كيف كانت نهاية البطل الثوري “ جيفارا “ ؟
جيفارا … ذلك الاسم الذي يعرفه جميع الثوريون والاشتراكيون في العالم ، هذا الرجل كانت أحلامه وطموحاته أكبر بكثير من تحقيق ثورة أو مساواة أو عدالة اجتماعية في بلد ما، هذا الرجل كان يبحث عن حياة كريمة لكل إنسان يحيا على وجه البسيطة …. تابعوا معنا قصة المناضل العظيم ”جيفارا“
اسمه الحقيقي “ أرنستو تشي جيفارا “ ولد في الأرجنتين عام 1928 ، وكان مصاباً بالربو وهو طفل ولازمه المرض حتى وفاته ، ألتحق بكلية الطب في جامعة “ بيونس أيرس “ وتخرج منها سنة 1953، ثم طاف دول أمريكا اللاتينية على متن دراجة نارية بصحبة أحد أصدقاءه ، ورأى جيفارا حجم الفقر والظلم الواقع على الفلاحين والمزارعين في مختلف جنبات البلاد ، فقرر منذ تلك اللحظة تخليه عن حلم حياته في أن يصبح طبيباً ، ليتخذ قراره بأن يصير إنسان ثوري يقف ضد الظلم والطغيان .
وجد جيفارا ضالته في بعض الرفقاء الكوبيين الذين يؤمنون بمبادئ الشيوعية حين ألتقوا به في مدينة “ نيو مكسيكو ” ، وشكلوا سوياً خلية أولية عرفت باسم ”حركة 26 يوليو“ من أجل الإطاحة بحكم الرئيس ”باتيستا“ ، وبالفعل نجحوا في مخططهم، وبعد موجة من التظاهرات والإضرابات وفي الأول من يناير/ كانون ثان لعام 1959 يضطر الرئيس “ باتيستا “ للهرب إلي البرتغال وقد اختارها أن تكون منفى له، ثم يتقلد منصب الرئيس خلفاً له شخصيات نافذة بالحركة المفجرة للثورة، واحتفظ ”فيدل كاسترو“ بمنصب رئيس الوزراء واختار جيفارا ليكون شريكاً فاعلاً في الحكومة الجديدة، ليتقلد بعدها “ تشي جيفارا “ عدة مناصب فكان مديراً لمكتب الحزب الشيوعي ورئيس تنفيذي للقوات المسلحة وفوق ذلك كان وزيراً للصناعة .
وبالرغم من أن كوبا ليست موطنه الذي ولد فيه إلا أن جيفارا قدم لها الكثير وبذل كل ما في جهده وعرقه وكده ولم يضن عليها بشيء، فكان يعمل ليلاً ونهاراً كي يرتقي بها، حتى أنه كان يُقارن بين النهضة الصناعية الصاعدة في كوبا ومثيلتها في الصين الشعبية، وكذلك كان ممثلاً دبلوماسياً لكوبا في عدة محافل دولية، وكان لا يعترف بقواعد الدبلوماسية وأدبيات الحوار، فكان يشن هجوماً على كل الأعداء حتى منظمة الأمم المتحدة لم تسلم من انتقاداته اللاذعة، وأن دورها غير فعَّال خاصة في مواجهة الدول الاستعمارية، وكذلك أيضاً وجه جيفارا انتقاداته للاتحاد السوفيتي ــ أقوى شريك وداعم للثورة الكوبية ــ وطالبه بتقديم الدعم للدول التي تتبع النموذج الشيوعي الاشتراكي دون قيد أو شرط، كل هذه الأفعال وغيرها جعلت ”كاسترو“ يضيق ذرعاً من تصرفات صديقه “ جيفارا ”، الذي لاحظ ذلك وقلل من ظهوره على العلن وغاب عن المناسبات الوطنية ليختفي بعدها تماماً، حتى أُشيع بأنه قد اغتيل .
اختفاء جيفارا …
ظل جيفارا مختفياً عن الأنظار لا يعلم أحد مكانه أو سر اختفاءه ، وأرسل رسالة لصديقه ”فيدل كاسترو“ كان فحواها : “ بأنه قد أدى واجبه تماماً تجاه الثورة الكوبية وأنه أصبح في حلٍ منها، وقدم استقالته من كافة المناصب القيادية والشرفية وتخلى عن الجنسية الكوبية … واختتمها بوداع لرفقاء الثورة وتحية للشعب الكوبي “ .
