقند ، وحاصر سمرقند ، وقاوم الجند الخوارزميون المغول كرًا وفرًا وقتلوا الكثير من المغول ، وهاجم الخوارزميون المغول بالفيلة ، ولكن المغول صدوا الفيلة ، وعاد الخوارزميون أدراجهم ، بعد أن ألحقوا خسائر کثیرۃ بجند المغول.
أحکم المغول حصارهم بسمرقند ، واستمرت هجماتهم ثلاثین یومًا ، خربوا فيها البلدة ، حتى لم يبق فيها حجر على حجر ، واقتحم المغول سمرقند ، وهاجموا البیوت فقتلوا کل من اختبأ فی المغارات والمخابئ ، ونهبوا کل ما فی البلدة من أمتعة وثروات ودار قتال مریر بین جند السلطان الخوارزمي وجند المغول فی شوارع سمرقند وخارجها ، واعتصم بعض الناس فی المسجد ، وقاوموا المغول ، فأحرقوا المسجد بما ومن فيه وأحدثوا مذبحة مروعة فى أهل سمرقند وجندها ، وسقط أهلها بين غريق وقتيل وجريح.
* الدولة الخوارزمية فى انحلال:
على الرغم من انتصارات المغول ، وتدميرهم بلاد الدولة الخوارزمية ، إلا أن السلطان الخوارزمي (علاء الدين محمد) ، لم يتوقف عن مقاومة المغول ، وظل يحارب بجيشه جموع المغول ، أینما وجدوا ، لذلك اعتزم جنکیزخان التخلص نهائیًا من السلطان الخوارزمي ، حتی يضمن السيطرة الكاملة على بلاد الدولة الخوارزمية ، وقد كلف جيشًا من جيوشه بتعقب علاء الدين ولو تعلق بالسماء ، فكانت نهاية السلطان علاء الدين قمة فى المأساة والبؤس.