من هو السلطان زين العابدين؟ ولماذا هو غير معروف في التاريخ المغربي؟ وهل كان مؤيدا للاحتلال الفرنسي والتدخل الأجنبي؟
عاش المغرب في السنوات الأخير قبل الاحتلال الفرنسي مجموعة من الاضطرابات والثورات، كان بعضها من ثوار القبائل الساخطين على حكم السلطان؟ وبعضها الآخر بدعم من الدول الإمبريالية التي تطمع في احتلال المغرب، وهناك بعض الثورات التي اندلعت من داخل القصر ومن لدن بعض السلاطين ضد آخرين، ومن هنا ارتأينا الحديث عن شخصية زين العابدين، فمن هو السلطان زين العابدين بن الحسن؟ ولماذا هو غير معروف في التاريخ المغربي؟ وهل كان مؤيدا للاحتلال الفرنسي والتدخل الأجنبي؟
في تاريخ كل أمة أو دولة هناك دوما جوانب خفية مسكوت عنها، وحقائق يراد لها أن تطمس وتقبر، وألا يعلم بها أحد، ولكن التاريخ لا يحابي أحدا، حتى أولئك الذين يكتبون التاريخ بانتقائية ومزاجية تنض عنهم معلومات وأخبار تفشي سرهم وتفضح أمرهم، ومقدمتنا هاته لا تعني أننا سنتحدث عن سر خطير وأمر عظيم أخفته الدولة العلوية عن قصد وإصرار، بل هي مقدمة حول حقيقة تاريخية وحسب، وأما الشخصية التي سنحدثكم عنها فإنها شخصية تكاد تكون مغمورة غير مذكورة في تاريخ الدولة العلوية، وأعني هنا التريخ القريب نسبيا، وتحديدا في نهاية القرن التاسع ومستهل القرن العشرين، إنه الأمير زين العابدين بن الحسن الأول المعروف بمولاي الزين.
هو زين العابدين بن الحسن الأول العلوي، أمه للا زينب، أول زوجة للحسن الأول، وشقيقه مولاي أمحماد الذي أبعد من ولاية العهد زمن الحاجب با حمّاد.
نظرة على الإطار الزمني لشخصية زين العابدين:
إننا إذا أردنا أن نتعرف على هذه الشخصية المغمورة في تاريخ المغرب، علينا أن نسافر للوراء، وننظر في مغرب ذلك الزمان، مغرب نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، المعروف بالدولة الفيلالية الشريفة، نسبة إلى قبيلة الأسرة الحاكمة، إنها قبيلة تافيلالت، أو بلاد مراكش.
المغرب كباقي الدول الإسلامية والضعيفة في ذلك العصر تربصت بها الدول الإمبريالية، وقد سقطت دول مثلها في أيدي الاحتلال. ولقد كان جهازها العسكري متهاويا مهترءا لا يدخل معركة – في الغالب – إلا ويخرج منهزما يجر أذيال الخسارة، والرعية يقبعون في جهل، ويسارعون من أجل لقمة العيش ولا يفكرون في وطن ولا أمة! أما الراعي فإما منشغل بتوطيد دعائم حكمه، أو بتلبية رغبات الأعيان والقواد حتى يرضوا عنه! لكن رغم ذلك كان المغرب لا زال متماسكا متمنعا على الطامعين في احتلاله، إذ إن الدول الإمبريالية ما زالت مختلفة حول المغرب ومن له الحق في امتلاكه وضمه إلى مستعمراته! وكذلك عمد بعض السلاطين إلى مجارات هذه الدول وإجراء بعض الإصلاحات، وفتح سفارات لها، وبناء علاقة صداقة معهم، ومن هؤلاء السلاطين، نجد الحسن الأول والد الزين، الذي ساهم بشكل كبير في تأخير الاحتلال، ووحد المغرب وبدأ في بناء جيش قوي، وعرف بدهائه السياسي وسعة علمه، وكان له من الأولاد سبعة وعشرين! منهم السلطان الزين.
نشأة زين العابدين:
ولد الزين في هذه البيئة، وكعادة السلاطين العلويين الفلاليين في تسمية أولادهم على أسماء آل البيت تبركا وتشريفا، سمي هذا الأمير بزين العابدين تيمنا بذلك الصالح الزاهد الإمام زين العابدين بن علي.
