كيف تغيرت أفريقية فى عهد الاحتلال الأوروبي؟
على ظهر أفريقية التى حباها الله من الخير الشيء الكثير، عاشت أجيال عديدة فى سلام وأمن وطمأنينة، تتمتع بأنعم الله الوفيرة، حتى سطا عليها المحتل، الذى ليس له وازع من خلق أو دين، فما هو تاريخ أفريقية فى عهد الاحتلال الأوربي؟ وكيف تغيرت من حال إلى حال؟
شتان بين أفريقية قبل مجيء المحتل الأوروبي، وأفريقية بعد مجيئه، فلقد طرأ عليها الكثير، وتغيرت من حال إلى حال، ولكن ذلك التغير كان إلى الأسوأ وليس إلى الأفضل، فقد كانت أرضها تشهد دولاً كبيرة وموحدة، فأصبحت فى عهد الاحتلال دويلات صغيرة مجزأة، ودخل جزء من القبيلة فى دولة، ودخل الجزء الآخر فى دولة أخرى .. كان أهلها منتجين يستخرجون الذهب، ويتاجرون به، فيعم الربح والخير أفراد المجموعة، ولكنهم أصبحوا فى عهد الاحتلال لا يملكون تبره .. كانوا يرزعون وينتجون الوفير من الغذاء، فأصبحوا فى عهد الاحتلال ضعفاء مرضى .. كان عددهم كبيرًا، فتناقص فى عهد الاحتلال .. وكانوا يملكون الأرض الجيدة، وينتقلون بحرية إلى الأرض الأجود منها، فأصبحوا لا يملكون سوى الرديء منها .. كانوا أسيادًا فى أرضهم، فأصبحوا مستعبدين.
تعالوا نتناول بشيء من التفصيل بعض ما حل بأفريقية على عهد المحتل، الذى يدعى أن البلاد الأفريقية تقدمت فى عهده، وأنه أدخل الحضارة الأوروبية إلى أرض أفريقية.
أولاً: التجزئة
فى عام 1962م، جاء تقرير اللجنة الاقتصادية التابعة لهيئة الأمم المتحدة عن أفريقية:
لا توجد مناطق أخرى فى العالم بهذا العدد الكبير من الدويلات الصغيرة، صغيرة من حيث الإنتاج، ومن حيث السكان .. إن الإقليم الوحيد الذى يشبهه هو أمريكا الوسطى.
ويذكر رونالاد أوليفر، وجون فيكنج فى كتابهما ”تاريخ أفريقية“:
قامت الدول الاستعمارية بتمزيق أفريقية كتأمين لها فى المستقبل
وعند بدء القرن العشرين كانت الحكومات الأوروبية تدعى السيادة على كل الوحدات السياسية البالغ عددها أربعين وحدة، وقد كان تقسيم أفريقية نتيجة للصراع بين القوى الاستعمارية، فبريطانيا وحدها عملت على تجزئة ما استولت عليه من أرض أفريقية إلى أربعة عشر جزءًا، وكذلك فعلت فرنسا بتقسيم مناطق نفوذها إلى أكثر من ذلك.
ونتيجة تجزئة الشعوب الأفريقية، تعددت الثقافات وتعددت الأحزاب وتعددت السياسات الاقتصادية، وكلها عقبات وُضعت في طريق الوحدة الأفريقية، واستعادة أفريقية لقوتها وحيويتها.
ثانيًا: الجهاز الحكومي:
بقيت أفريقية يحكمها الأفارقة (وغالبهم كانوا مسلمين) أنفسهم دون غيرهم قرونًا عديدة، حتى جاء الاحتلال، وقضى على الحكومات الإسلامية التى كانت من الشعب الأفريقى وتعمل من أجله، لها قواعدها وقوانينها الخاصة التى تحكم بها (والتى كان يقوم معظمها على شريعة الإسلام)، فكانت العلاقة بين الحكومة والشعب علاقة متينة واضحة لا غموض فيها، حتى جاء الحكم الأوروبي، فغير الأساليب المعروفة تغييرًا جذريًا، وفرض أسلوبًا جديدًا من الحياة لم يألفه ويتفهمه الإنسان الأفريقى، ولم يعد للأفريقي حق النقاش والإقناع.