لاحقاً أذاع كاسترو هذه الرسالة على جموع الشعب ، حتى يطمئنوا على بطلهم “ جيفارا “ … الذين لم يكونوا يعلموا أين هي وجهته الآن ؟
إلا أنه في نهاية شهر مارس عام 1965 كان “ أرنستو تشي جيفارا “ قد قرر أن يترك منصبه كوزير للصناعة في دولة كوبا ، وأن يتجه نحو الكفاح الثوري في أرض جديدة تكون حُبلى بالثورة ، حتى يُصدَّر الثورة الكوبية التي نجحت وكان هو أحد أركانها ، لكن جيفارا تجاهل أو جهل أن كل ثورة كي تندلع وتنفجر لابد لها من مقومات ورجال مخلصين يسعون لنيل الحرية والكرامة والرغبة في العيش الكريم متناسين أهدافهم الشخصية .
ولكن هذا لم يجده جيفارا عندما وطئت قدمه الكونغو ، وحاول بشتى السبل أن يستنهض الهمم الراكدة ، في محاولة منه للإطاحة بنظام ”موبوتو سيسيكو “ الذي أنقلب على حكم أول رئيس شرعي للبلاد بعد الاستقلال عن بلجيكا، وكان ذلك بمعاونة أمريكا بهدف وقف المد الشيوعي في دول أفريقيا، إلا أن ذلك لم ينجح بسبب الدعم الأمريكي ومعاونة ومساعدة الاستخبارات الأمريكية لحكم “ سيسيكو “ .
بوليفيا … آخر محطات جيفارا
وبعد فشل خطته لإشعال الثورة في الكونغو، ظل جيفارا فترة في حيرة من أمره هل يعود إلي هافانا، كيف ذلك وقد أذاع رفيقه رسالة الوداع على الملأ، ولكنه ظل فترة متخفياً عن الأنظار متنقلاً بين عدة دول “ دار السلام ، براغ ، موزمبيق “ ثم قرر في النهاية الانتقال إلي ”بوليفيا“ عسى أن يجد هناك من يؤازره ضد حكومة الرئيس ”رينيه باريينتوس“، خاصة وأنه يعلم جيداً أن الجيش البوليفي إمكانيته التدريبية والقتالية ضعيفة ولن يستطيع مقاومته في منطقة الغابات، وبالفعل لجأ جيفارا إلي منطقة الغابات وبالتحديد وادي ”بنانكا هوازو“ ، وكانت منطقة جبلية شديدة الخطورة ، وكان بصحبته خمسين جندياً هم نواة الثورة ، ومنها بدأ يشن هجماته على معسكرات الجيش ويوقع فيهم إصابات وقتلى ، وظن جيفارا أن الثوار ومعارضي حكم الرئيس سينضمون له ويكونوا جبهة قتال قوية ضده، ولكن أمله قد خاب حتى الحزب الشيوعي تخلى عنه وكذلك فعل صديقه “ فيدل كاسترو “ حيث انقطعت بينهم الاتصالات، وعندما علمت الولايات المتحدة بمكان اختفاؤه، تدخلت وبدأت في إرسال وكلاء الاستخبارات الأمريكية لتعقب تشي جيفارا ومحاولة إفشاله بشتى الطرق ، وقامت بتدريب بعض القوات البوليفية وشاركت معهم في البحث .
أدرك جيفارا أنه لا يحارب الجيش البوليفي وحده بل تسانده قوات الكوماندوز المدربة على الحرب في الأدغال، حينها أدرك أن الموت سيكون مصيره، وغضب الرئيس “ رينيه باريينتوس “ من فكرة جيفارا وعمله للإطاحة به من على كرسيه ، فسخـَّر كل الإمكانات خوفاً من تكرار النجاح لتجربته كما حدث في كوبا .