أبناء الملوك يولدون أمراء، ويعيشون مبعدين أو مقربين، وبعد موت أبيهم إما يخلفونه في ملكه، أو يتبعونه إلى قبره، أو يبايعون من تمكن من عرش أبيهم من بعده! وهذا ما سيحدث للزين بعد موت أبيه.
ففي يوم 7 يونيو من العام 1894م بمراكش، توفي الحسن الأول، ودفن بالرباط، وكان من المنتظر أن ينادى للأمير امحماد بالبيعة، وهو شقيق الزين البكر، لكن الصدر الأعظم (الوزير الأول) با حمّاد كان له رأي آخر، إذ نادى للأمير عبد العزيز بالبيعة، وكان هذا الأخير لا زال صغيرا. فامتثل الأمراء لهذا التعيين، فبا حمّاد كان بمثابة أب ثاني لهم، وهم يحترمونه ويجلونه لما كانوا يَرَوْن من طاعته لوالدهم ومكانته بين الأعيان والقواد.
خلال هذا العهد الجديد قرب الزين من السلطان، وكان يرسله عبد العزيز على رأس الجيش إلى بعض المناطق ليخمد الثورات. وقيل بأنه خرج إلى منطقة أدرار بالصحراء، عندما علم بأن القائد الإسباني موبولاني يريدها، فكان أن التقى الجمعان في معركة حامية الوطيس، وبعد أخد ورد وفر وكر، رجحت كفة المغاربة، وتمكن زين العابدين من موبولاني فقتله وأجهز عليه، وانهزم الجيش الإسبان.
وتقول بعض المصادر أن الأمير قتل في هذه المعركة، لكن هذا غير ممكن فهناك أحداث ومشاهد ومواقف ستحدث بعد هذا التاريخ، وسيكون الزين طرفا فيها.
موقف زين العابدين من الأوضاع المتردية في البلاد:
إن فترة عبد العزيز تعتبر بداية التدخل المباشر للإمبريالية في المغرب، وذالك لأن السلطان أنهك الخزانة المالية للدولة، فتأخر تسديد الديون وارتفعت نسبة الربا إلى حدودا قياسيا بمواصفات ذلك العصر، وعجز ”المخزن“ عن تسديد الديون والربا المتراكم، فتدخلت الدول المقرضة لتحافظ على أموالها. وتم فرض مجموعة من السياساة المجحفة بحق المواطنين، ونتج عن ذلك إرتفاع أثمنة السلع الاستهلاكية، وأثقل كاهل المواطنين بالضرائب والجبايات، فتعالت بعض الأصوات بخلع هذا السلطان، وكان عبد العزيز قد عين الأمير عبد الحفيظ نائبا له على مراكش.
أضف إلى هذا التقسيم الذي عرفه البلد بسبب مؤامرات كبار القياد في الجنوب، والذين نسجوا مؤامرات عديدة ضد المولى عبد العزيز منذ 1904، وكانوا وراء المطالبة بخلع عبد العزيز وتعيين أخيه عبد الحفيظ خليفة له، ولاقى هذا الأمر دعما من قبل الفرنسيين، فنودي لعبد الحفيظ بالخلافة، وبويع سلطانا عام 1907م.
لم يستطع عبد الحفيظ أن يغير من الأمر شيئا، وتفاقمت الأوضاع بسبب ما فرض على المغرب من اتفاقيات ومعاهدات، وتآكل ”المخزن“ من الداخل وتناقصت شعبية السلطان وظهرت ثورات هنا وهناك، ونشأت تحالفات تطالب بتنحية السلطان المولى عبد الحفيظ، وتنصيب سلطان جديد يعطي للإمامة وللدولة روحا جديدة.
كل هذا والأمير الزين يراقب ويفكر في كيفية تجاوز المرحلة والتغلب على هذه الصعاب، وبدأت حالته هذه -وهي التفكير في مستقبل الأمة ووضع خطة تمكن المغرب من الخروج مما هو فيه- تصل إلى بعض الأعيان والقبائل المكناسية، فطالبت بالزين سلطانا، مثل قبيلة بني امطير، وكان من بين الأعيان عقا بويدماني والحاج محمد مكوار المفاوض الفاسي.