لقد جاءت طريقة الحكم و وضع القوانين بطريقة عفوية، فلم يكن للأوربيين دراية ومعرفة بالأقاليم وسكانها، فهم لا يعرفون حدود انتشار القبائل والممالك لكي يضعوا لكل منها أنظمة وقوانين تتمشى مع ما ألفوه من قبل، وكانت النتيجة أن أصبحت قبيلتان يخضعان لإدارة واحدة، ونجد أحيانًا أخرى أن القبيلة الواحدة أصبحت بعد التقسيم مقسمة بين إقليمين، لكل إقليم إدارته الخاصة، فأصبح كل جزء من القبيلة خاضعًا لأسلوب في الحكم واللغة يختلف عن الجزء الآخر.
ويعترف الأوربيون بفشلهم في إدارة الإقليم التى كان يديرها أشخاص غير مؤهلين وشديدى التعصب، أوائلهم من حثالة بريطانيا، ومن المغضوب عليهم فى بلدان أوروبا الأخرى، لم يكتسبوا من الأهالى سوى الخوف والكراهية.
و كانت القوانين والتشريعات والأنظمة تصدر من هيئات الاحتلال التى لا تمثل مصلحة الأفارقة، بل كان من جملة أعضائها أصحاب المصالح والشركات الأجنبية، وحتى لو دخل أعضاء من الأفارقة المجالس الدستورية، ليس من الضرورى أن تأخذ الحكومة وأعضاء المجالس الآخرين بآرائهم، فوجودهم كان للتضليل والدعاية فقط.
وأما المجالس التنفيذية أو السلطة المنفذة للقوانين، فكانت بيد حاكم عام يساعده موظفون كبار كلهم من الأوربيين، ولما أرادت بريطانيا إشراك الأفريقيين في الحكم جاءوا بزعماء موالين لهم، لذلك لم يتعاون معهم الشعب، إذ أن كثيرًا من الأمور التى تحلو للزعماء لا تقبلها الشعوب، وهذا ما حدث في المقاطعات الفرنسية وغيرها.
ثالثًا: الزراعة وملكية الأرض:
تميزت الزراعة قبل الاحتلال بكونها زراعة محاصيل غذائية تقدم للسكان ما يجعلهم أصحاء قادرين على العمل يزداد عددهم يومًا بعد يوم، وكانت الأرض ملكًا للقبيلة، ثم جاء المحتل، واستولى على الأرض، ومكن الأوروبيين من شراء الأراضى الأفريقية، وهم مرغمون بعد تراكم الديون عليم، ثم جاءت الشركات واحتكرت شراء السلع الزراعية، فاضطر الفلاح الأفريقي زرع ما تشتريه الشركة المحتكرة، فقل توافر الغذاء للسكان، وانتشرت المجاعات، وازدادت الأمراض، وكثر موت الأطفال، وتناقص عدد السكان.
كانت سياسة المحصول الواحد يزاولها الاحتلال فى أفريقية بشدة، حيث تخصص مناطق واسعة قد تصل إلى إقليم برمته، لإنتاج محصول واحد، ولم تؤثر هذه السياسة على إنهاك الفرد فحسب، بل تسببت فى إنهاك الأرض، فقلت خصوبتها، وانتقلت إليها الأمراض النباتية للمحاصيل الجديدة التى جلبها الأوروبيون.
كما قضت تلك السياسة على مساحات واسعة من الغابات وأخشابها الثمينة، فأصبحت الرياح الجافة الصحراوية تجد لها منفذًا فى إقليم الكاكاو فى الجنوب وتؤثر على إنتاجه، كما أصاب الضرر بالاقتصاد لجميع الأقطار، لاعتماد كل منها على محصول نقدي واحد، الذى يتعرض لتقلبات الأسعار فى السوق العالمية، وكان من نتائج كساد تجارة المحصولات النقدية فى ثلاثينات القرن الماضي أن أصبح الفلاح عاجزًا عن سداد ديونه.
رابعًا: التعليم:
بعد مرور مائة عام على الاحتلال الأوروبي لأفريقية، وإيحائه بنشر التعليم بين أفرادها، يتبين أن المحتل قد ترك أفريقية، وخلف وراءه جيشًا جرارًا من الأميين، ويدعى أنه علمهم الحضارة، فهل يصدق المرء ذلك وفى موزمبيق المقاطعة البرتغالية التى كان يبلغ عددها عام 1954م ستة ملايين، كان لا يوجد بها سوى خمسة آلاف تلميذ ابتدائي و73 تلميذ ثانوي و42 فى صفوف التدريب الصناعي، وحتى ذلك التقدم البطيئ جدًا، خلق طبقة من السكان زحفت إلى المدن، للعمل فى وظائف حقيرة تحت إمرة المحتل الأجنبي.
