تقرّب النظرية الحديثة بين القانون والأخلاق حتى تكاد تقضي على كلّ فرق بينهما، سواء من حيث الغرض أو النطاق أو الجزاء لكلّ منهما. فهي تتصوّر دائرة القانون جزء من دائرة الأخلاق ينمو ويتّسع كلّما ازداد إحساس المجتمع بأنّ إتباع قاعدة خلقية معيّنة ضرورة لخير المجتمع، لأنّه إذ ذاك يشعر بالحاجة إلى تدعيم هذه القاعدة ورفعها من مرتبة الأخلاق إلى مرتبة القانون الوضعي (المعمول به) عن طريق فرض جزاء يكفل احترامها. وهكذا نشهد بين الأخلاق والقانون حركة مستمرّة تجعل القانون الوضعي يتماشى مع المجتمع في تطوّره.. وأقرب مثال لذلك قانون حوادث العمل، فالقاعدة الخلقية تفرض على ربّ العمل أن يعوّض العامل عمّا لحقه من إصابات بسبب العمل ولو لم تكن الإصابة راجعة إلى خطأ ربّ العمل. وقد رفع المشرع هذه القاعدة إلى مرتبة القاعدة القانونية وجعلها ملزمة.
قد جرى الفقه القانوني على التمييز بين قواعد القانون وقواعد الأخلاق على أساس اختلاف الغرض والنطاق والجزاء، في كلّ منهما:

1ـ من حيث الغرض: فإنّ القانون يقصد إلى تحقيق هدف نفعي، هو ضبط السلوك وحفظ النظام العام، أمّا الأخلاق فهدفه سامي تنزع بالأفراد نحو الكمال، فهي تأمر بالخير وتنهى عن الشر وتحضّ على التحلّي بالفضائل.

2ـ من حيث النطاق: فإنّ دائرة الأخلاق أوسع نطاقا من دائرة القانون، فالأولى يدخل فيها واجب الإنسان نحو نفسه، عدا عن واجبه نحو الغير. زيادة على ذلك فإن الأخلاق تعني بالمقاصد والنوايا إلى حدّ كبير، ولا تكتفي في الحكم على أعمال الأفراد بظاهر سلوكهم. أما دائرة القانون فهي لا تشمل إلاّ علاقات الإنسان مع غيره من الأفراد في المجتمع، دون أن تهتمّ كثيرا بواجبه نحو نفسه، ثمّ أنّ القانون لا ينظر إلاّ إلى أعمال الفرد الظاهرة. وليس له شأن ـ في الغالب ـ بما استقر في نيّته أو ضميره.
زيادة في الإيضاح، إنّ أكثر القواعد القانونية هي في الوقت نفسه قواعد خلقيّة، أو على الأقل لها أساس أخلاقي، كتلك التي تمنع ارتكاب الجرائم بتحريم الاعتداء على جسم الغير أو على أمواله، وتلك التي توجب تنفيذ العقود. وكلّما ارتقت الإنسانية، كلّما ضاقت الشقة بين القانون والأخلاق، أو بمعنى آخر تحوّلت القواعد الخلقية إلى قواعد قانونية.
هناك قواعد خلقية لم تدخل في نطاق القانون، أو على الأقل لم تدخل فيه بصورتها المطلقة، كتلك التي توصي بالصدق في القول، أو الترفّع عن التزلف، على أنّ القانون وإن كان لا يتضمّن بعض هذه القواعد أو المبادئ الخلقية في صورة مطلقة، إلاّ أنّه يتضمّن قواعد تدخل في نطاقها. ومثال ذلك أنّ القانون وإن كان لا يمنع الكذب بوجه عام، فهو يمنعه في حالات خاصة تبدو فيها خطورة الكذب على النظام الاجتماعي حدا يسمح بتوقيع جزاء عليه، ومثال ذلك شهادة الزور والتزوير، فكلاهما كذب له خصائص تميّزه عن غيره من الكذب.
هناك قواعد قانونية لا تدخل في نطاق الأخلاق، مثل قاعدة المرور التي تأمر السائق بالسير على اليمين، والقواعد التي تنظم إجراءات التقاضي أمام المحاكم، من ناحية أخرى فهناك أمور يسمح بها القانون مع خروجها على الأخلاق كالربا.
و يجدر بالذكر أنّ القانون نفسه يبطل الاتفاقيات المنافية للأخلاق، فقد نصت المادة: (163) من القانون المدني على أنّه: إذا كان محلّ الالتزام مخالفا للنظام العام أو للآداب كان العقد باطلا. ومثال ذلك الاتفاق على إيجاد علاقات جنسية غير مشروعة، فهو باطل لمخالفته للآداب. وكذلك كلّ اتفاق خاص بمقامرة أو رهان.

3ـ من حيث الجزاء: إذا كان جزاء مخالفة قواعد القانون هو إيقاع العقاب المادي والمحسوس على المخالف، فإنّ جزاء مخالفة قواعد الأخلاق هو احتقار الناس واستنكارهم.

أ‌. عيسى محمد بوراس