ما أهم الانتصارات الكبيرة التى حققها المسلمون على المغول قبل عين جالوت؟
بعد انتصار جنكيز خان على جيوش الدولة الخوارزمية ، وترك السلطان علاء الدين للقسم الشرقي من دولته لمصيره ، وبعد أن اجتاح المغول بخارى وسمرقند ، هل استطاع السلطان علاء الدين الانتصار على جيوش المغول؟ وكيف كانت نهايته؟ وهل استطاع ابنه جلال الدين وقف ذلك الزحف المدمر؟
بعد اجتياح المغول لبخارى وسمرقند وتدميرهم لكثير من بلاد الدولة الخوارزمية ، لم ييأس السلطان علاء الدين الخوارزمى عن مقاومة زحف المغول ، وظل يحارب بجيشه جموع جنكيز خان آملاً أن يكون وسيلة لوقف شلال الدماء الذى أخذ يتدفق فى مشرق العالم الإسلامي ، لذلك اعتزم جنکیز خان التخلص نهائیًا من السلطان علاء الدين ؛ حتی يضمن السيطرة الكاملة على بلاد الدولة الخوارزمية ، تعالوا لنتناول بشيء من التفصيل عن مقاومة علاء الدين لجحافل المغول ، وكيف كانت نهايته الأليمة ، وانتصارات ابنه جلال الدين الكبيرة على سيول المغول.
* نهاية بشعة:
أعد جنکیزخان جیشًا یتکون من ثلاثین ألف مقاتل ، وأمره بالقبض علی علاء الدين خوارزمشاه ”ولو تعلق بالسماء“ ، فتعقبت جموع المغول خوارزمشاه الذى أخذ يضرب فى الأرض ، وينتقل من بلد إلى بلد ، وجند المغول تطارده ، وانتهی به المطاف إلی إحدى جزر قزوين وقد يئس من الحياة ، بعد أن أضاع المغول ملكه ، وتبددت هيبة دولته التى كانت بالأمس تمدد من غربي الصين شرقًا حتى بلاد فارس غربًا ، وتمنى أن يكون الموت راحة له من شرور الدنيا وآثام المغول ، وكان يقول: ”لم يبق لنا مما ملكناه من أقاليم الأرض قدر ذراعين ، تُحفر فنُقبر ، فما الدنيا لساكنها بدار ، ولا ركوننا إليها سوى انخداع واغترار“ ، وأقام بالجزيرة فى عزلة تامة يتعجل الموت ، ويعانى المرض واليأس والإحباط ، وكان أهل مازندران يخدمونه ، ويقدمون له کل ما یشتهی ، وظل کذلك حتی توفي سنة 617هـ / ۱۲۲۰م.
* جلال الدين منكبرتى على عرش الدولة الخوارزمية:
أوصی السلطان خوارزمشاه قبل وفاته لابنه (أزلاغ) الطفل بتأثیر من أمه ترکان خاتون ، ولکن الأحداث فرضت نفسها علیه ، و عدل عن وصیته ، وعهد لابنه جلال الدین منکبرتی ؛ لأنه خیر من يواجه الأحداث الجسيمة التى تمر بالدولة المنهارة.
ولي جلال الدین منکبرتی السلطنة ، بعد أن سقطت معظم أراضیها فی أیدی المغول ، وفقدت أهم مدنها ، وأخصب أراضيها وممتلكاتها وخصوصًا بلاد ما وراء النهر وإقلیم مازندران ، ومزق الجیش الخوارزمي ، وساح الجند فی الأرض ، وتفرقوا فی البلاد ، وفقدت الدولة ميزانيتها وثرواتها الهائلة ، وأحرقت سجلات الدولة وأوراقها الرسمية ، ومع ذلك بذل جلال الدین منکبرتی کل ما فی استطاعته لاسترداد ملکه السلیب.
* سقوط العراق العجمي فى أيدى المغول:
زحف المغول إلى الري ، وفى الطريق التقوا بالملكة تركان خاتون – أم السلطان علاء الدین – التى غادرت خوارزم علی إثر تهدیدات المغول ، و استصحبت من یمکن من حرم السلطان وصغار أولاده ونفائس خزائنه ، على أن المغول قبضوا عليها ، واستولوا على خزائنها ، وهكذا قضت هذه الملكة أيامها الأخيرة فى أسر المغول.
وجدير بالذكر أن ترکان خاتون کانت ذا مهابة و رأي ، تنظر فی المظالم ، وتحکم فیها بالعدل ، ولها إصلاحات كثيرة ، وكان لها سبعة من مشاهير الكتاب يعملون فى ديوان الإنشاء التابع لها.
باغت المغول الري علی حین غفلة من أهلها ، ونهبوها وملکوها ، و سبوا نساءها ، وقتلوا أطفالها ، ثم غادروها فی طلب السلطان الخوارزمي الجدید ، و عاثوا فی البلاد التی مروا بها نهبًا وفسادًا ، واقتربوا من همذان ، فقدم أهلها للمغول الأموال والهدایا ، حتى كفوا عن ظلمهم ، وسيطر المغول على هذه البلدة ، ثم زحفوا إلى قزوين وبذلك سیطر المغول علی العراق العجمي.
* إعصار المغول يصيب أذربيجان والكرج:
أثار المغول الرعب فی بلاد الدولة الخوارزمیة ، حتی أن اقترابهم من أية بلدة یثیر الرعب والفزع فى النفوس فيهجرون ديارهم ، أو يقدمون فروض الطاعة والولاء للمغول كارهين ، وقد يسر ذلك للمغول السيطرة على بلاد المسلمين ، فالفرقة المكونة من ثلاثين ألف مقاتل اخترقت مساحات شاسعة عامرة بملايين البشر ، ورغم ذلك لم يجرؤ شخص على الاقتراب منهم.