وعندما كان السكان يجمعون الأموال لبناء المدارس، يغلقها المحتل، وكان التعليم المهني الصناعي والزراعي قاصرًا على البيض فقط، فتم منع الأفريقي من تعلم مهنة ومزاولتها، كي لا ينافس غيره من البيض.
خامسًا: الصحة:
أجمع الباحثون بأن سوء التغذية هو العامل الفعال فى انتشار الأمراض بين الأفارقة، ولقد صار يوجد بعض النساء الأفريقيات لهن حوض أصغر من حوض نساء الأجناس الأخرى، نتيجة سوء التغذية خلال فترة الطفولة، وبذلك كانت عملية ولادتهن معرضة لأخطار شديدة، وصار من الطبيعي أن تستمر فترة الرضاعة للأطفال أكثر من سنتين ؛ لأن الأمهات لا تجد غذاءً مناسبًا آخر لأطفالهن، وفى كينيا كانت نسبة الاطفال الذين يصلون إلى سن السادسة دون أن يموتوا 56%.
ماذا فعلت سلطات الاحتلال؟
بعد مرور 75 سنة على احتلال بريطانيا لنيجيريا، لم يشيد سوى مستشفى واحد للحميات فى بلد يصاب فيه 80% من سكانه بالملاريا والحميات المتوطنة، وقد كان هناك طبيب واحد لكل 60 ألف أفريقي.
والنتيجة هي أن يموت فى نيجيريا كل عام آلاف الأطفال، لم يكونوا ليموتوا لو استخدمت ثروات بلادهم فى الخدمات الخاصة بهم، وهذا ما جنته أفريقية من الاحتلال الأوروبي لبلادها.
سادسًا: التجارة:
الناظر فى أحوال التجارة والنقل قبل الاحتلال الأوروبي لأفريقية يهوله الموقف، ويدرك أية جريمة بشعة ارتكبها ذلك المغتصب فى حق أهل أفريقية، وخاصة المسلمين.
كانت التجارة قبل دخول المغتصب الأوروبي حرة نشطة بين ممالك أفريقية وآسيا العربية وجنوب شرقي آسيا، وقد استخدم الأفارقة الطرق الصحراوية فى غرب القارة لمبادلة الذهب بملح الطعام، والطرق البحرية فى المحيط الهندي والبحر الأحمر لمبادلة الحديد والذهب ومنتجات الغابة بالأسلحة والمنسوجات من الهند والجزيرة العربية وجنوب شرقي آسيا، وكان للتجار العرب مراكز لخزن البضائع المختلفة من هضبة شرق أفريقية.
وبدخول المغتصب الأوروبي للقارة توقف ذلك النشاط التجاري تمامًا، و زال كل أثر للتجارة الداخلية، وتركز النشاط على التجارة الخارجية، ونقل ثروات القارة إلى أوربا، لذلك بنيت السكك الحديد وعبدت بعض الطرق التى تربط مناطق الإنتاج بموانئ التصدير، ولم يهتم المحتل بربط المناطق الداخلية ببعضها البعض الآخر، لذلك بقيت التجارة الداخلية متعثرة حتى بعد خروج ذلك المغتصب.
وبعد الاستقلال وتكون الدول الحديثة لا تزال السياسة الاقتصادية التى رسمها المحتل قائمة حتى الآن، وبقيت صادرات الدول الأفريقية تتكون من المنتجات الزراعية الأولية والمعادن الخام، ولا يمكن لتلك الدول إيقاف إنتاج تلك الخامات لتبدأ تصنيعها بنفسها ؛ لأن المحتل تركها وهي فقيرة فى قدراتها على تصنيع منتجاتها، فهي تفتقر إلى كل شيء.
سابعًا: النقل والمواصلات:
يدعى المغتصبون أنهم بنوا طرقًا عديدة امتدت آلاف الكيلومترات، ولكنها لم تبن لصالح الإنسان الأفريقي، بل بنيت لاستيطان الرجل الأبيض، ولم تبن لنقل الغذاء للأفارقة، بل بنيت لنهب مصادر الثروة المعدنية والنباتية للقارة، فالخط الذى أنشئ لربط المحيط الهندي بالأطلسي، والذى يخترق مناطق عديدة من وسط القارة، لم ينشئ إلا لنقل الثروات المعدنية إلى الموانئ التى تنقلها بدورها إلى أوروبا.