وعن طريق أحد الوشاة المحليين الذي استطاع الاتصال برجال ( السي أي إيه ) وأخبرهم بمكان اختفاء جيفارا ورفاقه المقاتلين حيث كانوا يختبئون بوادي ”جورو“ ، وبالفعل تم وضع خطة محكمة وتم سد جميع المنافذ ضد هروب جيفارا ، وكان تعداد هذه القوات يفوق الـ 1500 جندي، فلم يجد جيفارا إلا أن يقسم رجاله إلي فريقين بهدف القتال على جبهتين، وقاتلوا بشراسة وبسالة منقطعة النظير برغم حالة الإعياء والجوع التي كانت مسيطرة عليهم، حتى فنيت ذخيرتهم وقتلوا جميعاً عدا ستة منهم وأصيب جيفارا بطلقات في قدمه ، فاضطر للاستسلام هو ومن بقي من رفاقه وكان ذلك يوم السابع من أكتوبر/تشرين أول عام 1967، ثم أذيع الخبر وتم اقتياده إلي إحدى المدارس المهجورة في منطقة ”لا هيجويرا“ وكانت سعادة وفرحة الجنود البوليفيين بهذا الانتصار لا توصف، حتى أنهم ظلوا يشربوا ويسكروا طيلة الليل فرحاً وابتهاجاً بما سينالونه من عطايا أمام هذا الصيد الثمين، وكان جيفارا رجلاً قوياً عنيداً فبالرغم من حالته المزرية المثيرة للشفقة وقواه المنهكة، إلا أنه كان كالأسد الجريح يرفض الذل والخنوع لدرجة أنه ركل أحد الضباط البوليفيين بقدمه فألصقه بالحائط حينما فكر بالتطاول عليه وانتزاع غليونه من يده، وظل جيفارا طيلة يوم ونصف يرفض الإجابة على استجوابات الضباط البوليفيين، حتى جاء اليوم الثالث يوم التاسع من أكتوبر وكانت الخطة تقضي بأن يتم تسليم جيفارا للاستخبارات الأمريكية إلا أن الأوامر صدرت من الرئيس “ رينيه باريينتوس “ بضرورة قتلة رمياً بالرصاص ولكن بإصابات غير قاتلة حتى تطول فترة احتضاره، وبالفعل دخل عليه الجندي “ ماريو تيران “ وكان مخموراً من ليلة أمس وبعد حوار بينه وبين جيفارا أطلق عليه عدة طلقات لكنها لم تكن قاتلة، حتى عاد مرة أخرى وأطلق عليه عدة طلقات نفذت إحداها في صدره والأخرى في رقبته ، ليتم نقل الجثمان جوا إلي مستشفى ”نستورا لاسينيورا“ ليجري تشريحه وقاموا ببتر يده ليسلموها للـ ( سي آي إيه ) للتأكد من وفاته ومطابقة بصماته، وأثناء تشريحه ألتقطوا له عدة صور حتى يقطعوا الشك باليقين ويذيعوها عبر الإعلام، ورفضت السلطات البوليفية تسليم الجثة لأخيه، وكانت تفكر في حرقها أو دفنها في مكان غير معلوم، حتى لا يتخذها أنصار الثورة الاشتراكية مزاراً لهم في يوم من الأيام .
وبالفعل دفنوه في مكان بجوار مطار ”فاللينجراند“ ، وتم الاستدلال على مكانه بعد رحلة بحث وتنقيب حتى عثروا على رفاته عام 1997، لتنقل بعدها إلي مدينة“ سانتا كلارا “ بكوبا ، ويحظى بجنازة عسكرية وتكريم لائق له ولرفقائه ويقام له ضريح يليق باسم ونضال بطل ثوري اسمه أرنسيتو تشي جيفارا
جيفارا … ذلك الاسم الذي يعرفه جميع الثوار على مستوى العالم كنموذج حي وقلب نابض وروح حماسية متقدة ضد الظلم والطغيان والرغبة في إقامة العدل والمساواة على رحاب الأرض، أنه جيفارا الذي أراد أن يضع حداً للرأسمالية المتسلطة والنفوذ الأمريكي المهيمن على بلاد العالم، جيفارا الذي غيرت مآسي الرفقاء من البشر طريق حياته ، ليجد نفسه مطلوباً ومطارداً ومتهماً ….
جيفارا قديس مات من أجل إسعاد البشرية .