الرد على مَن يزعم أن اللغة العربية أصلها من الآرامية أو العبرية أو السريانية وأن القرآن يجب تفسيره بناءً على ذلك:
أولا: ادعى بعض المعاصرين ذلك متأثرين بعلماء اليهود والنصارى من المستشرقين وغيرهم، والمتحدث بذلك من المتأثرين بهم ليس من علماء العربية، بل تبدو معلوماته فيها ضئيلة جداً، ومع ذلك يفسر ألفاظًا عربية، ويدعي أن لها جذورا غير عربية، ولم يستطع أن يذكر لها معاني في اللغة العربية، ولكنه أصر على تفسيرها بحسب جذورها التي يدعيها، فهل كانت العرب تعرف تلك المعاني؟ أو كانوا يجهلونها؟ وبأي إجابة أجاب سيناقض نفسه، لأنه أقر أن الله لم يخاطب العرب بما لايعرفون، ثم قرر أن هذه الألفاظ غير عربية، وقد ثبت أن العرب يعرفون القرآن ولم ينكروا لفظه ولم يطعنوا في فصاحته، وهم لايعرفون غير العربية.
ثانيا: هو يدعي أن جذور حروف العربية سريانية، ثم جعل يفسرها وفق اللغة العبرية! فهل العبرية هي السريانية؟ لا يقول بهذا عاقل.
ثالثا: من المقرر في علم اللغة أن بعض ألفاظ اللغات قد تتفق في معانيها وتتقارب ألفاظها، ومع ذلك لايعد هذا دليلا قاطعا على تقارض حاصل بين تلك اللغات، ولا أن إحدى تلك اللغات فرع عن غيرها، أو جذور تلك الألفاظ مأخوذة من اللغات الأخرى. ومن أمثلة ذلك بعض الكلمات في العربية والإنجليزية نحو tall= طول...الخ. واللغة العربية والسريانية والعبرية والآرامية كلها من الفصيلة السامية، فأصلها واحد، ولذلك لاينكر أن يوجد اشتراك بينها في بعض الألفاظ أو الطرق النطقية للأصوات، ولا يجوز أن يفسر ذلك على أنّ بعضها فرع عن الأخرى، أو لهجة من لهجاتها.
رابعا: لقد زعم هذا المدعي أن أسماء الحروف العربية لا معاني لها عند العرب، نحو: ألف، لام، ميم، عَين ، كافٌ، سينٌ...إلخ. وهذا جهل بالعربية، وإنما حمله على ذلك أنه لم ينتبه للمشترك اللفظي في العربية، فمثلا: (نون) اسم للحرف الهجائي، ومعناه الحوت. و (هاء) اسم للحرف، ومعناه خُذ. واللاّمُ: اللوْمُ ،والهَوْل، والشديد من كل شيء، والقُرب ، والشيء الشاخص... و(العَيْن) اسم للحرف، ولها معان كثيرة في العربية...كل هذا تعرفه العرب ولم يفسروا به تلك الحروف المقطعة في أوائل سور القرآن؛ لأنهم يعلمون أنها وردتْ في تلك الأماكن حروفًا هجائية لا أسماءً ولا أفعالاً.
خامسا: الكلمة يحكمها سياقها، ولايصح تفسيرها وفق سياقها بمعزل عنه، وهذا هو الذي جعل صاحب المقطع يفسر هذه الحروف ويجعلها كلمات عربية متوافقة مع سياقها في القرآن بحسب فهمه هو، وادعى أن تلك المعاني يتوصل إليها بفهم اللغة العبرية التي يدعي أنها أصل العربية، فهذه كلمات مأخوذة من الأصل العبري!! ولم يَعلم أن ذلك لو صح لكان أكثر ما يدل عليه وجود اشتراك لفظي ومعنوي بين اللغتين في بعض الكلمات، وهذا شائع في اللغات البشرية كلها، ولو أنه عاد إلى سياقاتها لاستبعد تجذيرها من غير العربية استبعادًا كاملاً، ولكنه غفل عن قوانين العربية في ألفاظها ، ومعانيها، وأساليبها، ولذلك أتى بمضحكات، مثل: الله يعظ ذكر رحمت ربك ....ولم يتنبه إلى أن المعاني التي يزعمها لاتلتئم مع سياق هذه الحروف في القرآن.
سادسا: لأجل الفهم السقيم للسياق زعم العوام أن طه ويس من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، لأنهم وجدوا الخطاب موجها له عقيب هاتين الآيتين، وهذا فهم سطحي، لأن السياق إذا لم يوافقه المعنى المعجمي يصير إلى سياق آخر مغاير.