وحتى بعد ترك المغتصب أفريقية، بقيت الخطوط الحديدية عاجزة عن تحقيق أهداف الأفارقة، فهي إما أن تمر فى مناطق غير صالحة للاستيطان والاستغلال الزراعي، أو أنها تبدأ من الداخل وتنتهى فى الساحل، فلا تربط المناطق الداخلية بعضها بالبعض الآخر، وإضافة إلى كل ذلك فهي مختلفة المقاييس، فالمقاطعات البريطانية لها مقياس يختلف عن مقياس الخطوط الحديدية فى المقاطعات الفرنسية.
وكذلك بالنسبة لطرق السيارات، فمعظمها بني لربط مناطق المهاجرين البيض بالساحل، ونقل الثروات المعدنية والزراعية من الداخل إلى الموانئ، أما بالنسبة للنقل النهري، فلم يطوره المحتل، وبقيت جميع العقبات قائمة حتى بعد خروجه من القارة.
ثامنًا: تجارة الرقيق:
لقد اغتصب المحتل الأوروبي كل شيء فى أفريقية، حتى الإنسان وحريته، إذ لجأ إلى تجارة سهلة دنيئة، هي تجارة العبيد، التى بدأها الأمير البرتغالي هنري الملاح، فأنشأ الحصون البرتغالية على سواحل أفريقية ؛ لتكون مركز تجميع الأفارقة وشحنهم رقيقًا إلى أوروبا وأمريكا، وظلت أعداد الرقيق تزداد حتى بلغت عشرات الملايين، فقد كان الرقيق يحشرون حشرًا فى السفن القذرة الخالية من المساحات التى يقدر فيها الإنسان أن يتقلب على جنبيه إذا أراد النوم، وقد كان يموت 35% منهم فى رحلة العذاب تلك، وكانت تحرق السفن عند وصولها إلى الساحل الأمريكي، حيث لا يرضى أحد تنظيفها، وقد خسرت أفريقية نتيجة تلك التجارة ما يقرب 180 مليون من أهلها.
وفى الكونغو دعم البرتغاليون سلطتهم، حتى انتشر البؤس والفقر، ودفعت المجاعة السكان إلى أكل لحوم البشر، وكان الرجال يوضعون فى الأسواق كالبهائم، ويأتى تجار الرقيق لشرائهم بالأثمان البخسة، وهم فى حالة من الجوع والعري يندى لها الجبين.
أما ما كانت ينزل بالفتيات والسيدات من مهانة، فكان يفوق ذلك بكثير، فالمشترون كانوا يتحسسون أجسادهن، ويعبثون بحرماتهن، والتاجر من خلفهن يضربهن بالسوط، إن حاولت إحداهن ستر جسدها ولو بخرقة.
وكانت قافلة الرقيق تصل إلى الساحل سيرًا على الأقدام لمسافات طويلة، وكانوا يربطون بالحبال من أعناقهم إلى عمود خشبي ينظم سيرهم على صفين، وكانوا فوق ذلك يكلفوهم حمل الأدوات والمتاع، وكم سقط من ألوف صرعى أثناء الطريق، فتركوا على جانبيه نهبًا للوحوش.
وعند الوصول إلى الساحل، ينتقل الرقيق إلى سفن صغيرة الحجم مليئة بالرفوف، وكان العبيد يقيدون ويرصون على الرفوف بجوار بعضهم، ويبقون لتتفشى فيهم الأمراض والأوبئة، وكان الموتى يلقون فى البحر، ويبقى الوضع كذلك طوال الرحلة، التى كانت تستغرق ستة أسابيع.
أما عن الأعمال التى كان يقوم بها هؤلاء العبيد فى أمريكا، فأقل ما توصف به أنها ليست أعمالاً إنسانية، سببت وفاة الملايين منهم جوعًا وضعفًا، وتعد حتى اليوم وصمة عار فى جبين البشرية.
تاسعًا: معاملة الرجل الأوروبي لأبناء أفريقية:
كان الغزاة من المغول ومن على شاكلتهم إذا دخلوا أرضًا فسقوا فيها، ودمروها، ونهبوا ما يستطيعون حمله، ثم لم يلبثوا أن يعودوا إلى بلادهم، فيسترجع المغلوبون أنفاسهم، ويبدأون فى البناء من جديد.