كل هذه الأسباب ستجعل الأمير زين العابدين ينتقل من مراقب إلى فاعل، فانتهز وجوده بمكناس والتقى بأعيان المنطقة وعلمائها، وبدأ في التحرك وجمع الأنصار والمؤيدين، وحشد الجنود والمقاتلين، ولما استوثق من أمره وظهر له أنه ومن معه قادرون على الإطاحة بالخليفة عبد الحفيظ وتنحيته عن العرشن، استغلوا عدم تنبه القصر لتحركاتهم فسارعوا إلى تطويق العاصمة قبل أن يعود عبد الحفيظ من مراكش، وخلعوا البيعة من أعناقهم وولو زين العابدين بن الحسن سلطانا على المغرب في 17 أبريل سنة 1911م، فشكل الزين على الفور حكومة ثورية وطالب بإلغاء الاتفاقيات التي سلبت من المغرب حريته واستقلاله، وأعلن نفسه السلطان الشرعي للبلاد، فكان للمغرب سلطانان في آن واحد؛ سلطان بمراكش وسلطان بفاس.
نتائج ثورة زين العابدين على أخيه عبد الحفيظ:
لم يتنح عبد الحفيظ عن السلطة ولم يخضع لقرار القبائل المكناسية، فاستجار بالأعداء واستقوى بهم على أخيه، وفضل تدخل الأعداء في شؤون البلاد على تنحيه عن السلطة وتركها لأخيه، ومن ثم لجأ إلى فرنسا وطلب دعمها في مواجهته لأخيه، وهذه الأخيرة كانت تتربص بالمغرب الدوائر، وتنتظر أي فرصة سانحة للانقضاض عليه، وها هي ذي الفرصة تواتيها كما لم تتخيل، فسارعت إلى إنجاده ودعمه، والقضاء على هذا التمرد الناشب ببلاد مكناس، والذي يلوح بتقويض كل الاتفاقيات التي أبرمت مع الدول الإمبريالية، ومن ثم عمدت الحكومة الفرنسية إلى تكليف الجنرال موانيي الإطحة بهذا السلطان الجديد، والقضاء عليه هو ومن معه من أنصاره ومشايعيه، فنزل بقواته في بني حسن في الغرب، واستطاعت الوصول إلى العاصمة الواقعة تحت يد السلطان زين العابدين ومناصريه، وذلك يوم 21 مايو 1911م.
ولكن الثوار لم يخضعوا بسهولة، بل إنهم استبسلوا في الدفاع عن مكتسباتهم ونافحوا عن العاصمة الواقعة تحت أيديهم وإمرتهم، والتفت حولهم القبائل المجاورة، واستمر الحصار والمناوشات أشهرا طويلة، وبعد لأي، تمكن الفرنسيون ومن معهم من جنود السلطان من كسر شوكة الثوار، ووقعت العاصمة في أيدي الفرنسيين، وعادت إلى حضيرة المولى عبد الحفيظ من جديد، وتمت مطاردت رجال القبائل الذين استبسلوا في الدفاع عن زين العابدين.
وفِي 8 يونيو من نفس السنة أجبر المخزن بدعم من القواة الفرنسية مولاي زين العابدين بالتخلي عن منصبه وعن مطالبه، وأكره على حل حكومته، وجاؤا به معتقلا إلى أخيه عبد الحفيظ، فعفى عنه، ولم يؤاخذه بجريرته، وقام زين العابدين بعدها بمبايعة عبد الحفيظ من جديد.
ذلك فصل من فصول تاريخ المغرب ما قبل الاحتلال، وتلك بعض المعالم التي تفصح عن جانب من أسباب وقوعه تحت نير الاحتلال الأجنبي، إنه الضعف والفرقة والتشرذم، إنه الجشع وحب الرياسة والتعلق بالكراسي والعروش، إنه الخطأ الذي وقع فيه المسلمون مرارا وتكرارا؛ الاستنجاد بالأعداء ضد الإخوان.