كان نيرون، طاغية روما، يصبغ شعره الأبيض بعجينة السباغيتي، كما يصبغ المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر شعره بالحناء. وإذا كان الإسكندر ذو القرنين يخفي قرنيه بشعره، وقتل حلاقه كتما للسر، فإن شرودر أقام دعوى قضائية ضد الحلاق الذي تحدث عن صبغ شعره.
بعد دراسة متأنية لتاريخ المجتمعين القديمين الروماني والإغريقي، خلص فريق من الباحثين الفرنسيين والألمان، من مركز الدراسات العلمية في باريس، إلى أن الرومان القدمان كانوا يصبغون شعورهم بعجينة السباغيتي.
وأكد البروفسور فيليب فالتر أن رجال روما وأثينا قبل 2000 عام كانوا أول من استخدم التقنية النانوية (نسبة إلى النانومتر الذي يعني 1 من مليون جزء من المتر) في صناعة مستحضرات التجميل.
إذ إن معاملة الشعر بعجينة أكسيد الرصاص والجير المطفأ كان يلون الشعر بكريستالات نانوية صغيرة وفعالة، لكنها كانت ضارة بالصحة. لكن رجال روما كانوا يدفعون ثمنا غاليا من صحتهم لقاء نزوعهم لتغطية الشعر الفضي.
فمادة كبريتات الرصاص ضارة بصحة الإنسان كما كشف فيليب فالتر وزملاؤه من خلال تجاربهم الحديثة. فالصبغة الكريستالية، وهي نوع من الأملاح المعدنية، تتسرب عبر الجلد إلى الدم وتسبب أعراضا تشبه أعراض التسمم البطيء بالرصاص عند تكرر استعمالها.
فهل تختلف الصورة اليوم؟
خبراء مجلة «إيكو - تيست» الألمانية المعروفة أخضعوا 23 نوعا من أصباغ الشعر، للنساء والرجال، من الماركات السائدة في السوق، ولم يمنحوا أية ماركة درجة «مقبول».
وجاء في تقرير المجلة أن كل هذه الأصباغ تحتوي على مواد مشكوك في تأثيرها على صحة الإنسان، وأن معظمها نال درجة «ضعيف».
بين هذه الماركات أصباغ الشعر من «لوريال» و«شفارتسكوبف» و«بولي». بل إن بعض مستحضرات صبغ الشعر «الطبيعية»، التي تحمل «العلامة الخضراء»، على علبتها لم تخلُ من المواد الضارة. فهذه المستحضرات التي تحتوي على صبغات نباتية مثل «ناتروتينت»، و«سانوتينت»، والحناء تحتوي على مواد يقف العلم بشك حول تأثيراتها على صحة الإنسان.
كل أصباغ الشعر غير النباتية كانت تحتوي على مواد كيماوية مثل الأمين العطري 2,5 توليلندامين (PTD) وب – فيناليندامين (PPD)، وهي مواد قد تثير الحساسية عند احتكاكها بالجلد.
هذا فضلا عن مادة بامينوفينول، التي يشك العلماء بأنها تؤثر في العناصر الوراثية للبشر. وهذه المواد لا تسبب السرطان، حسب تقدير خبراء المجلة، لكنها ليست بريئة من مضاعفات أخرى قد تكتشف لاحقا.
بعض مستحضرات الصبغ كانت تحتوي على الأمين العطري 6 - أمنيو - م - كريسول، وبعضها الآخر كان يحتوي على الأمين العطري 5 - أمينو - 6 - كلورو - كريسول.
وأشار خبراء «إيكو - تيست» إلى أن العلماء لم يصنفوا هاتين المادتين كمادتين غير ضارتين بالصحة، وأن الأبحاث حولهما مستمرة، واستعمالهما على هذه الأساس لا يخلو من مجازفة.
وكانت دراسة أميركية مماثلة أجريت عام 2001 على مختلف أنواع أصباغ الشعر، قد توصلت إلى نتائج مماثلة.
وهذا يعني أن شركات إنتاج أصباغ الشعر لم تعمل على تحسين منتجاتها، وتخليصها من المواد الضارة، والأخرى المشكوك ببراءتها من المضار الصحية.
وتوصل الباحثون الأميركان إلىأن مواصلة صبغ الشعر لفترة طويلة قد تزيد مخاطر الإصابة بسرطان المثانة. حملت المفوضية الصحية الأوروبية نتائج الدراسة الأميركية محمل الجد، وفرضت المزيد من الشروط الصحية على صناعة أصباغ الشعر.
وعملت المفوضية، بين 2001 و2003، على منع استخدام 200 مستحضر شائع في السوق، من أصل 380 مستحضرا أخضعته إلى الفحوصات المختبرية. وموضوع الأضرار الناجمة عن مستحضرات صبغ الشعر تتعلق بالسن أيضا، لأن الشباب أكثر عرضة لأمراض لحساسية من كبار السن.
ولهذا فقد منعت وزارة الصحة الألمانية عام 2011 الشباب تحت سن 16 سنة من صبغ الشعر، كما هي الحال مع بيع الكحول. وعممت الوزارة تعليمات على الحلاقين تطالبهم بالسؤال عن سن الراغب بصبغ الشعر قبل تنفيذ رغبته.
كما فرضت الوزارة على شركات إنتاج أصباع الشعر، التي تحتوي على المواد الكيماوية المؤكسدة كتابة عبارة تقول بعدم جواز بيع المنتج للشباب تحت سن 16 سنة. وقد قوبل هذا القرار بكثير من عدم التفهم، من قبل الشباب الألمان، بالنظر إلى موضة صبغ الشعر السائدة بينهم.
نعود إلى صبغة السباغيتي الرومانية القديمة، لأنها حسب رأي العلماء أكثر ثباتا من صبغات اليوم. إذ راقب العلماء عملية تلون الشعر الأبيض بصبغة السباغيتي تحت المجهر فلاحظوا أن سر تلون الشعرة بالأسود يعود إلى تفاعل الكبريت مع البروتين البشري الموجود في الشعر الأبيض.
واتضح أيضا، من خلال عدسة المجهر، أن كريستالات كبريت الرصاص كانت أصغر بكثير مما يتوقعون، وكانت أقطارها تتراوح بين 4 - 15 جزءا من مليون جزء من المليمتر.
وكانت الصبغة السوداء ثابتة إلى حد كبير لأن الكريستالات الكبيرة كانت تغطي الشعرات البيضاء في حين تتسلل الكريستالات الصغيرة إلى داخل الشعرة لتلونها. وحسب رأي العلماء فإن شركات صنع أصباغ الشعر تستطيع اليوم الاستفادة من هذه التقنية لصناعة أصباغ شعر أثبت بكثير من تلك السائدة في السوق.
نصحت «إيكو - تيست» في نهاية تقريرها باستخدام الأصباغ النباتية الطبيعية، رغم أنها لم تكن أفضل بكثير من الأصباغ الكيماوية.
وعلى من يصر على استخدام الأصباغ الكيماوية أن لا يتخلى عن القفاز المطاطي عند ممارسة تلوين شعره، ومن الأفضل أن يغطي وجهه بنوع من الكريمات التي تحميه من الحساسية الناجمة عن الاحتكاك بالجلد.
وتحذير أخير من خبراء المجلة المعروفة: على الراغبين في إخفاء الشعر الأبيض في رؤوسهم أن لا ينخدعوا بالـ«علامة الخضراء» على العلبة، لأنهها تتجاهل المواد التي لم يتثبت العلم من ضررها على صحة الإنسان بعد