ماهية وخصائص القاعدة القانونية
ماهية القاعدة القانونية
إن تحلينا لأي قاعدة قانونية يكشف بأن كل قاعدة قانونية تتكون من عنصرين هما :
ـ العنصر الأول : و هو العنصر المادي :
و هو الفرض أو الواقعة الأصلية , إذ أن الصيغة النموذجية للقاعدة القانونية تكون على الشكل التالي : إذا حدث كذا ... و هو الفرض ... وجب أن يكون الحكم كذا .
أ ـ و قد تكون هذه الافتراضات عبارة عن وقائع مادية محضة : سواء كانت وقائع طبيعية لا دخل فيها لنشاط الإنسان , و مثالها الفقرة الأولى من المادة 31 من القانون المدني السوري التي تنص على أنه : " تبدأ شـخصية الإنسان بتمام ولادته حياً ، و تنتهي بموته " . فواقعة الولادة و الوفاة كل منهما واقعة طبيعية لا دخل لإرادة الإنسان فيها .
و قد ترجع هذه الوقائع المادية إلى فعل الإنسان , مثل نص الفقرة الأولى من المادة 427 من قانون العقوبات السوري التي تنص على أن : " من قلد خاتم الدولة السورية أو خاتم دولة أجنبية أو استعمل الخاتم المقلد و هو على بينة من الأمر عوقب بالأشغال الشاقة سبع سنوات على الأقل " .
ب ـ و قد تكون هذه الافتراضات نتيجة تصرف قانوني : كالوعد بجائزة على سـبيل المثال .
ج ـ و قد تكون هذه الافتراضات عبارة عن مزيج من شروط مادية و شروط قانونية في آن واحد : مثل نص المادة 164 من القانون المدني السوري التي تنص على أنه : " كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض " :
ـ العنصر الثاني : هو العنصر المعنوي :
و يتمثل بالحكم أو الأثر القانوني الذي ترتبه القاعدة القانونية على تحقق الافتراضات السابقة , و التي تشكل العنصر المادي في كيان القاعدة القانونية .
خصائص القاعدة القانونية
القاعدة القانونية تتمتع بعدة خصائص هي :
ü خطاب موجه إلى الأشخاص ،
ü قاعدة عامة و مجردة ،
ü قاعدة ملزمة ،
ü قاعدة اجتماعية .
أولاً ـ القاعدة القانونية خطاب موجه إلى الأشخاص :
بداية لا بد من الإشـارة إلى أن القاعدة القانونية لا توجه إلى الجماد أو النبات أو الحيوان , و إنما توجه إلى أفراد أو جماعات من الناس يتمتعون بالشخصية القانونية .
فالأصل أن يوجه خطاب القاعدة القانونية إلى الأشخاص الطبيعيين المتمتعين بالشخصية القانونية , و لكن المشرع بعد أن استشعر أهمية مجموعة الأموال أو الأشخاص كهيئات اعتبارية لها ثقلها في المجتمع اعترف لها بالشـخصية القانونية حتى يتمكن من توجيه الخطاب القانوني لها , و مثالها الشركات أو الجمعيات , حيث اعترف لها بالشخصية الاعتبارية .
أما مضمون هذا الخطاب فيشـمل الأمر بالقيام بعمل معين , أو النهي عنه , أو مجرد الإباحة , و أيضاً مجرد الإنذار .
ثانياً ـ القاعدة القانونية قاعدة عامة و مجردة :
فهي أولاً قاعدة عامة : بمعنى أنها تتناول الأشـخاص المخاطبين بحكمها بصفاتهم لا بذواتهم , و تعالج الوقائع وفقاً لشرائطها العامة لا وفقاً لأعيانها بالذات .
فالقاعدة القانونية التي تعاقب السارق بالحبس تعتبر قاعدة عامة لأنها تطبق على كل من يرتكب السرقة .
فالعمومية لا يقصد بها أن القاعدة تطبق فعلاً على جميع الناس ، و إنما يقصد بها أنها قابلة للانطباق على من تتوافر فيه شروطها .
و على ذلك فقواعد القانون التجاري تعتبر قواعد عامة , و لو أنها لا تطبق إلا على طائفة التجار ، و ذلك لأنها تطبق على كل من تتوافر فيه صفة التاجر .
كذلك تتوافر صفة العمومية في القاعدة التي تحدد ما يجب أن يتوفر في رئيس محكمة النقض من شروط ، فهي و إن كانت لا تنطبق إلا على فرد واحد إلا أنها لا تنطبق عليه محدداً بذاته و إنما بصفات معينة قد تتوفر في غيره .
بناءً عليه فإن المرسوم الذي يصدر بتعيين شخص معين رئيساً لمحكمة النقض أو رئيساً للجامعة لا يضع قاعدة عامة , و على ذلك لا يضع قاعدة قانونية .
وهي ثانياً مجردة : ويظهر التجريد في القاعدة القانونية من حيث أن نشوءها لا يتعلق بشخص معين بالذات أو بواقعة معينة ، و تظل بالتالي القاعدة القانونية قائمة ، مهما بلغ عدد تطبيقها على الأشخاص و الوقائع ، طالما قد توافرت الشروط المحددة في القاعدة القانونية النافذة .
و من هنا فإن هناك ارتباطاً حتمياً بين التجريد و العمومية ، فتنشأ القاعدة مجردة و تكتسب نتيجة ذلك صفة العمومية عند تطبيقها على الأشخاص و الوقائع .
و عليه فالقاعدة القانونية باعتبارها خطاباً عاماً و مجرداً لا تستنفد أثرها بتطبيقها على شخص معين أو واقعة معينة ، بل تطبق على الدوام و على عدد غير متناه من الحالات طالما توافرت الصفات أو الشروط العامة التي تفترضها .
و تطبيقاً لذلك يعتبر ما نص عليه قانون الخدمة العسكرية و قانون تنظيم الجامعات قاعدة قانونية , لأنه يطبق على مجموعة من الأشخاص معينين بأوصاف و شروط محددة .
بينما القرار الصادر بدعوة شـخص معين للخدمة العسكرية لا يشكل قاعدة قانونية , لأنه يتوجه إلى شخص معين بالذات .
و القاعدة التي تنص عليها المادة 164 من القانون المدني السوري , من أن كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم صاحبه بتعويض هذا الضرر , هي قاعدة قانونية , لأنها قاعدة عامة و مجردة تنطبق على كل فعل ضار متى توافرت فيه صفة الخطأ .
أما الحكم القضائي الصادر بإلزام طبيب معين بأداء مبلغ من المال كتعويض لمريض معين نتيجة خطأ جسيم ارتكبه في علاجه ، لا يعد هذا الحكم متضمناً قاعدة قانونية لأنه يواجه حالة أو واقعة بعينها و يخاطب شخصاً معيناً بالذات وهو الطبيب المعالج في هذه الدعوى .
و بالتالي فإن هذا الحكم يستنفد أثره و تنتهي فاعليته بمجرد تطبيقه على الحالة الذاتية التي صدر بصددها , و بالتالي لا يمتد ليشمل حالات أخرى مماثلة .
نستنتج مما تقدم أن أساس العمومية و التجريد في القاعدة القانونية هو :
1 ـ مبدأ سيادة القانون و مبدأ المساواة أمام القانون .
2 ـ إن صفة العمومية و التجريد تجد أساسها أيضاً في تحقيق العدل : فالعدل يتطلب المســــاواة في معاملة المخاطبين بأحكام القانون دون تفرقة بينهم , و صفة العمومية و التجريد التي تتصف بها القاعدة القانونية تجعلها محققة للعدل دون العدالة .
# فالعدل يقوم على أساس المساواة المجردة الجامدة بين المواطنين دون الاعتداد بالظروف الخاصة بكل منهم .
# أما العدالة فتقوم على أساس تحقيق المساواة الفعلية و الواقعية التي تأخذ بالحسبان الظروف الخاصة بكل حالة على حدة .
3 ـ كما يلاحظ أن صفة العمومية و التجريد ترتبط باعتبارات عملية مرجعها استحالة صدور قرارات خاصة تنظم سلوك كل فرد على حدة في المجتمع .
و السؤال الذي يمكن أن يطرح هنا فيما إذا كان هناك تعارض بين صفة العمومية و التجريد في القاعدة القانونية و بين صفة المرونة التي تتصف بها العديد من هذه القواعد ؟
فقواعد القانون تنقسم من حيث صياغتها إلى :
A. قواعد جامدة لا يملك أحد سلطة تقديرية في تطبيقها , مثل القاعدة التي تحدد سن الرشد , و القاعدة التي تحدد ميعاد الطعن في الحكم القضائي .
B. و قواعد مرنة تنطبق على الحالات الخاصة وفقاً للسلطة التقديرية للشخص الذي يقوم بهذا التطبيق , مثل نظرية الظروف الاستثنائية التي تخول القاضي سـلطة تعديل العقد على نحو يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول .
يلاحظ أن مرونة القاعدة القانونية لا تتعارض مع صفة العمومية و التجريد التي تتصف بها , لأن المرونة التي تصاحب تطبيق القاعدة القانونية لا تنصرف إلى شخص بذاته أو واقعة بذاتها ، بل تطبق على كل الوقائع و الأشخاص الذين تتوافر فيهم شروط إعمال هذه القاعدة ، فهي ( أي المرونة ) عامة و مجردة يمكن أن تنطبق على أشخاص غير متناهين ، و على وقائع غير محددة , و ذلك استناداً للسلطة التقديرية للشخص القائم على تطبيق القاعدة .
ثالثاً ـ القاعدة القانونية قاعدة ملزمة تقترن بجزاء يفرض احترامها :
القاعدة القانونية قاعدة سلوك ملزمة , أي واجبة الاحترام من قبل جميع الأفراد في المجتمع , و هي في ذلك لا تتميز عن قواعد السـلوك الأخرى التي هي بدورها قواعد ملزمة .
إلا أن صفة الإلزام المقترنة بكل قواعد السلوك تقوم على فكرة أخرى هي فكرة الجزاء فالإلزام لا يتصور وجوده ، ما لم تقترن القاعدة بجزاء يوقع على الشخص الذي يخالف الأمر الوارد فيها ، ففكرة الجزاء هي فكرة متممة لفكرة الإلزام .
و هنا يظهر الفارق بين القواعد القانونية وقواعد السلوك الأخرى , أي من حيث طبيعة الجزاء :
ý فإذا كان الجزاء في قواعد السلوك غير القانونية يتمثل في استنكار المجتمع أو تأنيب الضمير ,
ý فإن الجزاء في قواعد القانون يتمثل في الإجبار أو القسر الذي توقعه السلطة العامة على من يخالف هذه القواعد .
و من ثم يعتبر المؤيد أو الجزاء هـو الأثر المترتب على مخالفة القاعدة القانونية .
و إذا كان الأشخاص قد يطبقون أحكام القاعدة القانونية ، في أغلب الأحيان ، بشكل عفوي و تلقائي لاعتقادهم بضرورتها , حتى و لو لم تكن مفروضة عليهم بقوة المؤيد أو الجزاء , فإن هذا لا يعني عدم ضرورة هذا المؤيد أو الجزاء ، بل يعتبر عنصراً أساسياً و صفة جوهرية تميز القاعدة القانونية عن غيرها من قواعد السلوك الاجتماعية .