لماذا اجتاح المغول أوروبا؟ وماذا فعلوا فيها من فظائع؟
بعد وفاة جنكيز خان ، خلفه ابنه أوجتاي ، فتخلص من فلول الخوارزميين وتعقب جلال الدين منكبرتى حتى تم قتله ، فلماذا غير وجهته نحو أوروبا؟ وما العوامل التى أدت إلى هزيمة المغول لجميع شعوب أوروبا وجيوشها؟ وكيف ولماذا توقف زحف المغول على القارة الأوروبية؟
بوفاة جنكيز خان ، انتهت موجة الاجتياح الأولى للمغول ، التى امتلكوا بسببها بلاد تركستان وبلاد فارس ، وأسقطوا الدولة الخوارزمية ، وتم قتل جلال الدين آخر ملوكها ، ثم صار أوجتاي خاقان إمبراطورية المغول ، فغير وجهة جيوشه نحو بلاد الروس وبلاد المجر والبلغار وبولندا وغيرها من نواحى أوروبا ، تعالوا لنتناول بشيء من التفصيل ما أقامه المغول من مذابح عظيمة فى بلاد أوروبا ، وانتصاراتهم المتتالية على جيوش أوروبا فى عهد خلفاء جنكيز خان.
* توطيد أركان الإمبراطورية:
كان أول ما قام به المغول فى عهد إمبراطورهم الجديد أن تعقبوا البقية الباقية من إمبراطورية الصين الشمالية ، ثم أرسل أوجتاي إلى جلال الدين قوة من ثلثمائة ألف مقاتل انتهت مهمتها بمقتل جلال الدين على يد أحد الأكراد ( كما ذكرنا ) ، واندفع المغول بعدها فاحتلوا ديار بكر وأربيل وأذربيجان وبلاد الكرج وأرمينية مرتكبين أقصى الفظائع وأشدها هولاً ، وبذلك دقت جيوش المغول أبواب أوروبا.
* سيول المغول تتدفق على بلاد الروس:
وجه أوجتاي ثلاثة جيوش فى نواح مختلفة ، أحدها إلى كوريا ، وأخرى إلى مملكة الصين الجنوبية ، والأخيرة إلى أوروبا ، وقد ولى الجيش الأخير ابن أخيه الأكبر ( باتو بن جوجي ) ، فذهبت سيول المغول ، وسقطت أمامهم بلغاريا ، ثم توجهوا صوب بلاد الروس ، وحاصروا مدينة ريازان ، ثم استولوا عليها ، فذبحوا أميرها وأمه و زوجته وأولاده وحاشيته وجميع سكان المدينة دون اعتبار لجنس أو لسن ، فمات البعض بالخوازيق ، والبعض الآخر تم قتله بالسهام لمجرد التسلية ، وسلخ آخرون أو وضعت تحت أظافرهم المسامير أو شظايا الخشب ، أما القسيسون فتم حرقهم أحياء ، واختطفت الراهبات من الكنيسة ؛ حتى لم تبق عين لتبكى على الأموات.
ثم قصد المغول موسكو واجتاحوها ، كما اجتاحوا سائر مدن الروس ، وقد إحدى المدن لقوة من قوات المغول ، فثأر المغول منها ، وأحلوا بأهلها كل أنواع التعذيب ، وأتوا من الفظائع ما تقشعر له الأبدان ، حتى عرفت تلك المدينة بمدينة الويل والثبور ، وعلى إثر ذلك الانتصار تقدم المغول نحو كييف حاضرة الروس آنذاك ، واستولوا عليها عنوة وسحقوا المدينة حتى أصبحت أثرًا بعد عين.
* المغول ينساحون فى أوروبا:
بعد أن ترك المغول بلاد الروس وهي خاوية على عروشها ، انقسم جيشهم إلى فريقين ، أحدهما بقيادة (باتو) ، وقد كانت وجهته بلاد المجر ، فتقدم نحو مدينة بست دون أن يلقى أي مقاومة فى طريقه ، فاحتشدت فيها جميع القوى المجرية ، فانقض عليهم جيش باتو وأوقع بهم ، وأتى عليهم جميعًا ذبحًا وقتلاً ، حتى امتلأ الطريق بأشلاء القتلى على مسيرة يومين ، ولم يُنقذ الملك من الموت إلا لخفة فرسه وسرعته ، فاتبعه نفر من المغول واقتفوا أثره ، مخربين ومدمرين كل ما وجدوه فى طريقهم ، ومن ثم استولى باتو على مدينة بست.
أما القسم الآخر من الجيش المغولي ، فقد كانت وجهته بولندا وألمانيا ، وقد اشعل المغول النيران فى كل مدن بولندا التى اجتاحوها ، ولكنه لم يكمل ما كان فيه من إجرام ؛ لوفاة أوجتاي خاقان المغول بسبب إسرافه فى شرب الخمر ، فتوقف زحف المغول على أوروبا.
* أسباب توقف الزحف المغولي:
وصلت حدود دولة المغول من كوريا شرقًا إلى بولندا غربًا ، ومن سيبيريا شمالاً إلى بحر الصين جنوبًا ، وهو اتساع رهيب فى وقت محدود ، وأصبحت قوة المغول هي القوة الأولى فى العالم بلاد منازع ، وقد تولى قيادة المغول بعد ( أوكتاي ) ابنه ( كيوك ) ، وقد كان يرى تثبيت الأقدام فى البلدان التى اجتاحها المغول بدلاً من إضافة بلاد جديدة قد لا يقوى المغول على حفظ النظام بها ، والسيطرة على شعوبها وجيوشها ، ومن ثم توقف الاجتياح المغولي فى عهد كيوك.