أما غزاة أوربا، فأمرهم يختلف، فقد غزوا أفريقية، ولم يخرجوا منها، وأقاموا فيها ولم يعمروها، تعالوا على قومها فلم يعطوهم شيئًا بل أخذوا منهم كل شيء، وفى النهاية وبعد أقل من قرن، قاوم الأفارقة الغزاة، وتحقق ما أرادوا، فى فترة وجيزة لم يصدق أهل أوربا أنهم سيخرجون مطرودين بهذه السرعة.
كانت أسباب ثورة أفريقية كثيرة، ولكن أهم أسبابها سلب الحريات بطريقة وحشية قاسية، فسلب الأوربي من الأفريقي حريته فى أرضه وفى تنقله وحتى فى طراز حياته الذى ورثه عن آبائه وأجداده، وأجبره بقوانينه الصارمة على ترك الأرض الجيدة، وأجبره على زراعتها بالمحصول الذى يريده الغازى، وأجبره على العمل بأجر لا يسد رمقه، وقتل الملايين من أبناء أفريقية، لم يفرق خلالها بين طفل وشيخ وامرأة، وبطرق وحشية كتب عنها الكثير، لم يصلنا منها إلا القليل.
يقول الكاتب الإنجليزي ( دارك كارتن ) واصفًا الوحشية التى كان يعامل بها رجل السلطة الأفارقة:
انضم شاب من المدينة الإنجليزية ( توتنجهام ) إلى هيئة الشرطة وسافر إلى كينيا، وهنا صار مساعد مفتش الشرطة، فأعطوه سلطات واسعة النطاق، وأخبروه بأنه يستطيع إطلاق الرصاص على الأفارقة، وقد كتب هذا الشاب مقالاً يذكر فيه أن أفضل شيء فى رأيه هو قتل الأفارقة
ويقول (بيتر بوستوك):
قبضنا على ستة من الأفارقة، وألقينا بهم على ظهر سيارة نقل، وكان الرجلان الجريحان يئنان من الألم، ويصرخان كلما اهتزت العربة، وكنت أستجوب عجوزًا وكانت إجابته غير مرضية، فأطلقت كلبي على العجوز، فأنشب الكلب مخالبه فيه، وطرحه أرضًا، وشق رقبته، وجعل يمزق صدره وذراعيه، ولم نفعل شيئًا سوى الامتعاض
وكان يوجد رجل شرطة يأمر رجاله بخرق آذان الأسرى بسجائرهم المشتعلة، وكان النساء يجردن من ملابسهن، ويصب الماء المغلى على كل واحدة منهن، وكثيرًا ما يؤدى ذلك العمل إلى الوفاة، وكان البلجيك يرسلون جنودهم لقتل الأفارقة، فيعودون بالأيدى التى قطعوها من جثث ضحاياهم، وكانت من بينهم أيدى أطفال، وأقفرت مناطق بأكملها بسبب القتل والتعذيب، وكان من وسائل الترفيه عند البلجيك، قطع أعضاء الرجال التناسلية وتعليقها على سور قراهم، وكان بعض كبار رجال الشرطة يستعملون رءوسًا بشرية لتزيين بيوتهم.
ولم يكن الألمان والفرنسيون والبرتغاليون أقل وحشية من الإنجليز والبلجيك، فقد كانت حصيلة إرهاب ألمانيا فى تنجانيقا 120 ألف رجل وامرأة، كما قتل الفرنسيون عشرات الآلاف من مواطنى جزيرة مدغشقر.
أما نظام السخرة، فكان معمولاً به، وكانت السلطات تجبر الفلاحين على العمل فى المصانع والمناجم بدون أجر، وكان جزاء الهارب الجلد أو القتل.
وعن عدالة الأحكام فلا وجود لها، فقد كانت عقوبة قتل الأوربي للأفريقي غرامة 250 جنيهًا، أما عندما يقتل أفريقي أوربيًا فعقوبته الإعدام.
هذا جزء من تاريخ المظالم التى تعرضت لها أفريقية، ولندرك أية جريمة بشعة ارتكبها الأوروبيون تحت ستار الدين ضد إخوانهم فى الإنسانية، ولنعلم أن هذه المعاناة التى أودت بحياة الملايين من الأفارقة، وبددت الجزء الأكبر من ثروتها، لم تنته بعد، فجنود الاحتلال رحلوا تحت ضغط المقاومة، ولكنهم خلفوا وراءهم أنظمة حاكمة تذيق الشعوب أسوأ أنوع النكال، فمحاربة المسلمين دائمة، وأساليب سلب الحريات قائمة، والقوانين الجائرة لا تخلو منه بلد من بلدان المسلمين.