أصبح الآباء يشاركون أطفالهم المزيد عن حياتهم أثناء أزمة كورونا .
تنمو العلاقات القوية مع أطفالنا في المساحة التي نعيش فيها معهم، نلعب ونضحك ونبني ونختلف ونتفاهم، ولا يوجد بديل لذلك، ربما افتقد الآباء تلك المشاعر بسبب ضغوط العمل والأعباء اليومية، لكن من مميزات أزمة كورنا (كوفيد-19) أنها ساهمت بقوة في إيجاد الوقت لبقاء الآباء في هذه المساحة المهملة لسبب أو لآخر.
يروي دكتور كايل بروت، أستاذ الطب النفسي للأطفال في كلية ييل للطب، قصة حقيقية تعرض لها أثناء قيامه بفحص إحدى مريضاته، يقول في مقال له على موقع سيكولوجي توداي Psychologytoday، إنه "في فحص طبي حديث مع مريضة تبلغ من العمر 6 سنوات ووالدها، سألتها عما إذا كانت تفتقد الذهاب إلى المدرسة، فقالت "أريد حقا العودة إلى المدرسة، لكنني لا أريد أن يعود والدي إلى العمل".
وعندما سألها والدها عن السبب، التفتت إليه وقالت "الآن أنا أعرف دائما مكانك. يعجبني عندما تكون في المنزل لمساعدتي واللعب معي. سيتوقف ذلك إذا عدت إلى العمل".
يقول دكتور بروت إنه "من خلال القصص المتناقلة خلال فترة الوباء رأيت العديد من العائلات التي لديها آباء أصبحوا أقرب إلى أطفالهم الآن مما كانوا عليه قبل ٥ أشهر، والأمهات وأطفالهن سعداء لشعورهم بهذه الطريقة".

ليست قصص منفردة
ولكن هذه ليست مجرد قصص منفردة، ففي دراسة حديثة بجامعة هارفارد، ومن خلال استبيانين عبر الإنترنت لأكثر من 1300 ولي أمر، وجدت أن 68% من الآباء يشعرون بأنهم أقرب إلى أطفالهم منذ الوباء، وأن أقل من 2% يشعرون بأنهم أقل قربا. وذلك بغض النظر عن الطبقة أو العرق أو الانتماء السياسي أو التعليم.
وفقا للتقرير فإن الكثير من الآباء لديهم مشاركة قليلة في حياة أطفالهم، خصوصا خلال السنوات الـ٥٠ سنة الماضية، ورغم دخول المرأة مجال القوى العاملة بقوة فإنه لا يزال يقع عليها العبء الأكبر في تربية الأبناء مقارنة بالآباء.
قد يكون وقت الآباء الذي يقضونه مع أطفالهم محدود للغاية لأسباب عدة، بما في ذلك متطلبات العمل. وقد يفتقر بعض الآباء أيضا للدافع أو الثقة للمشاركة في جوانب معينة من تربية الأطفال.

عند عودتك من العمل أخبر طفلك أنك موجود الآن بالمنزل في حال كان يحتاج مساعدتك .

كيف يشعر الآباء بالتقارب؟
في تعمق أكثر بالدراسة، أراد الباحثون معرفة كيف يشعر الآباء بالتقارب مع أطفالهم، لذلك أجروا مسحا آخر، وتوصلوا إلى أن الآباء أصبحوا يجرون مع أبنائهم محادثات ذات مغزى أكبر، خاصة حول الأشياء التي تهمهم، وبالتالي تم اكتشاف اهتمامات جديدة ومشتركة.
كما أتيحت للآباء الفرصة ليتعرفوا على أطفالهم بشكل أفضل كأشخاص ويقدرونهم بصورة أفضل، وأصبحوا يشاركون أطفالهم المزيد عن حياتهم ووجهات نظرهم ومشاعرهم.
وجاءت النسب في الدراسة كما يلي:
أفاد 57% من الآباء بأنهم أصبحوا يقدرون أطفالهم أكثر.
أفاد 54% من الآباء بأنهم أصبحوا يولون المزيد من الاهتمام لمشاعر أطفالهم.
أفاد 52% من الآباء بأن أطفالهم أصبحوا يتحدثون إليهم كثيرا عن "أشياء أكثر أهمية بالنسبة لهم".
أفاد 51% بأنهم يقومون بمزيد من الأنشطة بناء على اهتمامات أطفالهم.

خطوات لضمان الاستمرارية
لضمان استمرار هذا التقارب الأبوي مع الأبناء، حتى بعد أن ينتهي العلماء من التوصل إلى اللقاح الذي طال انتظاره لكوفيد-19، وعودة الحياة إلى طبيعتها وانشغال الآباء التام وعودتهم إلى عملهم، يقدم دكتور بروت بعض الاقتراحات:
  • أنشئ عادات ونظاما تقوم فيه بأنشطة مختلفة مع أطفالك، ثم تابعها حتى بعد عودتك إلى العمل بشكل كامل.
  • حافظ على وجود حوار طويل مع طفلك تتحدث فيه عن أخباره وتتابع معه همومه الصغيرة وتحاول أن تساعده بالشكل الذي يرغب فيه، كما يفضل إجراء محادثة بسيطة هادئة ومحبة وقت استيقاظه أو قبل النوم.
  • عند عودتك من العمل، أخبر طفلك أنك موجود الآن بالمنزل في حال كان يحتاج مساعدتك في الانتهاء من أمر ما.
  • أغلق جهاز الحاسوب الخاص بك في أيام الإجازات وابحث عن أماكن مختلفة لتصطحب ابنك إليها.
  • استفد من الفهم الحقيقي لما يحتاجه طفلك للتأديب بطريقة هادئة وموثوقة -يكتسب الآباء هذا الفهم من خلال البقاء مع الأبناء- فاستخدام طريقة جيدة لتأديب الأبناء يكسبك احترام أطفالك وزوجتك.
  • مارس معهم ألعاب كثيرة ومختلفة مثل لعبة الألغاز والكلمات المتقاطعة والألعاب الجديدة التي يتعلمها كل منكما من الآخر.
  • اضرب عصفورين بحجر واحد، وادخل المطبخ مع طفلك لتجهيز وجبة شهية ولا تنقطعا عن اللعب والحديث خلال هذا الوقت، وامنحا الأم وقتا للراحة أو لإنجاز أمر آخر عليها القيام به.
  • وأخيرا، اعترف لنفسك بمدى ثراء الأبوة النشطة وكونها نعمة على صحتك وصحة أبنائك العاطفية والعقلية والجسدية.