ظل المغول یواصلون زحفهم ، حتی بلغوا تبریز ، وكان يحکمها شيخ بلغ من العمر أرذله ، ولكنه يقضى وقته فى الشراب ، ولا يكاد یفیق منه ( ولعله صورة لحكام المسلمين آنذاك ) ، فلما اقترب المغول من بلاده ، أرسل إلیهم المال والهدایا والثیاب والدواب وصالحهم ، فأعطوه الأمان ، وأبقوه فى ملكه ( مثلما يفعل مغول اليوم مع حكام المسلمين ) ، ثم سار المغول إلى ساحل البحر ، حيث المراعى الوفيرة اللازمة لدوابهم ، و واصل المغول مسيرتهم ودخلوا فى معارك مريرة مع أهل الكرج ، وهزموهم ، وبذلك سيطر المغول على أذربيجان وبلاد الكرج.
* شبح المغول فى خراسان:
شرع جنكيزخان بعد أن امتلك بلاد ما وراء النهر وأذربيجان والكرج والعراق العجمي فی السیطرة علی خراسان و خوارزم ؛ حتى يتم له السيطرة الكاملة على كل بلاد الدولة الخوارزمية ، فأعد جيشين ، الأول عبر جيحون ، وقصد مدينة بلخ ، فطلب أهلها الأمان ، وأمنهم المغول ، ولم يتعرضوا لهم بالقتل والنهب ، ودخلت بلخ فى حوزة المغول ، وعلی إثر ذلك سقطت البلاد الخراسانیة فی أیدی المغول ، البلدة تلو الأخرى.
ثم حاصر المغول مرو ، حتى استسلمت ، ثم أمعنوا فى قتل أهلها ، ونهبوا البلدة ، وضموا إليهم أرباب الحرف والصناعات من سكان مرو ، ثم أحدثوا مذبحة فی أهل البلدة ؛ حتی بلغ عدد القتلی سبعمائة ألف قتیل ، ثم سار المغول إلی نيسابور ، وامتلكوها بعد حصار دام سبعة أيام ، وارتكبوا مع أهلها من الفظائع ما ارتكبوه مع غيرهم ، وأقاموا فى البلدة خمسة عشر يومًا ينهبون ويخربون ، و واصلوا زحفهم حتی استولوا علی طوس ، ثم امتلکوا هراة ، وساروا إلی غزنة ، والتقی المغول مع السلطان جلال الدین منکبرتی فی معرکة حامیة ( كما سنذكر فيما بعد ).
* سقوط مدينة خوارزم:
لقد لقي الجيش المغولي الذى وصل إلى خوارزم مقاومة باسلة من أهلها ، ودارت بين الفريقين معارك ضارية ، وصمد أهل خوارزم لحصار المغول ، الذى دام خمسة أشهر ، وقتل من الفریقین خلق کثیر ، وضعف المغول حتی أرسلوا إلی جنکیز خان ، یطلبون منه مددًا فأمدهم بجیش کبیر ، مکنهم من الاستیلاء علی خوارزم بعد عناء.
وبعد أن امتلك المغول خوارزم بعد هذا الجهد الشاق والتضحيات الهائلة ، انتقم المغول من أهالى خوارزم ، فقتلوهم ونهبوا البلدة ، ولم يكتفوا بذلك ، بل فتحوا ماء جیحون علی خوارزم فغرقت ، وهدمت البيوت والدور ، ولم يسلم من البلدة أحد فمن اختفى من النار ، أغرقته المياه ، ومن سلم من ماء قتله الهدم ، وأصبح البلد خرابًا يبابًا ، كأن لم تغن بالأمس.
* صحوة الدولة الخوارزمية:
على الرغم من أن الدولة الخوارزمية فقدت معظم ممتلكاتها ومُزق جیشها ، وشُشت شمله ، ونُهبت خزانة الدولة ، إلا أن السلطان الشجاع جلال الدين منكبرتى ، لم تضعف عزیمته ، ولكنه اعتزم استرداد ملکه السلیب ، مهما کانت التضحیات ، ونظم جیشًا قوامه ستون ألف جندي ، وقد أزعج ذلك جنکیز خان ، و رأی ضرورة التخلص من خصمه ، فأرسل جنکیز خان جیشًا إلی غزنة اشتبك مع الجیش الخوارزمي بقیادة خوارزمشاه فى معركة حامية الوطيس نصر الله فيها المسلمين ، وهُزم المغول شر هزيمة ، وقتل المسلمون من المغول الكثير ، فكان لهذا النصر أثر كبير فى رفع الروح المعنوية للمسلمين الذين عانوا من هزائم المغول ، وعاشوا فى يأس وقنوط ، وانتعش المسلمون وعمهم الفرح والسرور ، وثار أهل هراة وقتلوا واليهم المغولي ، وتطلع الناس إلى جلال الدين منكبرتي ؛ لتخليصهم مما يعانونه من بؤس وذل وهوان فى ظل حكامهم المغول.
* تحالف المسلمين ضد المغول:
جهز جنكيز خان جيشًا كثيفًا للانتقام من جلال الدين منكبرتي ، فتحالف مع جلال الدين سيف الدين بغراق أحد أمراء الهند ، وكان جيشه يتكون من الرماة المحترفين ، فالتقت جيوش المغول مع جيوش المسلمين قرب كابل (فى أفغانستان) ، فانتصر المسلمون نصرًا مؤزرًا ، وقٌتل من المغول الكثير ، واسترد المسلمون أسراهم ، وحصلوا على مغانم كثيرة ، ولكن كان لتلك المغانم أثر سيء على الدولة الخوارزمية ، بل أثر سيء على الأمة الإسلامية كلها فيما بعد.