ولأجل هذا كله وجد كثير من علماء العربية أن بعض هذه الألفاظ مستخدم في لغات أخرى كما روي عن ابن عباس وغيره، ومع ذلك لم يجرؤوا على حمل اللفظ القرآني عليها؛ لضعف ذلك لغة وعدم استقامته شرعا، ولعدم ملاءمته للقرآن، ولأن المتوجه أن يكون غيرُ العرب هم الناقلين المتأثرين بالعربية، لعتاقة العربية وقِدَمِها التاريخي، وقوتها في خصائصها اللغوية، واستقلالها في نظامها المعجمي والنحوي.
سابعًا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا بفضل القرآن، وأن كل حرف منه بحسنة والحسنة بعشر أمثالها، وقال: "لا أقول (ألم~) حرف، ولكن ألف حرفٌ، ولام حرفٌ، وميم حرف..." فنصّ على أنها حروف هجائية صوتية فقط، ولم يسمها كلمات مستقلة، فدل ذلك على أنه لا يجوز تفسيرها بغير ذلك، كما لا يجوز: أن يقال في كلمة:"الحمد" إن كل حرف من حروفها له معنى خاص، فتكون اختصارات لكلمات مختزلة، بل الصواب أن كل حرف من أي كلمة لايعدو كونه حرفًا هجائيا لا يتعلق به أي معنى من المعاني، وإنما تتعلق المعاني بالكلمات المركبة من عدة حروف، ولو ساغ تفسير كل حرف بالمعاني التي لاسمه لكان ذلك فسادًا شنيعا للغة ونظامها، هذا في اللغة نفسها فكيف بحمل تلك المعاني بما قد يقاربها في لغات أخرى؟!
ثامِنًا: وجود كلمات من المتشابه الذي لايعلمه إلا الله في القرآن لايدل على أن الله خاطبنا بما لانفهم، بل يدل على أنه يقول مايشاء ويحكم ما يريد، وأن كتابه كله من عنده وبالوصف الذي وصفه (قرآنًا عربيًّا غيرَ ذي عِوَجٍ) وطلب منا أن نؤمن به معنى ولفظا، ونسلّم له فهمنا أم لم نفهم، وقد خاطبنا بذلك وفهمنا خطابه وعقلناه، ولم يكلفنا بالبحث عما يشتبه علينا أو استأثر به لحكمته، فلا داعي للتشويش على نفوس العوام من هذه الزاوية لإلقاء الشُبَه عليهم.
تاسِعًا: درج الطاعنون في الإسلام والنبي على إثارة مثل هذه المزاعم والشبه العارية من الصحة والخاوية من البرهنة العلمية لغرض الطعن في هذا الدين وتضليل الناس والصد عن دين الله لالغير ذلك، فهم لم ينطلقوا من علمٍ وبرهانٍ، ولكن انطلقوا من قناعات سابقة، وأغراضٍ عقدية أو عنصريةٍ، وتبعهم على ذلك من عنده نقص في العلم الشرعي وعلم العربية، فتأثر بهم فئام من المثقفين العرب فأخذوا يرددون تلك المقولات وينشرونها في العالم بلا وعي ولاعلم، فينبغي للعاقل أن يعلم ذلك ويحذره، ولا يأخذ علم كتاب الله إلا من العلماء الراسخين من المسلمين، من ذوي البصيرة في العلم الشرعي واللغة العربية، من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم، لا من أتباع الأهواء والأحزاب والجماعات المخالفة لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
عاشرًا: لقد أخبرنا الله بحقيقة لغة القرآن، فقال " إنا أنزلناه قرآنًا عربيا" وقال: " فإنما يسرناه بلسانك" أي بلغتك، يريد لغة الرسول صلى الله عليه وسلم. وقال: " وما أرسلنا من رسولٍ إلا بلسان قومه ليبين لهم" ولا يخالف أحدٌ في أن لسان قومه عربي مبين وليس سريانيا ولا عبريا ولا آرامياً، وقال: " لسان الذي يُلحِدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين" وأخبرنا أن العرب لو وجدوا في هذا القرآن ألفاظًا غير عربية لكان ذلك حجة لكفارهم ومعارضيهم الذين يبحثون عن أي شيء يطعنون به في هذا الدين، ولكنهم لم يجدوا شيئًا غير عربي فيه، فقال تعالى: " ولو جعلناه قرآنًا أعجميا لقالوا لولا فُصِّلَتْ آياتُه، أاعجمي وعربِيّ" يعني أيكون قرآنٌ أعجمي يتنزَّلُ على رسول عربيٍّ؟!!
ولا أصدق من الله قيلا وحديثاً، فكيف يدعي أحدٌ خلافه!!!
د. عبد الله بن محمد الأنصاري.