لقد ابتلع المغول فى اجتياحاتهم السابقة النصف الشرقي للأمة المسلمة ، وقضوا على كل مظاهر الحضارة فى تلك المناطق ، كما قضوا تمامًا على أي نوع من المقاومة ، وظل الوضع كذلك طيلة عهد كيوك ، أما القسم الأوسط من العالم الإسلامي ، فقد انشغل أهله بالصراعات الداخلية فيما بينهم ، وازداد تفككهم بصورة كبيرة ، وكذلك كان غرب العالم الإسلامي بعد سقوط دولة الموحدين.
وكما عانى المسلمون وذاقوا من ويلات المغول عانى كذلك النصارى الأوربيون ، فذبح منهم ملايين البشر ، ودمرت كنائسهم ، وأحرقت مدنهم ، وكاد المغول أن يصلوا إلى عقر الكاثوليكية فى روما ، و بالرغم من الصدمات التى تلقتها أوروبا على أيدى المغول ، إلا أن أوروبا استمرت فى تجهيز الحملات لغزو المسلمين فى مصر والشام ، بدلا من تكثيف الجهود لصد المغول ، وفى ذات الوقت فإن حكام أوروبا الغربية ما يئسوا من إمكانية التعاون مع المغول لسحق الأمة الإسلامية ، وقد ساعدهم على ذلك النساء النصرانيات التى أخذها المغول سبايا ، فما لبثت النصرانية أن تغلغلت بعض الشيء إلى البلاط المغولي ، حتى كانت زوجة هولاكو نصرانية.
* مجاهدون فى الخفاء:
خلف أوجتاي ابنه كيوك ، الذى طالما أوغر البوذيون صدره ضد المسلمين ، وحملوه على اضطهادهم ، وكان فى إحدى البلاد الخاضعة للمغول أحد الأئمة الذين اشتهروا بالعلم والورع بين المسلمين ، وهو نور الدين الخوارزمي ، وقد التمس من كيوك بعض المسيحيين والبوذيين أن يستدعي ذلك الإمام ليناظروه ويحاجوه ، طالبين منه إقامة الحجة على الدين الإسلامي ، وإلا كان مصيره القتل.
أرسل الخان الكبير فى طلب الإمام ، وطرحت على بساط المناقشة مسألة صحة دعوة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، ولما كانت أدلة هؤلاء ضعيفة خالية من كل وسائل الإقناع ، نفضوا أيديهم من تلك المساجلة بالحجج ولجأوا إلى طرق العنف ، وسألوا كيوك أن يأمر هذا الإمام الصلاة وفق الأحكام الإسلامية ؛ حتى تتبين أمامهم وأمام الخان حركات عبادة المسلمين غير المتحملة – فى نظرهم – ، فأمر كيوك ذلك الإمام ومن معه بالصلاة ، فلما خروا على الأرض سجدًا ، قام بعض الكفار وأهانوهم وأخذوا يضربون الأرض برؤوسهم ، واقترفوا معهم بعض الأعمال المخزية.
على أن الإمام ومن معه لم يأبهوا لكل هذا ، واستمروا فى صلاتهم دون انقطاع ، ولما انتهى الإمام من صلاته وسلم ، رأفع رأسه نحو السماء قائلاً: ”وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ“.
ثم طلب كيوك أن يؤذن له بالانصراف ، وعاد الإمام ومن معه إلى ديارهم.
وبالرغم من هذه المصاعب ، أذعن – فيما بعد – المغول والقبائل الهمجية ، فكان لا بد أن يكون هناك كثيرون من أنصار الإسلام قد انتشروا فى طول إمبراطورية المغول وعرضها ، مجاهدين فى طي الخفاء لجذب هؤلاء الكفار إلى حظيرة الإسلام.
* التآمر ضد المسلمين:
فى السبع سنوات التى حكم فيها ( كيوك ) المغول ، لم يدخل المغول بلادًا جديدة ، وكانت فترته فترة هدوء نسبي لإمبراطورية المغول ، وإن كانت المناطق المنكوبة ما زالت تعانى من ظلم وبشاعة المغول ، وقد تجددت آمال أوروبا فى التعاون مع المغول ضد المسلمين ، فأرسل البابا سفارة إلى منغوليا يدعو إمبراطور المغول إلى دخول النصرانية ، وتوحيد الجهود ضد المسلمين ، لكن ( كيوك ) رفض ذلك إلا بعد مثول ملوك أوروبا الغربية كلهم أمامه وإعلان الولاء والطاعة ، وبالطبع رفض ملوك أوروبا ذلك.
ثم أرسل ملك فرنسا لويس التاسع سفارة أخرى إلى منغوليا يطلب مساعدة المغول فى حملته على مصر ، ولكن السفارة وصلت حين وفاة ( كيوك ) وباءت بالفشل لحدوث اضطراب فى حكم الإمبراطورية.
* اضطراب فى إمبراطورية الغاب:
بعد حكم دام سبعة أعوام توفي ( كيوك ) مخلفًا ثلاثة من الأولاد الصغار الذين لا يصلحون للحكم ، فتولت أرملته الوصاية عليهم ثلاث سنوات ، لكن المغول لم يستطيعوا قبول امرأة كملكة عليهم ، ومن ثم اجتمعوا وقرروا أن يكون ( منكوخان بن تولوي بن جنكيزخان ) زعيمًا للمغول ، وقد كانت سياسة الإمبراطور الجديد متطابقة مع سياسة جده جنكيزخان ، فلقد كانت أيام حكمه فترة عصيبة على الإسلام والمسلمين ، ومدججة بالأحداث التى اهتزت لها الأرض ، وخال المسلمون أن الساعة لا بد أنها قد قامت فى عهد ذلك الإمبراطور ، وصار الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد.