يعتبر الفن من الأشياء التي تخفف عنا وطأة الحياة وثقلها، وعلى الرغم من ذلك نجد عادةً أن الفن حزين، وعند الذهاب لعمالقة التاريخ في السينما والأدب والرسم، سنجد أن الفن يجري على يدهم في أكثر صوره حزنًا وواقعية.

والحقيقة أنه بالرغم من الفن الصادم الذي يبدعه الفنانون الكبار، إلا أن هذا الفن ما زال يمتلك قدرة كبيرة على مواساتنا في الحياة، ونجد في حزنه وواقعيته عزائنا، وانطلاقًا من هذه النقطة أكتب قائمة الترشيحات هذه عن أفلام تخبرنا كيف يمكن للحياة أن تكون سوداء، وبالرغم من ذلك ستشعر بالراحة بعد أن تنتهي هذه الأفلام.

1- Melancholia



تم إصدار هذا الفيلم عام 2011، والفيلم من إخراج وكتابة لارس فون تريير، ومن بطولة كيرستين دانست، وتشارلوت جاينسبورج، ينقسم الفيلم إلى جزأين بالتساوي، الجزء الأول يدور حول جوستين، ويبدأ الفيلم مع جوستين في يوم زفافها، يحاول الجميع إسعادها، لكن هي غير سعيدة مهما حاولت التظاهر، بالرغم من الزفاف الراقي، والمال المتوفر، وترقية العمل وزوج الأحلام إلى أن جوستين حزينة، وتشعر أن هناك أفرع شجر تجر وتسحب أقدامها للخلف.

بعد انتهاء الجزء الأول سندرك أن الفيلم يدور حول الاكتئاب وماذا يمكن أن يفعل في صاحبه، وإلا أي مدى قد يدفعه إلى القيام بأفعال غير مبررة، ويؤكد الجزء الثاني على تأثير الاكتئاب وذلك بعرض حياة جوستين مع أختها كلير، وخلال هذا الجزء، يبدأ كوكب ميلانكوليا في الظهور، وهو الكوكب الذي كان يختبئ خلف الشمس والآن هو في طريقه إلى كوكب الأرض؛ ميلانكوليا سيدمر الكوكب، والاكتئاب سيدمر حياة جوستين، على ألحان ممتعة، وبإخراج جيد للغاية خرج لنا واحد من أهم الأفلام التي تتحدث عن الاكتئاب.

2- The Pianist



تم إصدار هذا الفيلم عام 2002، الفيلم من إخراج رومان بولانسكي، ومن بطولة أدريان برودي؛ تدور أحداث الفيلم خلال الحرب العالمية الثانية، ومن خلال عازف البيانو “شبيلمان” وأسرته سنرى الاضطهاد والظلم الذي كان يقع على اليهود مِن قِبل هتلر؛ تم صياغة الحوار وصناعة السيناريو في هذا الفيلم بشكل ذكي للغاية، وعلى الرغم من أنه يحكي عن مآسي اليهود إلا أنه في المشهد الأخير سنعرف أن الاضطهاد العرقي لا يفرق بين الأجناس والأديان، ويمكن أن يقع لنا نحن إذا وقعنا تحت يد مستبد لا يعرف قلبه طريقًا إلا الإنسانية.

في هذا الفيلم سنرى الترحيل بالقوى من المنازل، وسنرى الضرب في الشوارع من أجل الدين والمعتقد، وسنرى الناس تأخذ علامات على أجسادها مثل الحيوانات حتى يتم معاملتها معاملة مختلفة، سنرى الأم تخاف من بكاء طفلتها حتى لا تقتل، وسنرى أبشع من ذلك بكثير، بل سيصل الأمر بك إلى الشعور براحة غير طبيعية عند ظهور الخبز والطعام في الفيلم، سترقص من السعادة لو رأيت إنسانًا يستطيع أن ينام ليلة كاملة بهدوء.

3- Requiem for a Dream



تم إصدار هذا الفيلم عام 2000، والفيلم من بطولة جينفير كونلي، وجاريد ليتو، ومن إخراج دارين أرنوفسكي، يصعب الحديث عن سوداوية الحياة دون الحديث عن أكثر الأشياء المفسدة لحياة الإنسان وهي الإدمان، هذا الفيلم يتناول الإدمان بأشكال مختلفة، الإدمان النفسي، وإدمان المخدرات، وإدمان المال، وأنواع أخرى؛ يبدأ الفيلم بشاب وشابة، بينهم الكثير من الحب، والأحلام وأمامهم مستقبل مشرق، وبالرغم من أنك تنتظر أحداث سعيدة إلا أن الإدمان يتدخل فجأة ليحول الحياة السعيدة إلى جحيم لا يطاق، والجدير بالذكر هنا أن إخراج الفيلم وطرق تصويره واختيار الكادرات وحركات الكاميرا جعلت الفيلم من أفضل التجارب البصرية التي تم صناعتها في تاريخ السينما.

4- A Clockwork Orange



تم إصدار هذا الفيلم عام 1971، والفيلم من إخراج المخرج الكبير ستانلي كوبريك، ومن بطولة مالكولم ماكدويل، الفيلم مأخوذ من رواية بنفس الاسم للكاتب أنتوني برجس، وقد أحدث الفيلم ضجة كبيرة في اليوم الذي أُصدر فيه، واستمرت الضجة في التزايد حتى مُنع الفيلم من العرض في السينما، وظل الوضع هكذا 23 حتى عُرض عام 2000، ويعتبر الفيلم الآن واحدًا من أهم الأفلام في التراث السينمائي العالمي، وتم اختيار الفيلم من معهد السينما كواحد من أفضل 50 فيلمًا في تاريخ السينما، وأعتقد أنه الملهم الأول لمعظم الشخصيات الشريرة المميزة في تاريخ السينما.

يمكننا فهم فلسفة الفيلم من اسمه وذلك حيث يتحدث الفيلم عن الإنسان الذي يعيش مثل الآلة وينفذ أوامر معينة، وهذا ما يحاول الفيلم تصويره بشكل سوداوي، يبدأ الفيلم مع عصابة فريدة من نوعها، مجموعة من المراهقين يقومون بتكوين عصابة بدلًا من الذهاب للدراسة، يذهبون إلى عالم السرقة والاغتصاب والتحرش والشجار والقتال وشرب الحليب؛ يعرض الفيلم أفعال هذه العصابة ومشاكلها، حتى يتم القبض على رئيس العصابة أليكس وذلك بسبب خطة يضعها أفراد العصابة للإيقاع به.

نرى أليكس بعد تقدم أحداث الفيلم يتعرض لعملية “غسيل دماغ” وذلك كي يتخلص من الإجرام بداخله، وذلك عن طريق تجارب نفسية مسؤول عنها سياسي يرغب في الفوز في الانتخابات عن طريق تقليل نسب الجرائم؛ يتم شفاء أليكس ويصبح غير قادر على ممارسة الجريمة، أو بمعنى أكثر دقة أصبحت حياته أخلاقية، وهنا يقدم الفيلم المعضلة، هل ستصبح حياة الإنسان جيدة إذا أجبرناه على اتخاذ المسار الأخلاقي الذي نراه صحيحًا؟ هل سيصبح الإنسان إنسانًا إذا تعاملنا معه مثل الآلة؟ يقدم الفيلم هذه الأسئلة وأكثر، ويعرض حياة أليكس التي تزداد سوداوية بسبب الشر الذي قل بداخله، ولأول مرة يرغب المشاهد أن يرى الشر حتى يشعر أن الذي أمامه إنسان حر.

5- Gone Girl



تم إصدار هذا الفيلم عام 2014، والفيلم من إخراج المخرج الكبير ديفيد فينشر، ومن بطولة بن أفليك، وروزاموند بايك، تبدأ أحداث الفيلم في يوم الذكرى الخامسة لزواج نيك دان وأمي دان، يذهب نيك في بداية الفيلم إلى اخته كاري كون في الحانة التي يديرها معها، ثم يأتي نيك اتصال يجعله يذهب إلى منزله، وهناك يجد أن هناك منضدة كبيرة تم تكسيرها، يبحث نيك بسرعة عن زوجته لكن بلا فائدة لقد اختفت وهنا يضطر أن يتصل بالشرطة لطلب المساعدة.

مع مرور الوقت تتكشف للشرطة أدلة جديدة تغير مجرى الفيلم بأكمله، إلا أن نعرف أن إمي زوجة نيك والكاتبة الشهيرة صاحبة سلسلة كتب “إيمي المذهلة” هي من تخطط لكل هذا، وتفعل ذلك لأنها تريد الهروب من نيك، بعد هذه الصدمة يبدأ الفيلم بعرض الكثير من المفاجآت وتتعقد الأحداث أكثر تحل مشكلة وتظهر مشكلة أخرى، أما عن سبب سوداوية هذا الفيلم فهو عن فكرة أنك تعيش مع شريك حياة كهذا، كل شيء طبيعي، لكن هناك الكثير من الأسرار، وهذا ما يفتتح ويغلق به الفيلم، وهو تمني نيك أن يعرف ما يدور في رأس شريكة حياته، يريد أن يطمئن عند النوم بأنه سيستيقظ مرة أخرى دون أن يقتل أو يحرق، أو تحدث مفاجأة تقلب حياته كلها.

6- The Best Offer



تم إصدار هذا الفيلم عام 2013، الفيلم من إخراج وسيناريو جيوزبي تورنتوري، ومن بطولة جيوفري راش، وسيلفيا هويكس، يدور الفيلم حول فيرجيل أولدمان، وهو رجل يعمل في مجال اللوحات ويعتبر من أشهر الخبراء في العالم، ويستطيع بسهولة معرفة الأعمال المزيفة، في أحد الأيام يأتي وكالته اتصال، وتصر المتصلة أن يذهب فيرجيل بنفسه إلى منزلها ليرى التحف واللوحات هناك ويقيمها، بعد الكثير من الإصرار يذهب فيرجيل إلى هناك.

بعد عدة مرات يجد فيرجيل أن تلك المرأة “كلير” لا ترغب بأن يراها أحد وذلك بسبب مخاوف ومشاكل نفسية، فلا يستطيع إلا أن يكلمها عبر الهاتف، لكن بالرغم من ذلك يجد فيرجيل نفسه واقعا في حبها، يذهب كثيرًا لبيتها ليرى اللوحات، وهناك يجد قطع من آلة قديمة أثرية، يعطي فيرجيل هذه الأجزاء لصديق له على أمل أن يجمع الآلة، يتسلل فيرجل مرة إلى كلير حتى يراها ويصعق حينها من جمالها، وتستمر خطوط الفيلم الدرامية والرومانسية في التقدم، وذلك حتى تصعق أنت فجأة أثناء المشاهدة ولا تصدق ما ستراه، وبعد الذي ستراه ستقرر وضع هذا الفيلم على رأس هذه القائمة.

7- Turtles Can Fly



تم إصدار هذا الفيلم عام 2004، والفيلم من إخراج المخرج الإيراني باهمان غوبادى، ومن بطولة سوران إبراهيم، تدور أحداث الفيلم حول مجموعة من الأطفال، أطفال فقدوا أهلهم وذويهم بسبب الجيش الأمريكي الذي غزا بلادهم، يعتبر الولد الملقب “ستالايت” هو بطل الفيلم، وتم تلقيبه بهذا اللقب لأنه الوحيد الذي يقوم بتركيب أطباق الدش، وتلك الأطباق يحتاجها الناس التي تقطن على الحدود الإيرانية، وذلك حتى يعرفوا الأخبار الجديدة التي تخص سقوط صدام حسين في العراق ومشاكله مع الولايات المتحدة الأمريكية.

بجانب تركيب الأطباق نجد أن ستالايت مسؤول عن الأطفال، والأطفال تعمل في الحقول والمزارع وذلك حيث تقوم بفك الألغام الأمريكية وهذه الألغام يتم بيعها لتاجر جملة وبالتالي يستفيد الأطفال من المال، وهذا التاجر يبيع الألغام للولايات المتحدة الأمريكية مرة أخرى حتى تستفاد بها، وخلال عملية فك الألغام هذه نجد أن حياة الأطفال حياة قاسية محفوفة بالمخاطر، بل ستعتاد أثناء مشاهدة الفيلم على وجود أطفال بلا قدم أو أطفال بلا يد، حتى لو حُرم طفل من يده فهو ما زال يحتاج إلى العمل لذلك سينحني بوجهه إلى الأرض ويقوم بفك الألغام بأسنانه.

هناك فتاة صغيرة قادمة من بلد أخرى، تحمل دائمًا طفلًا صغيرًا على ظهرها وتسير بجانب شقيقها، الطفل الصغير هذا لا تعرف الفتاة عنه شيئًا لكنها وجدته يوم طردت من بيتها، وشقيقها قد فقد يده أثناء عمله، لكنه يستطيع أن يشعر بالمستقبل والأحداث التي ستقع فيه، يحب هذا الشقيق الطفل الصغير، أما الفتاة التي بدأ ستالايت يحبها قد ضاقت ذرعًا بالطفل وتجد أنه مسؤولية زائدة لا فائدة منها، بل ويجب التخلص منها.

على هذه الأحداث الحزينة، ومع تصوير وإظهار حياة الأطفال المليئة بالخراب، نجد أن المشاهد تجري على ألحان جنائزية حزينة بشكل فريد، ويعتمد الفيلم في الكثير من المشاهد على الصمت، وذلك لأن المشاهد كانت أبلغ بكثير من الكلام؛ وخلال أحداث الفيلم سترى أن السؤال الذي يتكرر في رأسك “لماذا يحدث كل هذا لمجموعة من الأطفال؟” لكنك لن تجد إجابة، لن تجد شيئًا غير الكثير من الدموع التي ستنهمر من عينك.

8- الكيف



تم إصدار هذا الفيلم عام 1985، والفيلم من إخراج علي عبد الخالق، ومن بطولة يحيى الفخراني، ومحمود عبد العزيز، يدور الفيلم حول حياة الشقيقين صلاح أبو العزم، وجمال أبو العزم، تم تربية الأخوان تربية مستقيمة محافظة، لكن كل واحد منهم أخذ طريقًا مخالفًا للآخر، صلاح أبو العزم درس في كلية العلوم وأخذ درجة الدكتوراه من قسم الكيمياء ثم بدأ العمل براتب متواضع في شركة حكومية، أما أخوه جمال أبو العزم فيعمل في مجال الأفراح الشعبية، يُحي ليالي الزفاف، ويتنقل بين مختلف فئات الشارع والمدمنين وتجار المخدرات والراقصات.

بسبب حياة جمال التي تزداد انحطاطًا، قرر صلاح مساعدته بصنع “توليفة” مكونة من مواد عطرية ويعطيها لأخيه كأنها مخدرات فينقذه من المخدر الحقيقي، وستنجح الخطة لولا أن جمال سيلح على صلاح أن يصنع له كمية من هذه “التوليفة” حتى يقوم ببيعها لتجار المخدرات، وفي النهاية سنجد الأخ صاحب المبادئ يوافق، وذلك بسبب قسوة الحياة عليه وقلة المال، وستبدأ السعادة الحقيقية في الظهور مع كثرة المال في الأيادي.

لكن سرعان ما سيقع جمال ومن بعده صلاح في مشاكل مع تاجر مخدرات كبير يطمع في موهبة الأخ الكبير، ومن هنا يبدأ الفيلم في أخذ مجرى حزين وسوداوي، لينتهي بواحد من أكثر المشاهد السينمائية حزنًا، وعلى الرغم من أن الفيلم يحكي عن حيوات مدمرة إلا أن الفيلم فيه الكثير من الكوميديا الذكية جدًا، كما تم كتابة السيناريو بأسلوب يدعو للدهشة وذلك بسبب المخزون اللغوي للغة الشارع المتواجدة في الفيلم.

وهكذا نكون قد انتهينا من ترشيحات هذه القائمة، والتي حرصت أن أجعلها تتناول كافة جوانب الحياة، بداية من الشبح الأسود الأكبر “الاكتئاب”، مرورًا بالتميز العرقي والديني، ثم الإدمان، والأخلاق وأهميتها في حياة البشر، وأخيرًا، وضعت أفلام تناقش العلاقات العاطفية التي قد تصل إلى مراحل لا يمكن التخيل أنها موجودة في الواقع، وبالطبع وضعت فيلمًا عن الحرب وتأثيرها على حياة الأطفال وتدميرها، لكن وبالرغم من كل هذه الترشيحات إلا أن الأمر كما قلت في بداية المقال، في كل هذا السواد نجد عزاءنا، ونجد ما يخفف علينا حياتنا، وواقعنا.





محمد إبراهيم جاد الله - أراجيك