كيف نشأت المملكة المتحدة ؟
المملكة المتحدة كثيراً ما يحدث بينها خلط وبين بريطانيا العظمى من ناحية وبينهما وبين إنجلترا من ناحية أخرى … لذا سنتعرف من خلال هذا المقال على تاريخ نشأة المملكة المتحدة وأبرز المراحل التي مر بها هذا الاتحاد حتى عصرنا هذا
المملكة المتحدة … كيف نشأت
تـقع المملكة المتحدة شمالي غرب قارة أوربا ، وهي بالأصل جزيرة منفصلة جغرافياً عن القارة الأوربية ، حيث يفصل بينهما بحر المانش أو ما يعرف بالقنال الإنجليزي ويحدها شمالاً بحر الشمال ومن الغرب المحيط الأطلسي ، والمملكة المتحدة تضم أربع دول تحت شرف التاج البريطاني وهي ( إنجلترا وعاصمتها لندن، وويلز وعاصمتها كارديف ، واسكتلندا وعاصمتها أدنبرة وإيرلندا الشمالية وعاصمتها بلفاست ) ، وكل دولة منها تتمتع بحكم ذاتي مستقل إلا أنها تتبع المملكة المتحدة في التمثيل الدبلوماسي الخارجي ، ويتبع المملكة المتحدة أكثر من 1000 جزيرة منها ما هو واقع داخل المياه الإقليمية وتعرف باسم “ جزر الأرخبيل“ وأشهرها جزر شتلاند ، ومنها ما هو يبعد عنها آلاف الكيلومترات وتعرف باسم ”أقاليم ما وراء البحار“ وأشهرها جزر كايمان وجزر العذراء في البحر الكاريبي وجزر فوكلاند التي تقع قبالة سواحل الأرجنتين وجزيرة سانت هيلانا ــ التي نفي إليها نابليون بونابرت ومات ودفن على أرضها ــ ، وبالرغم من أن معظم هذه الجزر تتمتع بحكم شبه ذاتي إلا أنها تتبع التاج الملكي البريطاني خاصة في النواحي الدفاعية .
تحظى المملكة المتحدة بمقعد دائم لدى مجلس الأمن الدولي وهي عضو مؤسس في حلف الناتو، وتعد لندن عاصمة إنجلترا عاصمة للمملكة المتحدة ويقع بها مقر البرلمان أو ما يعرف بـ ”قصر وستمنستر“ حيث يتكون البرلمان من مجلس العموم المنتخب من قبل الشعب ومجلس اللوردات المعين من قبل الملكة، وأقوى الأحزاب السياسية المسيطرة على الساحة البريطانية هي (حزب العمال وحزب المحافظين وحزب الديمقراطيين الليبراليين ) ويتم اختيار مجلس الوزراء من قبل أعضاء البرلمان ويتم تعيينه بعد موافقة الملكة ، والعملة الرسمية للمملكة المتحدة هي الجنيه الاسترليني أو ما يعرف بالباوند الذي يحل كـثالـث أكبر احتياطي عملات في العالم بعد الدولار واليورو .
يعود تاريخ نشأة المملكة المتحدة إلي نشأة مملكة إنجلترا وذلك عام 1066 م، حين قام الملك ”وليم الفاتح“ ملك نورمندي بمحاربة الجيش الأنجلوساكسوني وانتصر عليه ، لتصبح إنجلترا تابعة لملكه وينشر بها النظام الإقطاعي القائم على تملك فئة قليلة للأراضي ويعمل تحت إمرتهم العديد من الفلاحين والعبيد وكانت تلك الأراضي من نصيب معاونيه ورجاله المخلصين الذين مكنوه من تحقيق النصر، وتعاقب على حكم المملكة المتحدة العديد من الأسر الملكية والملوك إلي أن وصل الملك هنري الثامن إلي سدة الحكم وذلك عام 1509، وأتخذ عدة قرارات ملكية منها انفصال تبعية انجلترا عن الكنيسة الكاثوليكية في روما ، فلا يأتمر بأوامر البابا ولا يدفع له المنح والعطايا ، وكان لذلك القرار تأثيراته اللاحقة التي حولت إنجلترا من المذهب الكاثوليكي المتشدد إلي المذهب البروتستانتي الأكثر انفتاحاً ، كما عمل الملك هنري الثامن على توسيع سلطاته ليضم مقاطعة ويلز إلي إنجلترا ويعلنهما كأمة واحدة وذلك في عام 1535، لتصبح جزءاً من مملكة انجلترا ويحتفظ كل منهما بالحكم الذاتي .
