منذ فتره ليست بعيده انتقلت الى منزل جديد .... حاولت مقاومة شعوري بالانتماء للأشياء قدر استطاعتي.. فتخليت عن فراشي القديم، عن ضحكي في تلك الغرفة وبُكائي في ذلك الرُكن، عن الطريق الذي كُنت أسلكه ولكنني كنت اتمني ان اتخذ مسكنًا يبعد خمس دقائق عن منزلي القديم فأراه ذهابًا وإيابًا دون أن تراودني حتى فكرة رؤيته عن كثب.. كما أتخلى عن علاقتي بأحدهم فأراقبه من على مسافةٍ لا تسمح لنا بالالتقاء ولكنها لا تمنع الود.. الآن أجلس تحت شجره الليمون أمامي فنجان قهوة أرهقني صنعه إذ أني لم أجد "قداحة" فأنجدني كبريتًا وحيدًا لم يمسسه أحدًا منذ مدة لا بأس بها أراقب المنطقة من حولي وأفكر ماذا لو أن أحدهم يراقب تلك الفتاة العشرينية التي انتقلت لهم حديثًا وتستمع إلى "ابن الباديه" وكأن لا يوجد أحد غيرها بالعالم ولا تُبالي حقًا حتى إن وُجد.
كيف كانت حياة من جلس قبلي في تلك الشجره، هل كانت عائلةٌ سعيدة وتعلو ضحكات أطفالهم كما تنم تلك الكرة الوحيدة خلف شجرة الليمون وكأنها تستنجد وتشكو أنه تم تركها أم شابٌ أعزب يعاني من الفراق ويعربد إذ أنني لم أجد حتى سكينٍ في المطبخ فموكدًا أنه أكتسب الكثير من الوزن لو أنه أعتمد على الطعام الجاهز أم فتاةٌ مثلي تبحث عن السعادة والسكينة وتحاول انتزاعها من فك القدر أو رُبما امرأةٌ عجوز مثلما أخبرتني مالكة المنزل واستأجرت ذلك البيت لتنعم بأيامها المعدودة في هدوءٍ ولكنها مرضت ولم تسن لها الحياة فرصة رؤية شجرتها الصغيرة تطرح ليمونًا.
لا أعلم ولكن مؤكدًا أن من كان هُنا كان وحيدًا للغاية، فعلى رغم كثرة سكان تلك المنطقه وعلى الرغم من أن "ابن الباديه " يصرخ قائلًا "بعد مافات الاون" لم ينتبه له أحدًا، لم يثير فضول أحدهم أن تلك الشجره ينبعث منها صوتًا مُجددًا وكأنها لم تكن وحيدة لأعوامٍ، يركضون جميعهم وكأنها نهاية العالم.. ركض الأطفال ممتعضين لحافلة المدرسة وركض الكبار ممتعضين لسياراتهم بينما لم يفارق هاتفهم أذانهم وهم يوهبون عمرهم لعملهم. أكاد أجزم أن لم ينعم أحدًا منهم بلحظة سكينة واحدة ولو لدقيقةٍ ليثني على الطقس اليوم، ليرحب بالشمس ويودع السُحب.. رُبما لم يلاحظوا من الأساس إذ أن سحب المسؤولية غيمت على أرواحهم وأمطرت أيامهم همًا.
م