المُكاء مُخففُ الصَّفِير، والفعلُ منه : مَكا الإِنسان يَمْكُو مَكْواً ومُكاء صَفَرَ بفِيه. والتَّصْدِيَة التصفيقُ بالأيدي، وهو من الصَّدَى وهو الصَّوْتُ الذي يَرُدُّهُ عليكَ الجَبَلُ. والمُكاءُ والتَّصْديَة لَيْسَا بصَلاةٍ، ولكنّ العُراةَ الطّائفينَ جعلوا مكانَ الصَّلاةِ الَّتي أُمِروا بها المُكاءَ والتَّصْدِيَةَ. لقَد كانَ الصفيرُ والتصديَةُ علامةً على الصلاةِ أو نوعاً من العبادَة مقترنةً بالطوافِ والتّجرُّدِ من الثّيابِ، وهي صفةٌ مذمومةٌ ذمّها القُرآن الكريمُ: «وما كان صلاتُهم عندَ البيت إِلا مُكاءً وتَصْدِيَةً» أي كانَت صلاتُهم الصفير والتصفيق، في حالةِ العُريِ والتّجرّد التّامّ من السّتر. ثمّ تطوَّرَ الأمرُ بعدَ ذلِكَ فأصبَحَ الصّفيرُ فعلاً من أفعالِ الكلاّبينَ أي أصحابِ الكلابِ في الصيدِ، يصفرون للكلاب علامةً على المُناداة ولفت الانتباه، قال الشاعرُ يصفُ مفازةً :
كأَنَّ تَجاوُبَ أَصْدائها ... مُكاءُ المُكَلِّبِ يَدْعُو الكَلِيبَا
فتلك علامةٌ ذاتُ دلالةٍ سيميائيّةٍ مقترنةٍ بثقافةٍ معيّنة، أو طُقوسٍ معيّنةٍ، ثمّ تطوَّرَت فأصبحَت صوتاً لنداءِ الكلابِ في الصّيدِ؛ أمّا اليومَ فَقَدْ تطوّرَ المكاءُ والتصديةُ تطوّراً مختلفاً وفَقَدا دلالاتَيْهما القَديمَة وأصبَحا مُستساغَيْنِ إذ يُعبِّرُ بهما إنسانُ اليوم عن الإعجابِ النّفسيّ بالمشهَد الذي يَراه ، مهما تكن مَقاييس ذلك المشهَد وقيمتُه العلميّةُ أو العقليّةُ أو الثقافيّةُ فقَد تغيرَ السياقُ الثّقافيّ والاجتماعيّ. ولكن هل ظلَّ للمُكاء والتّصدية بعضُ الدّلالات القديمَة تُرافقُهما ولا تنفكّ عنهُما ؟؟؟