ومما هو جدير بالذكر على الصعيد الحربي في تاريخ المملكة المتحدة ، هي تلك المعركة البحرية المصيرية التي حدثت عند التقاء الأسطولين الإنجليزي و الإسباني ـ الذي كان يلقب حينذاك بـ ”الإرمادا“ أي الأسطول العظيم الذي لا يهزم ـ لكن الأسطول الإنجليزي هزمه هزيمة نكراء وكان ذلك عام 1588 ، ليصبح بعدها اسطول البحرية الملكية هو الأقوى في العالم بلا منازع فبعدد ضخم من السفن يتجاوز العشرة آلاف سفينة أصبح يجوب كافة بحار ومحيطات العالم ، لتنتعش حركة التجارة و التبادل التجاري مع بلاد المشرق خاصة الهند وتجارة الرقيق مع دول إفريقيا وتنطلق الحملات العسكرية لتنشئ المستعمرات ، وكانت أولاها هي مستعمرة “ فرجينيا“ على أرض أمريكا الجديدة لتصبح فيما بعد أكبر مستعمرة بريطانية وذلك في عام 1600 ، وتتوسع بريطانيا في حركتها الاستعمارية لتشمل العديد والعديد من دول العالم بهدف السيطرة على الممرات الملاحية والسيطرة على مقدرات الشعوب، ومن أجل ذلك خاضت العديد من الحروب ضد فرنسا وإسبانيا أكبر منافسين لها من حيث التوسعات الاستعمارية، إلا أن النصر كان حليفها في عدة معارك مما مكنها من السيطرة على ربع أرجاء المعمورة في ذلك الوقت، حتى أنه كان يطلق عليها اسم الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وفي عام 1707 وبعد موافقة البرلمان في كلا البلدين ( بريطانيا واسكتلندا) انضمت بموجبه الأخيرة إلي مملكة إنجلترا لتصبح تحت سيادة العرش البريطاني ويطلق على هذا الاتحاد اسم ( بريطانيا العظمى ) ، ثم في عام 1801 انضمت إيرلندا أيضاً للتاج البريطاني ليصبح اسمها أتحاد بريطانيا العظمى وإيرلندا إلا أنه سرعان ما تم تتغير هذا الاسم إلي المملكة المتحدة ليظهر إلى الوجود ويمتد حتى وقتنا هذا .
وشهدت المملكة المتحدة فترة الازدهار الصناعي في القرن الثامن عشر عقب تفجر الثورة الصناعية لديها ، بعد اكتشاف قوة البخار وتعدد مصادر الطاقة ، وحلت الآلة والماكينة محل الإنسان والحيوان للعمل في مختلف القطاعات خاصة الزراعة محالج الأقطان وصناعة الغزل والنسيج وصناعة السكك الحديدية والبوارج البحرية …… إلخ ، مما أنعش اقتصاد المملكة المتحدة لتصبح القوة الاقتصادية والعسكرية رقم واحد في العالم ، ولكن هذا الأمر لم يدم طويلاً فبعد خوضها للحرب العالمية الأولى فقدت المملكة المتحدة الكثير من قوتها العسكرية والاقتصادية بل وقوتها البشرية أيضاً، إذ راح ضحية هذه الحرب ما يقارب المليوني مواطن ما بين جنود ومدنيين وما بين قتيل وجريح ومفقود ، مما دفع جمهورية إيرلندا إلي طلب الانفصال عن التاج البريطاني، خاصة بعد الحرب الأهلية التي نشبت في إيرلندا بين الشمال البروتستانت والجنوب الكاثوليكـ ، وبالفعل تحقق لها ذلك في عام 1927 لتصبح إيرلندا جمهورية منفصلة مستقلة وعاصمتها دبلن ، إلا أن هناك سبع مقاطعات في الشمال ظلت تابعة للمملكة المتحدة وتعرف حالياً باسم (إيرلندا الشمالية) .
تراجع قوة المملكة المتحدة …
و المملكة المتحدة كغيرها من بقية دول العالم تأثرت كثيراً بالأزمة الاقتصادية الكبرى التي ضربت العالم عام 1929 أو ما يعرف بـ (الكساد الكبير) ، ولم تكد تنجو منها حتى وجدت نفسها مضطرة للدخول في آتون الحرب العالمية الثانية ، بغرض التكاتف مع فرنسا ضد الغزو النازي ، مما أفقدها الكثير من قوتها وهيبتها لدى دول العالم ، حيث خرجت من هذه الحرب وهي مثقلة بالديون التي عرقلت تقدمها وجعلها تتراجع للخلف ، ولولا المساعدات الأمريكية والفرنسية التي قدموها للمملكة المتحدة ما كان لها الخروج من تلك الكبوة إلا بعد حين من الزمان، فتلك المساعدات عملت على النهوض باقتصادها مرة أخرى .
وبالرغم من كثرة الملوك الذين اعتلوا العرش الملكي ، إلا أن القليل منهم فقط هو من لديه بصمة تاريخية وعلامات بارزة في التاريخ التاج البريطاني ،و تعاقب على عرش المملكة المتحدة العديد من الأسر الملكية، كأسرة ( آل ستيوارت) ثم (آل هانوفر) ثم (آل ساكس كوبر غوتا) ثم (آل ويندرسون) وينحدر منهم أصل الملكة “ إليزابيث الثانية “ التي اعتلت عرش المملكة المتحدة في 21 أبريل/ نيسان 1952 ومازالت جليسة على العرش حتى الآن ، وتسكن العائلة الملكية قصر باكنجهام الذي يعد من أفخم وأروع القصور الملكية بما يحويه من تحف ومقتنيات نادرة تعود لمختلف الحقب الملكية .
وبالرغم من كون البلاد تتبع الملكية الدستورية ، إلا أن المملكة المتحدة تعد من الدول القلائل على مستوى العالم التي ليس بها دستور مكتوب ، فدستور المملكة قائم على مجموعة من القوانين والمبادئ والأعراف الملكية التي توارثتها الأجيال وحازت القبول والاعتراف من قبل الجميع .
وانضمت المملكة المتحدة للسوق الأوروبية المشتركة عام 1973، وتعد المملكة المتحدة واحدة من الدول التي ساهمت في تأسيس الاتحاد الأوروبي عام 1992 قبل أن تنفصل عنه عام 2016بعد استفتاء شعبي ، وما تلاه من أزمات سياسية واقتصادية مما حدا برئيس الوزراء ديفيد كاميرون إلي تقديم استقالته ، لتخلفه في هذا المنصب السياسية تريزا ماي ، وكان لهذا الانسحاب أثره الفعَّال الذي جعل دول المملكة ولأول مرة تفكر جدياً في الانسحاب من تحت شرف التاج البريطاني وعلى رأسهم اسكتلندا …
ويبدو يا سادة أن تاريخ المملكة المتحدة أصبح اليوم مهدداً بالتقسيم أكثر مما سبق …
وهذا ما ستكشفه السنوات القادمة